أخبار رئيسيةمقالاتومضات

إسرائيل بين فكّي محكمتين دوليتين

الإعلامي أحمد حازم

يبدو أنَّ شهية العالم انفتحت بصورة أكثر لرؤية إسرائيل في محاكم دولية. فبعد نجاح جنوب أفريقيا في جرّ إسرائيل للمثول أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة، ظهرت على الساحة الدولية بلدان تطالب بمحاكمة إسرائيل في محكمة الجنائيات الدولية. هذا الطلب ليس بجديد على المحكمة الجنائية الدولية، لأنها تجري بالفعل تحقيقا في وضع الأراضي الفلسطينية بشكل عام فيما يتعلق بجرائم حرب ارتكبت فيها منذ 13 يونيو حزيران 2014.

في منتصف شهر نوفمبر الماضي، قال كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إنه تلقى طلبا مشتركا من جنوب أفريقيا وبنجلادش وبوليفيا وجزر القمر وجيبوتي، للتحقيق في الوضع بالأراضي الفلسطينية، وإن التحقيق الآن يمتد ليشمل تصعيد الأعمال العدائية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وعن السبب في تقديم هذا الطلب، ذكرت جنوب افريقيا انه من أجل ضمان إيلاء المحكمة الجنائية الدولية اهتماما عاجلا بالوضع الخطير في الأراضي الفلسطينية.

بلدان أخريان وهما المكسيك وتشيلي، انضمَّا إلى الدعوات المطالبة بإجراء تحقيق من جانب “المحكمة الجنائية الدولية” في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والتي خلَّفت أكثر من 25 ألف شهيد فلسطيني.
وزارة الخارجية المكسيكية كانت في منتهى الوضوح عن سبب طلبها، إذ تحدثت في بيان عن “القلق المتزايد بشأن التصعيد الأخير للعنف، لا سيما ضد أهداف مدنية، واستمرار ارتكاب جرائم تقع ضمن اختصاص المحكمة، تحديدًا منذ هجوم 7 أكتوبر الماضي”. وأوضح البيان “أن المحكمة الجنائية الدولية هي المنتدى الملائم لتحديد المسؤولية الجنائية المحتملة، سواء ارتكبها عملاء قوة الاحتلال أو القوة المحتلة”. أمّا وزير خارجية تشيلي، ألبرتو فان كلافيرين، فقد قالها صراحة بمؤتمر صحافي في سانتياغو، إن بلاده تؤيد وتهتم بدعم التحقيق في أي جريمة حرب محتملة أينما وقعت.

وما دام الشيء بالشيء يذكر، فإن (منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي DAWN) التي يوجد مقرها في واشنطن قدمت قائمة بأسماء 40 ضابطًا عسكريًا إسرائيليًا إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان ردًا على دعوته في 17 نوفمبر/تشرين الثاني للأطراف لتقديم المعلومات ذات الصلة الى التحقيق المستمر الذي يجريه فريق التحقيق التابع لمكتبه في انتهاكات نظام روما الأساسي في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك الحرب الحالية على غزة.

المديرة التنفيذية لمنظمة DAWN سارة لي وتسن كانت في منتهى الصراحة بقولها: “باعتبارنا منظمة مقرها الولايات المتحدة، فإننا نتحمل مسؤولية السعي لتحقيق المساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها قوات عسكرية مدعومة ومحمية من الولايات المتحدة”. في إشارة واضحة إلى إسرائيل.

وليس من المستغرب في هذه الحالة ان تركّز المنظمة على الجرائم التي يرتكبها الجنود الإسرائيليون بأسلحة أمريكية في غزة، لا سيما وأن التزام منظمة DAWN بحقوق الإنسان والقوانين الإنسانية يعني أن من حقها إعطاء الأولوية لمعالجة الانتهاكات التي تسهلها أمريكا، مثل حالة الانتهاكات التي تقوم بها القوات الإسرائيلية. صحيح أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية، ومقرها لاهاي أيضا، ولا تعترف باختصاصها القضائي، لكن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أكد أنها تتمتع بالسلطة القضائية فيما يتعلق بجرائم الحرب المحتملة في غزة. كما يمكن للمحكمة الجنائية الدولية التحقيق مع مواطني الدول غير الأعضاء في ظروف معينة، مثل حالة الاتهامات المتعلقة بارتكاب جرائم في أراضي الدول الأعضاء. وتعتبر الأراضي الفلسطينية مدرجة ضمن أعضاء المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2015.

بقي علينا الإشارة الى نقطة مهمة معلوماتيًا، وهي أن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية تتعاملان مع قضايا الإبادة الجماعية، لكن الأولى تعمل على حل النزاعات بين الدول، بينما الثانية تحاكم الأفراد المتورطين في جرائم. البروفيسور البريطاني ويليام شاباس، الخبير البارز في قانون حقوق الإنسان والإبادة الجماعية الذى كان رئيسا للجنة تقصى الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان بشأن الجرائم في غزة 2014-2015، قال في مقابلة مع صحيفة الأهرام المصرية: “إذا كان هناك أمر تدابير مؤقتة من المحكمة في لاهاي ضد إسرائيل فإن ذلك سيزيد الضغط على المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان ليكون أكثر نشاطا في الملف الفلسطيني”.

كريم خان، الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 2021 عليه أن يكون رمزا للعدالة في كافة القضايا المقدمة له، وان لا يكون منحازًا لطرف ما. فكما سارع في اتهام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا خلال أسبوعين، فإنّه يتحرك ببطء كبير فيما يتعلق الأمر بالأراضي الفلسطينية، ومن المفترض أن يحترم خان شعار القضاء (الميزان) لكي لا تميل إحدى كفتيه للظالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى