أخبار وتقاريردين ودنيامقالاتومضات

سرّ حياة الأمم ومصدر نهضتها

الشيخ أمير نفار- عضو حركة الدعوة والإصلاح

في سورة يوسف عليه السلام قصة حياة عجيبة، بل قصص وتجارب ومرارات، ولكن الرجل– سيدنا يوسف عليه السلام،– كان هو الفائز في كل تجربة، وهو البطل بلا منافس في كل مرارة، فإن سيدنا يوسف عليه السلام بدأ رحلته من التميز، وانتهى بالتميز، ولم يكن يومًا زائدًا في الحياة.

بدأت قصته من الرؤيا والبشرى {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ}– يوسف 4 – وانتهت بالتمكين والسيادة، {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}– يوسف 56- وبين هذا وذاك، تمتد مسافة من الابتلاءات تختبر اليقين وتشدد عليه في الامتحان، تألق عليه السلام فيها جميعًا.

وفي قصة سيدنا موسى عليه السلام نجد نفس الملمح والعِظة، فقد كان هو بطل القصة بلا منافس وهو الفائز في كل تجربة، بدأت القصة بالقتل والتهجير، وانتهت بسقوط الطاغية، ولكن بين هذا وذاك مراحل من الهجرة والخوف والأمل… كان هو في جميعها المنتصر.

وبين وعد الله نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بردّه إلى مكة المكرمة {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}– القصص 85– وبين تحقق ذلك عام الفتح، تمتد أيضًا مسافة من الابتلاءات والتضحيات والأمل… كان صلى الله عليه وسلم ومن معه من أهل الحق واليقين، ينتصرون في كل تجربة، ويخرجون من كل ابتلاء خروج السيف من الجِلاء.

هذه النماذج تُجلّي للسالكين على طريق الدعوة سنة من سنن الله تعالى، عبّر عنها الأستاذ البنا رحمه الله بقوله: “إن الرجل سرّ حياة الأمم ومصدر نهضتها، وإن تاريخ الأمم جميعًا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين أقوياء النفوس والإرادات، وإن قوة الأمم، أو ضعفها إنما تقاس بخصوبتها في إنتاج الرجال الذين تتوفر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة، وإني أعتقد– والتاريخ يؤيدني– أن الرجل الواحد في وسعه أن يبني أمةً إن صحت رجولته، وفي وسعه أن يهدمها كذلك إذا توجهت هذه الرجولة إلى ناحية الهدم لا ناحية البناء”.

وهذه العبارة مهمة جدًا بالنسبة للدعوات، فالدعوة لا تعيش بالفكرة فقط، و “إنّ صواب الفكرة لا يكون سببًا كافيًا لانتصارها، وصحة المنهج لا تعني وجوب النصر، وطبيعة الحق ليست بالضرورة دليلاً على التمكين له، ما لم يُصاحب كل ذلك: حَملة أوفياء، وقادة أذكياء، وحُراس أيقاظ”.

فهناك علاقة بين قانون (التعب) وقانون (الإنجاز)، ولهذا قال بعض العقلاء: “إن النعيم لا يدرك بالنعيم”، والشاعر العربي قال قديمًا وهو يصوّر الحالة:

لَوْلا المَشَقّةُ سَادَ النّاسُ كُلُّهُمُ الجُودُ يُفْقِرُ وَالإقدامُ قَتّالُ

فإيّاك أن تُسلم وعيك لكلّ ما يمكن أن يخدّر همتك، أو يعرقل سعيك…

إيّاك أن تستسلم لوهم العجز، أو مُتلازمة فقدان الجلَد…

الغيب بيد علاّم الغيوب، والحياة ميدان الاختبار، والسباق معقود ما دامت فيك أنفاس تتردد.. فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل، فأنت سرّ حياة الأمة ومصدر نهضتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى