أخبار رئيسيةأدب ولغة

قراءة في كتاب…اقتصاد الكيان الصهيوني وبناء قاعدة الاستيعاب والاغتصاب

مثّل الاقتصاد عاملاً بالغ الأهمية في مؤامرة اغتصاب فلسطين وتكوين أسس الكيان الصهيوني، سواء قبل حرب عام 1948 أو بعدها. وقد بدأ بناء الاقتصاد الصهيوني في فلسطين بأموال الصهاينة الذين تم تهجيرهم إلى فلسطين، وبالأموال التي وفرتها المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية من تبرعات، وبخاصة في الولايات المتحدة، أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين، ومن مصادرة الأراضي والأصول الفلسطينية العامة أثناء خضوع فلسطين للانتداب البريطاني.

وتعزز ذلك البناء بتدفُّق المساعدات المالية والعينية التي تلقاها الكيان الصهيوني من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن ينتقل إلى مرحلة جديدة بعد تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948، استولى الكيان خلالها على كميات هائلة من الأصول الفلسطينية الخاصة والعامة بعد طرد أصحاب الأرض وتشريدهم.

في هذا السياق صدر كتاب “الاقتصاد الصهيوني الغاصب والاقتصاد الفلسطيني الأسير” للباحث الاقتصادي أحمد السيد النجار، (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2023).

يقدم هذا الكتاب قاعدة بيانات شاملة وتحليلاً علمياً لتطور الاقتصادين الفلسطيني والصهيوني حتى عام 2023.

يفند الباحث في الفصل الأول “اقتصاد الكيان الصهيوني وبناء قاعدة الاستيعاب والاغتصاب” ثلاث أكاذيب صهيونية، أولها، الأكذوبة الصهيونية عن أسطورة بيع الفلسطينيين أرضهم، وتأسيس الكيان الصهيوني على تلك الأرض المشتراة، وهي الأكذوبة التي ترددها بعض الأبواق العربية لتبرير تنصل الدول العربية من مسؤولياتها تجاه فلسطين.

أما الأكذوبة الثانية، وهي، أن اليهود تم طردهم من البلدان العربية واغتصاب ملكياتهم.

وآخر هذه الأكاذيب اعتماد الكيان الصهيوني في تنفيذ جريمة احتلال فلسطين على نفسه.

وتناول الصناعة المدنية والعسكرية الصهيونية في فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وخطوط الحياة الحاسمة لتطورها التي جاءت مباشرة من بريطانيا وألمانيا وبولندا والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول الغربية.

ثم يفرد النجار فصلاً خاصاً عن المساعدات الخارجية للكيان الصهيوني ودرورها في بنائه وتطوره وتحول اقتصاده إلى اقتصاد صناعي متقدم في الوقت الراهن، تحت عنوان: “المساعدات الخارجية: كيان (تسليم مفتاح) و(معجزة زائفة)”، ليخلص إلى القول: “إن اقتصاد الكيان الصهيوني هو اقتصاد صُنعت قواعده وتم إمداده بأسباب الحياة والتطور من خلال المساعدات الخارجية، وهو بالأحرى كيان “تسليم مقتاح” جاء نتيجة التقاء حاجاته مع رغبات ومصالح صانعيه ومموّليه. أما ما يتم ترويجه عن التفوق اليهودي والمعجزة الاقتصادية الصهيونية فهي زائفة كليًا وأقرب إلى المسخرة”.

 

كان اقتصاد الكيان الصهيوني أقل من أن يلبي حاجة ذلك الكيان لتمويل تطوير قوته العسكرية والحفاظ على تفوقه على جيوش دول المواجهة العربية المتاخمة لفلسطين المحتلة.

بالرغم من كل الجهود الصهيونية والمساعدات الخارجية التي تلقاها الكيان الصهيوني في فلسطين قبل الاحتلال وتأسيس الكيان الصهيوني في عام 1948، فإن اقتصاد ذلك الكيان في عام 1948 لم يكن سوى اقتصاد متخلف باستثناء صناعاته العسكرية.

وإجمالاً كان اقتصاد الكيان الصهيوني أقل من أن يلبي حاجة ذلك الكيان لتمويل تطوير قوته العسكرية والحفاظ على تفوقه على جيوش دول المواجهة العربية المتاخمة لفلسطين المحتلة. وكان ذلك الاقتصاد أضعف من أن يحقق مستويات معيشية عالية يكون من شأنها جلب المهاجرين  إلى ذلك الكيان، كما كان أضعف أيضاً من أن يموَّل النفقات الضخمة لاستيعاب المهاجرين الجدد الذين يُعد تدفقهم للكيان الصهيوني ضرورة ديمغرافية وعسكرية قصوى أو ضرورة حياة لذلك الكيان في الحقبة التي تلت حرب 1948 مباشرة.

يتناول الكاتب في الفصل الثالث “اقتصاد الكيان الصهيوني: التطور وطموحات الهيمنة الإقليمية”، الاستراتيجية الاقتصادية الصهيونية تجاه فلسطين والبلدان العربية في مجالات المياه والطاقة والتجارة والعمالة والاستثمارات السياحية، وطموحات الهيمنة الصهيونية الإقليمية، والاستجابة العربية المقاومة أو المستسلِمة إزاء تلك الاستراتيجية.

ثم يتناول مستقبل اقتصاد الكيان الصهيوني وتأثيرة في مستقبل ذلك الكيان، ويري إن اقتصاد الكيان الصهيوني سيستمر كعنصر دعم استراتيجي لوجود ذلك الكيان وقوته، وبأن يكون إحدى نقاط ضعفه، بل إنه إحدى نقاط قوته، وبخاصة أنه أصبح في موقع أكثر تقدمًا مقارنةً بالاقتصاديات العربية”.

ويطالب الباحث بـ”تحسين الأداء الاقتصادي الوطني بقوة حتى يستطيع اقتصاد كل دولة عربية، وبالذات إذا كانت من دول المواجهة مع الكيان الصهيوني، أن يصمد في الصراع الاقتصادي معه مهما كانت عناصر الدعم الخارجي له. وهذا الصراع لا يقل أهمية عن الجوانب الأخرى للصراع، لأن الاقتصاد هو العنصر الأكثر أهمية عن الجوانب الأخرى للصراع، لأن الاقتصاد هو العنصر الأكثر أهمية في هيكل القوة الشاملة للدولة؛ لأنه ببساطة هو الذي يمكنه تمويل بناء القوة العسكرية وتحسين مستويات معيشة المواطنين والحفاظ على الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي الداخلي وضمان التأييد السياسي الخارجي”.

إن اقتصاد الكيان الصهيوني سيستمر كعنصر دعم استراتيجي لوجود ذلك الكيان وقوته، وبأن يكون إحدى نقاط ضعفه، بل إنه إحدى نقاط قوته، وبخاصة أنه أصبح في موقع أكثر تقدمًا مقارنةً بالاقتصاديات العربية

رصد النجار في الفصل الرابع “الاقتصاد الفلسطيني الأسير: من تحسين شروط الحياة إلى التطور المرهون بالاستقلال”، وضع الاقتصاد الفلسطيني على مدار قرن كامل، واختار عنوان ملائم لوضع هذا الاقتصاد، وهو، “الاقتصاد الأسير”، فخلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين كان الاقتصاد الفلسطيني محاصرًا من جهة بسلطة انتداب إجرامية تشرف على مخطط لمساعدة المهاجرين اليهود الصهاينة على اغتصاب الوطن الفلسطيني تنفيذًا لوعد بلفور، ومن جهة أخرى كان محاصرًا بعصابات صهيونية ممولة ومسلحة حتى الأسنان وتستثمر كل الفرص التي تتيحها لها سلطة الانتداب وظروف الاضطراب والترويع التي خلقتها هي نفسها بإرهابها وأعمالها الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني، من أجل قضم الوطن الفلسطيني بكل السبل الاستعمارية.

وبعد حرب 1948، وهزيمة العرب، وما تلاها من إدارة مصر لقطاع غزة وإدارة الأردن للضفة الغربية والقدس، “لم تبذل مصر والأردن أي جهد منظم ومحدد الأهداف لبناء اقتصاد قوي كأساس لتمويل بناء القوة الشاملة والقدرة الذاتية للشعب الفلسطيني على الصمود ومواجهة الكيان الصهيوني”، فـ”كان اقتصاد الضفة والقدس وغزة أسيرًا لرؤية حكومة عربية قاصرة قامت على مجرد التسيير سواء من الإدارة الأردنية أو نظيرتها المصرية رغم علو الصوت الوطني في ذلك الحين”. أما بعد احتلال باقي فلسطين في حرب 1967، فقد “أصبح الاقتصاد الفلسطيني في مجملة أسيرًا لاحتلال استعماري إجرامي من الكيان الصهيوني الذي يعد نموذجًا مركزًا لأسوأ ممارسات التمييز العنصري والاستعمار الاستيطاني الإحلالي”.

وأخيرًا، يطرح الباحث المسارات الممكنة لتطوير الاقتصاد الفلسطيني في الحدود الممكنة في ظل الاحتلال الصهيوني، إلى أن يتحقق الاستقلال الوطني.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى