أخبار رئيسيةالضفة وغزةتقارير ومقابلاتومضات

تجمعات فرغت تماما.. “أبو كباش” فلسطيني من آلاف نزحوا بعد اعتداءات المستوطنين

قسرا وتحت التهديد والوعيد أحيانا، وبالاعتداء المباشر من جيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه غالبا، اضطر الفلسطيني علي أبو كباش وعائلته وقطيع أغنامه للنزوح عن تجمعه البدوي بمنطقة “القبون” في بلدة المغيّر قرب رام الله وسط الضفة الغربية، تاركا وراءه أرضه ومراعي خصبة وذكريات سنوات طويلة.

وعائلة أبو كباش آخر عائلات تجمع “القبون” العشر التي رحلت مرغمة عن أرضها، لتكون ضمن أكثر من 1100 فلسطيني نزحوا منذ العام 2022 من تجمعاتهم السكنية البدوية إلى مناطق ريفية “أكثر أمنا” بفعل اعتداءات المستوطنين، حسب تقرير أممي صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالأراضي الفلسطينية (أوتشا).

ومن “القبون” شرق المغيّر إلى منطقة “الخلايل” غربا، نزح أبو كباش (60 عاما) وأسرته المكونة من 8 أشخاص مطلع أغسطس/آب الماضي بعد أن ظل لسنوات يُصارع الاحتلال ومستوطنيه.

وهناك التقته الجزيرة نت، وكان حاله مبعثرا تماما كما أثاث منزله ومستلزمات عيشه من خيم ومعدات زراعية، وحتى مواشيه أضحت حبيسة حظائرها دون مرعى.

 

نزوح بالجملة

وبكلمات قاسية وصعبة، تحدث أبو كباش عن عملية تهجيره التي تمت بمرأى المتضامنين الأجانب، وقال إنه نزح وعائلته بفعل قمع المستوطنين خاصة من عصابات “شبان التلال” واعتداءاتهم التي طالت البشر والأرض والمواشي مباشرة.

ويعيش الرجل حياة بؤس شديدة في أرض “الخلايل” حيث حط رحاله، فقد تفرقت عائلات التجمع على مناطق مختلفة، وتشتت عن أسرته التي انتقلت للعيش بقرية “أبو فلاح” المجاورة، ليتمكن أطفاله وأبناؤه من الالتحاق بمدارسهم ووظائفهم.

وحتى مكان النزوح الجديد والواقع بمنطقة “ج” الخاضعة لسيطرة الاحتلال الأمنية وفق اتفاق أوسلو، لا يخلو من اقتحامات قوات الاحتلال واعتداءاتهم. ويقول أبو كباش “نزحنا من السجن للزنزانة، فهناك كان يلاحقنا المستوطنون، وهنا الجيش، حتى الأغنام تم حبسها”.

وعدا تضاريس المكان الصعبة والأجواء الباردة التي لا يمكنه ومواشيه تحملها خاصة مع اقتراب الشتاء، يؤكد أبو كباش أن أكثرها سوءا انعدام المراعي، ولهذا يصرف أكثر من 1500 دولار شهريا لإطعام أغنامه، ولا يدخر جهدا في البحث عن مكان جديد يرحل إليه.

وعن تجمع القبون وحده، نزحت 10 عائلات تضم 80 فردا، مع أكثر من ألف رأس ماشية. وكان هؤلاء يسكنون ويحمون أكثر من ألف دونم (الدونم = ألف متر مربع) من الأرض من مطامع المستوطنين.

كما نزحت تجمعات قريبة يسكنها مئات الفلسطينيين كتجمع “رأس التين” الذي كانت تقطنه 15 عائلة، ومثلها في تجمع “عين سامية”. واحتل المكان مستوطن راعٍ يُدعى “حنان” ويحظى بدعم مستوطنين آخرين وبحماية جيش الاحتلال.

10 عائلات فلسطينية نزحت مع أكثر من ألف رأس ماشية من تجمع القبون البدوي (الجزيرة)

دون رادع

وبحماية من الشرطة والجيش الإسرائيليين، ينفذ المستوطنون اعتداءاتهم دون رادع، بل ويعتبرون أنفسهم “الشرطة والجيش والمحكمة والقاضي” مثلما أخبروا أبو كباش عندما حاول رفع شكوى ضدهم.

وبنزوح التجمعات البدوية، فقدت قرية المغيّر خاصة أكثر من 30 ألف دونم من مساحة أراضيها المقدرة بـ 42 ألف دونم، ولم يتبق لأهلها سوى ألف دونم هي المخطط الهيكلي للقرية، وما تبقى من أراضيها يُخضعه الاحتلال لسيطرته.

ومنذ أكثر من 30 عاما، تقيم عشرات العائلات الفلسطينية في “القبون” والتجمعات المحيطة، ويقول مرزوق أبو نعيم عضو المجلس المحلي بقرية المغيّر، إنه في سنة 2017 بدأ الاحتلال وعبر “الاستيطان الرعوي” الهادف لطرد السكان والسيطرة على الأرض، بتنفيذ خططه الإحلالية، وشيّد مستوطن يدعى “حنان” بؤرة استيطانية في “القبون”.

 

“إرهاب المستوطنين”

ويضيف المسؤول المحلي “بطرق تدريجية واحتلالية توسعية، امتدت بؤرة حنان فوق أراضي المواطنين، ليبدأ بعدها بالسيطرة على الأرض وتهجير السكان الذين فقدوا الشعور بالاستقرار والأمن بفعل إرهاب المستوطنين”.

ومن خيمة أقاموها قبل سنين بؤرة لهم، توسّع المستوطنون فشيدوا بيوتا متنقلة بعد مصادرة مساحات شاسعة، ومن ثم حاصروا المراعي وسرقوا الأغنام، وفي الليل يطلقون طائرات “دورن” زنّانة لإزعاج الأهالي وإرباكهم ومواشيهم، كما يقول أبو نعيم.

ويقّدر تقرير “أوتشا” نسبة النازحين بـ12% من سكان 28 تجمعا فلسطينيا، غادروا إلى المدن أو المناطق الريفية الأخرى التي يعتبرونها “أكثر أمانا” حسب وصفه. حيث جرى تهجير 4 تجمعات بشكل كامل، وبـ6 تجمعات أخرى غادر أكثر من 50% من سكانها وفي 7 أخرى هاجر 25%.

وأكد المواطنون ارتفاع حدة المستوطنين وعنفهم خلال العام الجاري، بواقع 3 اعتداءات يوميا، وهو أعلى معدل تسجله الأمم المتحدة منذ بدأت توثيق هذه الانتهاكات عام 2006، وفق بيان المنظمة.

ويقع القبون والتجمعات البدوية القريبة شرق “شارع ألون” الاستيطاني الممتد من شمال الضفة إلى جنوبها، ويسعى الاحتلال عبره لتفريغ المنطقة من الفلسطينيين تمهيدا لضمها.

وفي السنة الحالية، أقام المستوطنون أكثر من 20 بؤرة استيطانية رعوية سيطرت على آلاف الدونمات، في ظل تنامي كبير لعددهم الذين تجاوز 750 ألفا في 150 مستوطنة و200 بؤرة يقطنها غلاة المتطرفين وتعد حاضنة للمنظمات الإرهابية الاستيطانية، بحسب تقرير صدر الشهر الماضي عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية.

 

بيئة طاردة

ويقول عبد الله أبو رحمة مسؤول العمل الجماهيري بهيئة الجدار والاستيطان (جهة رسمية) إن إسرائيل تنفذ “احتلالا استيطانيا فعليا قائما على خلق بيئة قاهرة وطاردة للفلسطينيين، عبر تخطيط ممنهج أقر سابقا وبدأت مليشيات المستوطنين تنفيذه قبل 5 سنوات، وصعّدته مؤخرا في ظل قيادة مواتية اعتلت سدة الحكم بإسرائيل”.

ويشير إلى أدوات استخدمها المستوطنون لتنفيذ مخططاتهم، بدءا بالبؤر الرعوية والاستحواذ على آلاف الدونمات، وتخريب المزروعات وسرقة مياه المواطنين ومواشيهم، وتدمير بناهم التحتية.

ولم يكتف المستوطنون بترهيب كل من يحاول الدفاع عن نفسه وأرضه بالضرب والاعتقال، بل عمدوا للقتل المباشر كما فعلوا مؤخرا بالشاب قصي معطان من قرية برقة شرق رام الله.

وعن آلية مساندة الأهالي وتثبيت السكان في أرضهم، يقول أبو رحمة إن الهيئة تنفذ برامج داعمة مكونة من شقين، يقوم أحدهما والذي -بدأ قبل أشهر وبالتعاون مع وزارة الزراعة- على توفير الأعلاف للمواشي للبقاء بالأرض وحمايتها في ظل انعدام المراعي. أما الثاني فيهتم بالمواطن نفسه عبر توفير تأمين صحي له وترخيص معداته الزراعية من آليات ومركبات.

وفضلا عن تشكيل هيئة الجدار والاستيطان لجان حماية فعلية، يقوم نشطاؤها رفقة متضامنين أجانب بتأمين التجمعات البدوية المهددة ورصد أي اعتداءات عبر الكاميرات.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى