أخبار وتقاريرمقالاتومضات

الحركة النسوية المتطرفة- الفامنيزم (2)

ليلى غليون

تحدثنا في المقال السابق حول الحركة النسوية العربية والمراحل التي مرت بها، وسيكون حديثنا في هذا المقال حول الحركة الأنثوية المتطرفة المعروفة (بالفامنيزم) ومنشأ هذه الحركة وفلسفتها ودورها الخطير في الحرب الثقافية والغزو الفكري المعلن على المجتمعات العالمية بصورة عامة والإسلامية بصفة خاصة.

فكما هو معروف فإن الأمم المتحدة تبدي اهتمامًا شديدًا بقضايا المرأة والشباب والطفولة وقد تبنت هذه القضايا، ويقود صندوق الأمم المتحدة للسكان والتنمية المخططات والبرامج التي تخص المرأة والشباب والطفولة، وقد دأبت الأمم المتحدة على إصدار الوثائق المتتالية من خلال المؤتمرات الخاصة بالمرأة والطفل على أساس أنها تقوم بحمايتهما، وترى لجنة المرأة في الأمم المتحدة بأنها المسؤولة عن صياغة ومتابعة وتطبيق المواثيق والمعاهدات الدولية، وهذه اللجنة تسيطر عليها الحركة الأنثوية المتطرفة (الفامنيزم) والتي تدعو إلى (الوثنية النسوية) وإلى التماثلية بين الرجل والمرأة في كل شيء، وهذه اللجنة قامت بتشكيلها امرأة اسكندناڤية كانت تؤمن بالزواج المفتوح (الزنا) وترفض الأسرة، وتعتبر الزواج قيدًا، وتنادي بالحرية الشخصية المطلقة ليتم سيطرة الشاذين والشاذات جنسيًا على لجان الأسرة والمرأة في الأمم المتحدة.

وهذه النزعة نشأت عن فكرة علمانية والتي تؤله العقل وترفض الدين كمرجعية عليا وتعتبر النفس هي مركز الأشياء، مما دفعها إلى تبني مذهب اللذة الذي نادى به الفيلسوف اليوناني (ابيقور) والذي يعتبر الخير دائمًا في كل ما هو لذيذ، وأي فعل يعتبر خيرًا بمقدار ما يحقق من لذة، لتعتبر هذه المرأة أن اللذة غاية عليا، مما أحدث ما يسمى بالثورة الجنسية في الستينيات عند الغرب.

هذه الحركة ذات نفوذ كبير ولا تحدها حدود جغرافية، فهي حركة عالمية تقف من ورائها منظمات نسائية، وممولون وسياسيون يروجون لفلسفتها ومبادئها ويعملون على تنفيذ برامجها، وهي صاحبة الدور الكبير في صياغة مؤتمرات بكين للمرأة، حيث تسعى لاختراق وتقويض الأسرة بصفة عامة والأسرة المسلمة بصفة خاصة، تتجمل بعبارات ناعمة مثل التحرر والمساواة وصحة المرأة، كذلك فهي تتحكم في تعداد سكان العالم الإسلامي من خلال برامج تنظيم الأسرة، وتهاجم الدين الإسلامي بصفة خاصة وأنه سبب ظلم وقمع وتخلف واضطهاد المرأة.

إن فلسفة هذه الحركة المتطرفة مبنية على أساس (الجندر) أي لا يوجد هناك ذكر ولا توجد أنثى من الناحية الاجتماعية، ولا فرق بينهما البتّة، بل هناك نوع واحد، فالطبيعي من وجهة نظرها شاذ، والشاذ طبيعي، وهذه النظرية مبنية على نظرية (ماركس) لفهم التاريخ، فالتاريخ في نظره عبارة عن صراعات طبيعية يصارع فيها المظلوم الظالم فيتغلب عليه، بهذا يصبح المظلوم ظالمًا، وتستمر هذه النظرية بانحرافاتها لتقول: إن أول عامل تسبب في هضم الحقوق النسوية، هو وضع عبء الإنجاب على المرأة، وأول ظلم طبيعي هو ظلم الرجل للمرأة، وذلك حين أراد الرجل أن يعرف من هو أب المولود، ففرض على المرأة زوجًا واحدًا، ولهذا استعبد الرجل المرأة، لذا فإن هذه الحركة ترى أنه من الضروري إلغاء الملكية الخاصة حتى لا يتحكم الرجل بماله في المرأة، وكذلك فلا بد من إباحة الطلاق وقبول الزنى واللقطاء ودفع المرأة للخروج من البيت ووضع الأطفال في حضانات، كما لا بد من محو الدين كليًا، وبهذا تختفي الحالة الطبيعية للمرأة كأم، كما لا بد من اقتلاع فكرة الأسرة التقليدية من أذهان النساء، فالأسرة يمكن أن تقوم على أساس زواج المرأة بأخرى!!

وللفتاة حق الاختيار أن تعيش بلا ذرية أو تختار المشاركة في أمومة اصطنعتها بالحصول على نطف من معامل بيولوجية أو عن طريق تأجير أرحام أخريات!

ومن مبادئ هذه الحركة المتطرفة دعوتها إلى شغل المرأة في جميع المناصب مناصفة بينها وبين الرجل حتى المهام المنزلية، لاعتبارها أن الأمومة ليست غريزة فطرية عند الأنثى كما يشاع، بل هي وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها الأب أو الحاضنة أو أي شخص آخر، وهي وظيفة غير مربحة (للمرأة)، ولهذا نادت الأمم المتحدة لوضع إجازة للآباء لرعاية الطفل حتى تتفرغ الأم لعملها خارجًا، وممكن لنا أن نلمس الخبث والمكر المبطن من تسمية الأمومة بالوظيفة الاجتماعية والذي يكمن بإلهاء أو تغييب المرأة عن بيتها أطول مدة ممكنة لتؤدي بالتالي إلى التقليل من إنجابها، وذلك لوجود الخوف الشديد، بل هو الرعب الذي يقض مضاجع العالم الغربي من التعداد السكاني في الدول النامية والذي شكل حسب إحصائية في عام 2021 ما نسبته 82% من سكان العالم، حيث يتوقع إذا استمر الحال كما هو، أن يشكل ذلك تهديدًا لقيادة الغرب للعالم ومكانته العسكرية والاقتصادية التي يحظى بها حاليًا، خصوصًا وأن نصف سكان الدول النامية تقل أعمارهم عن 25 سنة في حين أن أكثر سكان الغرب مسنون.

ومن هنا تأتي المساعي لهدم الأسرة عن طريق قلب الأدوار وإلغاء مفهوم الأبوة والأمومة في سبيل الوصول إلى المساواة التامة، فالأم لا يُراد لها أن تكون هي التي تربي الأولاد وتقوم على حضانتهم، والأب لم تعد وظيفته مقتصرة على العمل لتأمين حاجات الأسرة المعيشية، كذلك يأتي هدم الأسرة من خلال حثّ الأمم المتحدة وبوصاية من الحركة النسوية المتطرفة، الدول الموقعة على الاتفاقيات والقرارات الخاصة بالمرأة لوضع قوانين لمنع الزواج المبكر، وفي الوقت نفسه تشجيع المراهقين والمراهقات على ممارسة العلاقات خارج إطار الزواج من باب الحرية الشخصية، والعمل على رفع ولاية الآباء عن الأبناء وإعطاء الشذوذ صفة شرعية باعتباره حقًا من حقوق الإنسان، ومنح الشواذ الحق في التساوي مع الأسوياء في كل شيء حتى في الميراث، بل أكثر من ذلك، فقد تم إصدار وثيقة ملزمة وعلى المستوى الدولي بتجريم القوانين التي تعاقب على الشذوذ الجنسي واعتبرت كل تفرقة أو عقاب على أساس (الجندر) هو جريمة ضد الإنسانية.

هذا غيض من فيض من مبادئ وفلسفة الحركة النسوية المتطرفة، والتي دونت هذه الفلسفة كتوصيات ومقررات في وثيقة بكين المؤتمر الدولي الرابع، وهذه الوثيقة تعتبر قاعدة العمل لمخططات صندوق الأمم المتحدة والتي وصلت للأسف الى مجتمعاتنا العربية والإسلامية بهدف تمريرها وتطبيقها وتنفيذها في عقر ديارنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى