أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ملاحظات على الانتخابات.. تركيا، أردوغان الظاهرة الفريدة، الحالة والأمة

حامد اغبارية

لم تكن الانتخابات الأخيرة في تركيا انتخابات عادية، بل كانت انتخابات عابرة للمحيطات. ذلك أنها استقطبت اهتماما كونيا غير مسبوق، لعدة أسباب وجيهة، أهمها الوضع الملتهب في المنطقة، والدور المهم الذي تؤديه تركيا في المنطقة، ومشروعها الأهم في الخروج من عنق زجاجة الاستعمار، ومن قُمقم العسكر الذي حُبست فيه تركيا نحو مائة سنة، والكواليس الخفية التي تخطط لإسقاط تركيا، والتي تساهم فيها كل دول العالم تقريبا، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والمؤسسة الإسرائيلية وروسيا والاتحاد الأوروبي، ودول عربية تدور في فلك الصهيونية وواشنطن والماسونية العالمية، كمصر والإمارات والبحرين والسعودية والعراق، إضافة إلى إيران، ثم الظاهرة الفريدة التي يشكلها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتي لا أظن أن لها مثيلا في العصر الحديث.

رفضوا مرسي فحصلوا على أردوغان

كان واضحا أن ما حدث في عام 2011 في عدد من الدول العربية، خاصة في مصر، لم يكن ليمر مرّ الكرام، وأن دول الاستكبار العالمي لن تسمح للشعوب العربية بالتحرر من ربقة الأنظمة الفاشية التي تحكمها بالحديد والنار، وأنها ستقتنص أول فرصة للإطاحة بإنجازات تلك الشعوب في ثورات الربيع العربي، والتي على رأسها صعود التيار الإسلامي، الذي كان في مقدمة تلك الشعوب التي ثارت ضد الفساد وضد الأنظمة القمعية. بل كان صعود التيار الإسلامي وظهور بوادر تسلمه لزمام الأمور في كل من مصر وتونس وليبيا، ومن بعدها سوريا واليمن، هو المحرك الأول، إن لم يكن الوحيد، لدول الخراب للتصدي لتلك الثورات، وتحريك جيوش الفساد التابعة لها في تلك الدول، لتنظيم “ثورات مضادة” تسندها الجيوش التي نمى لحم أكتافها من دولارات وأسلحة أمريكا والاتحاد الأوروبي وروسيا والمؤسسة الإسرائيلية.

وكانت تركيا أردوغان تكاد تكون الدولة غير العربية الوحيدة التي ساندت الشعوب العربية في ثوراتها دون تحفظ ودون شروط، بل وقدمت كل إمكاناتها لإنجاح تلك الثورات وإحداث التغيير المطلوب، الذي يضع الدول العربية والإسلامية على خط النهضة المرجوة، التي تؤهلها لاستعادة أمجاد الأمة، التي أطاح بها الغرب الصليبي بالتعاون مع المشروع الصهيوني، في مؤامرتهم التي انتهت بإسقاط الخلافة الإسلامية، وتفتيت الدولة الإسلامية الواحدة، واللعب على نغمة القومية العربية والقومية الطورانية (التركية)، ومن ثم السيطرة على المنطقة عسكريا وفكريا وإيديولوجيا في إطار سايكس – بيكو.

وكانت مصر-ثورة يناير هي الدولة التي حظيت بالاهتمام الأكبر من تلك الدول، كونها أكبر دولة عربية، وكونها دولة حدود مع فلسطين التاريخية، والأهم من ذلك كونها المركز الأم لتنظيم الإخوان المسلمين، الذي كان واضحا أنه سيقود مصر(والمنطقة) في المرحلة القادمة. ومن هذا المنطلق – وباختصار شديد-كان التآمر على الرئيس محمد مرسي من خلال الانقلاب الذي نفذه عبد الفتاح السيسي، بدعم أميركي أوروبي إسرائيلي سعودي إماراتي.

لقد ظن هؤلاء أنهم بالانقلاب على مرسي، والإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر، والعمل على تقليص تأثير حركة النهضة في تونس، وإشعال الحرب الأهلية في كل من اليمن وليبيا، وتدمير سوريا، قد حققوا مرادهم بمواصلة السيطرة على مقدرات شعوب تلك الدول، والإبقاء على الأمة ضعيفةً، مستنزفة بشريا واقتصاديا وعسكريا، ولكن أردوغان كان لهم بالمرصاد. لقد رفضوا مرسي فحصلوا على أردوغان، على الرغم من الفارق الكبير بين الرجلين، من حيث المشروع والأسلوب. فالرئيس محمد مرسي كان يمثل مشروعا إسلاميا شديد الوضوح والمصطلحات، وهو مشروع لم تُتح الفرصة بتطبيقه في هذه المرحلة، بينما مارس أردوغان مشروعه ذا الخلفية الإسلامية على أرض الواقع دون أن يصرّح بذلك مباشرة، بل في كثير من الأحيان كان يتخذ إجراءات الأسلمة البطيئة، وهو يتحدث في نفس الوقت عن تركيا العلمانية، وهذا ما يعرف في عالم السياسة بـ “الاختراق الناعم”. كما أن مشروع الإخوان المسلمين يختلف عن مشروع حزب العدالة والتنمية التركي. لقد حصلوا على أردوغان بكل ما يحمله هذا الرجل من مفاجآت ربما لم تخطر على بالهم، أو ربما لم يكن لها شبيه، إلا في حالة واحدة، وهي حالة السلطان عبد الحميد الثاني، الذي تصدى للمؤامرة على مدار ثلاثة عقود من حكمه، حتى سجل له التاريخ أنه أخّر تحقيق حلم المشروع الصهيوني ثلاثين سنة، ولم يتمكنوا من إسقاطه إلا بخيانة الباشوات داخل قصر الخلافة وبتعاون من بعض قيادات الجيش. ولقد حاول أعداء الأمة إسقاط أردوغان من خلال محاولة الانقلاب الفاشلةعداء الأمةأع في منتصف تموز من العام 2016، لكنهم فشلوا، لأن الشعب التركي وشرفاء الجيش والشرطة كانوا لهم بالمرصاد. ولم تكن محاولة الانقلاب الفاشلة هي المحاولة الوحيدة، بل كانت هي ذروة الألعاب القذرة التي مارسها أعداء مشروع أردوغان من الداخل والخارج، والتي كان منها تشويه السمعة الشخصية وطهارة اليد، حتى طالت المسألة أسرته، وشن حملات إعلامية مكثفة في جهات الأرض الأربع للتقليل من قيمة وشأن ما يفعله أردوغان وحكومته، ومحاولات ضرب الاقتصاد التركي بشتى الوسائل، والتي كان آخرها ضرب الليرة التركية، لإحداث هزة في اقتصاد الدولة تنعكس سلبا على شعبيته، التي أثبت الشعب التركي أن أسهمها تزداد ارتفاعا كلما ازدادت شراسة الهجوم على الرجل.

أردوغان الظاهرة الفريدة

يشكل الرئيس رجب طيب أردوغان ظاهرة سياسية فريدة من نوعها. فقد تمكن خلال عقد ونصف العقد من إنهاء سيطرة العسكر على تركيا، وتجاوز المظاهر العلمانية التي فرضها عسكر أتاتورك على الحياة العامة؛ رسميا وشعبيا، بخطوات ذكية جدا، مكنته، بدعم من حزب العدالة والتنمية، ذي الخلفية الإسلامية، وبتفاعل عجيب من عموم الشعب التركي المسلم بفطرته، المتدين بطبيعته، وكذلك بتفاعل غير مسبوق من عموم الشعوب العربية والإسلامية في المنطقة كلها، وهو تفاعل يحتاج إلى دراسة مستفيضة يستفاد منها لاستشراف مستقبل المنطقة، ومستقبل تركيا على حدّ سواء. وسنتطرق إلى هذه الموضوعة باختصار فيما يلي من سطور. وهكذا استيقظ العالم على تركيا أخرى مختلفة، تركيا التي بدأت تستعيد عافيتها الإسلامية، خطوة خطوة، ودون ضجيج، يقودها رجل ارتقى في سلم العلم السياسي من أوساط الشعب البسيط، رجل ليس مجرد رئيس دولة، بل قائد يتمتع بجاذبية (كاريزما)، قائد يحمل مشروعا أخرج بلاده من قاع الحفرة التي أراد لها أعداؤها أن تبقى فيها، قائد يملك قدرة على الخطابة نادرة في أوساط قادة الدول، ليس فقط على مستوى المنطقة، بل على مستوى العالم، ورجل واجه الدنيا كلها، وتصدى لكل المؤامرات، متخذا مقولة: ننتصر للمظلوم ونتصدى للظالم، ليس في تركيا فحسب، بل في كل العالم، استراتيجية غُيّبت عن المشهد السياسي في العالم كله طوال قرن مضى.

الحالة والأمة:

لم يحدث أن حظيت انتخابات في دولة ما، يُفترض أنها انتخابات عادية، يتنافس فيها مرشحون، فيفوز من يفوز ويخسر من يخسر، بكل هذا الاهتمام كما حظيت الانتخابات الأخيرة في تركيا.

والسؤال: لماذا؟ لماذا كل هذا الاهتمام في العالم الإسلامي كله؟ ولماذا اجتاحت الفرحة الشارع العربي والإسلامي لفوز أردوغان في الانتخابات؟ ولماذا كان (وما يزال) كل هذا الترقب لتلك الانتخابات في أميركا وتل أبيب والاتحاد الأوروبي، وفي دول التبعية والتآمر العربي: مصر والسعودية والإمارات وغيرها…)؟

إن السبب ليس أردوغان الشخص، ولكنها الحالة. فالأمة بشعوبها متعطشة إلى نهضة إسلامية تعيد لها أمجادها التي ضيعتها أنظمة العار، وقد شكل أردوغان بالنموذج التركي جوابا لهذا التعطش، بعد أن أطاحت المؤامرة (مؤقتا) بحملة المشروع الإسلامي، خاصة في مصر. وكان يمكن للرئيس محمد مرسي – على سبيل المثال-أن يشكل العنوان الذي تشرئب إليه الأعناق، لو قدر الله له أن يستمر كما كان يريد.

معنى هذا أن الشعوب العربية والإسلامية تحلم بقائد أو بقيادة تخرجها من عنق الزجاجة التي أدخلتها فيها سايكس – بيكو. وبوضوح أكثر، فيما يبدو لكل ذي لبّ، تريد قيادة واحدة تقودها إلى قيادة الأمم كما كانت ذات يوم غير بعيد.

ربما لم يكن أردوغان هو الشخصية التي يمكنها أن تحقق هذا الحلم وهذه الإرادة، لكنه بالتأكيد يشكل، بحضوره العالمي والإقليمي، قاعدة يمكن الانطلاق منها، في ظل غياب بديل أفضل في هذه المرحلة.

لذلك فرحت الشعوب العربية. فرحت لما يمثله أردوغان. وفرحت لأنها أدركت بالحس والفطرة والواقع كذلك، أن كل تلك المؤامرات والمواقف والترصد الصادرة عن الغرب وتل أبيب وأنظمة العار العربية تؤكد أن الرجل في الطريق الصحيح، وأنه يشكل كابوسا لهؤلاء.

2023

وما الكابوس الذي يشكله أردوغان لهؤلاء؟

أما بالنسبة لأنظمة العار العربية فإن نجاح التجربة الأردوغانية يهدد مستقبلها ووجودها، رغم ما تملكه من وسائل بطش وقمع ضد شعوبها، ورغم ما تحظى به من دعم خارجي، من دول الاستكبار العالمية.

لكن الأهم من هذا هو موقف الغرب المرعوب من صعود تركيا وتقدمها صفوف الأمة، مع اقتراب عام 2023، وهو العام الذي تنتهي فيه مدّة معادة “لوزان” (الثانية) المذلة، التي أجبرت تركيا على التوقيع عليها في 24 تموز من العام 1923. وهي الاتفاقية التي قيدت يديها، وقلصت حدودها، ومنعتها حتى من حقها في التنقيب عن النفط، ومن ربط البحرين الأسود ومرمرة بقناة مائية تشكل ممرا للتجارة العالمية تمكنها من جباية الضرائب، ناهيك عن حقوقها في أراض وجزر؛ منها ما ضمته الاتفاقية إلى اليونان، ومنها ما استولت عليه إيطاليا، ومنها ما ألحق بالعراق مثل مدينة الموصل، والأهم من ذلك أن تلك الاتفاقية ألغت الخلافة الإسلامية وأعلنت تركيا دولة علمانية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك.

لقد قال الرئيس أردوغان في السنوات الأخيرة، أكثر من مرة، إن عام 2023 سيشهد تركيا أخرى، وكان يعني ما يقول، وهذا ما يرعب أعداء تركيا، الذين هم في الحقيقة أعداء الأمة الإسلامية، وأعداء المشروع الإسلامي، وأعداء النهضة الإسلامية.

مع النظام الجديد في الحكم في تركيا، سيبقى أردوغان رئيسا للدولة التركية حتى تموز 2023، وهو التاريخ الذي تنتهي فيه مدة اتفاقية “لوزان”. فما الذي يحمله ذلك العام من أحداث وتطورات وتغييرات؟

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى