المجازر الإسرائيلية بحق مدنيي غزة: إعدام مقومات الحياة بالقطاع
كثف الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية حرب الإبادة على قطاع غزة قبل أكثر من 11 شهراً من استهداف البنية التحتية المدنية، ما سبّب مجازر لا حصر لها في صفوف النساء والأطفال وكبار السن من المدنيين الفلسطينيين. ومع اتساع رقعة النزوح وعدم وجود منازل للسكان للاستقرار فيها، لوّح الاحتلال الإسرائيلي عبر المؤسسة السياسية والأمنية والعسكرية باستخدام ما يُعرَف بـ”الضغط العسكري” على المقاومة في غزة من أجل إبرام صفقة تبادل.
وصعّد الاحتلال خلال الشهرين الماضيين من عمليات قصف المدارس وتجمّعات خيام النازحين في غزة، حيث ارتكب خلال هذه الفترة سلسلة متواصلة من المجازر، ولا سيما تلك التي طاولت مدارس. وكانت المزاعم العسكرية والسياسية الإسرائيلية تردد في كل مرة أنها استهدفت بنية عسكرية تحتية للمقاومة، أو قيادات في الأذرع العسكرية فيها، لتبرير الأعداد الكبيرة التي تسقط من الشهداء والجرحى في عمليات القصف. وباتت البيانات الصادرة عن جيش الاحتلال تتحدث عن استخدام تقنية دقيقة لتقليل ما تزعم أنه عدد الضحايا، غير أن أعداد الشهداء كانت في كل مرة أكثر ارتفاعاً عن سابقاتها في المجازر، كما حصل في مجزرة مواصي خانيونس التي ارتكبها فجر أمس الثلاثاء.
وكرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تهديده بتصعيد الضغط العسكري في غزة لإجبار المقاومة الفلسطينية على القبول بشروطه لإبرام صفقة تبادل ملائمة للشروط التي يريدها هو، والتي تتعارض مع طلبات المقاومة.
في المقابل، تشدد الفصائل والمقاومة الفلسطينية على أن المدارس مؤسسات مدنية تضمّ النازحين الذين تعرضت منازلهم للضرر، وتنفي باستمرار وجود أي بنية تحتية عسكرية تابعة لها في المدارس والخيام.
وترى الفصائل الفلسطينية أن المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين في غزة محاولة للضغط على موقفها التفاوضي في ضوء حالة الركود التي تشهدها المفاوضات، ورفض نتنياهو الانسحاب الكامل من غزة ووقف الحرب.
وعن ذلك، قال الباحث والمختص في الشأن السياسي محمد الأخرس، إن الاستراتيجية الإسرائيلية المتّبعة منذ بداية حرب الإبادة على غزة تقوم على القوة الغاشمة، حيث إن الاحتلال لم يتقيد بأي قيود ومحاذير يحددها القانون الدولي.
وأضاف الأخرس، أن سلوك الاحتلال في هذه المعركة كان مغايراً لكل الحروب والجولات السابقة، حيث إنه قرر الدخول في معركة صفرية تقوم على فكرة استعادة الردع وخلق وقائع سياسية جديدة متعلقة بتهجير أكبر عدد ممكن.
إعدام مناحي الحياة كافة في غزة
وأشار الأخرس إلى أن المجازر التي تستهدف النازحين في المدارس والخيام في غزة تندرج ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية التي تقوم على إعدام مناحي الحياة كافة بالنسبة إلى السكان، وجعل القطاع غير قابل للحياة في ظل الدمار والمجازر. وعن التداعيات الميدانية، رأى الأخرس أن مثل هذه المجازر لا يوجد لها انعكاس حقيقي على أداء المقاومة، ولا توجد لها مخرجات على الواقع الميداني، وهذا السلوك جُرِّب على مدار شهور الحرب، ولم يغير المشهد العملياتي بشكل يحقق الأهداف المعلنة من الاحتلال.
ولفت إلى أن المقاومة في غزة لم تتنازل طوال فترة الحرب، ولا سيما في ذروة المعارك وعمليات الإبادة والتجويع، وهي متمسكة بموقفها السياسي، ولا سيما أن الاحتلال يريد لهذه الحرب أن تستمر، وإن لم يكن هناك اتفاق، فمستقبل الشعب الفلسطيني كله سيكون في خطر.
واعتبر أن التبرير الإسرائيلي المتكرر لاستهداف النازحين، لم يكن يبحث عن أسباب بقدر ما يبحث عن ذرائع يقدم فيها خطاباً إلى المنظومة الدولية ووسائل الإعلام الدولية يبرر فيها جرائمه.
مجموعة من الأهداف
من جهته، رأى مدير مركز رؤية للتنمية السياسية، أحمد عطاونة، أنه بات واضحاً أن الاحتلال لديه مجموعة من الأهداف التي يسعى لتحقيقها، ولا سيما مع كل مجزرة يرتكبها في غزة على صعيد المدارس أو النازحين.
وقال عطاونة، إن تبرير الاحتلال أنه عثر على قيادي هنا أو هناك لتبرير المجازر لا يمكن اعتباره مبرراً للقصف فقط، وهذا القصف يهدف إلى ترويع الشعب الفلسطيني والضغط على المدنيين وعلى قيادات المقاومة.
وأوضح مدير مركز رؤية للتنمية السياسية أن هذا السلوك تبرير عملي “للإرهاب” بحسب القانون الدولي الذي يعرّف الضغط على المدنيين بهدف تحقيق أهداف سياسية، وبالتالي يمارس الاحتلال ضغطاً بالدم بهدف الضغط على المقاومة لإنجاز أهداف سياسية. في المقابل، أكد عطاونة أن هذه المجازر لن تمنح الاحتلال السيطرة الكاملة على تجمعات المخيمات والمدن، وبدلاً من ذلك هو لجأ إلى تهجير سكان مناطق أسماها “إنسانية” ثم يقوم بقصفها، وبالتالي لا يوجد أي تغيير ميداني.
ونبّه إلى أن المقاومة لن تستسلم، ولا الاحتلال سيسيطر على الأرض عبر قتل المدنيين وارتكاب المجازر، وبالتالي لن يكون هناك تداعيات ميدانية مباشرة عبر سلسلة المجازر المرتكبة.
وتوقع أن هذا السلوك لن يؤثر في الموقف السياسي الفلسطيني للمقاومة، فهذا الأمر سيغري الاحتلال أكثر وسيكبّد الفلسطينيين خسائر أكبر، وبالتالي من غير الوارد أن يكون هناك تنازلات جديدة.
وبحسب عطاونة، فإن تعريف الاحتلال بوجود بنية عسكرية، غير واضح المعالم، ويكذّبه المشهد الميداني، فلا توجد راجمات صواريخ أو دبابات عسكرية أو وسائل قتالية بين خيام النازحين، وهي مجرد خيام فيها نازحون.
المصدر: العربي الجديد