مقالات

القدس الفاضحة!!!!

القدس هي دائمًا عظيمة ولكنّها كانت الأعظم هذه الأيام، القدس على الدوام كانت طاهرة لكنّها الأطهر هذه الأيام، القدس كانت دائمًا أصيلة لكنّها هي الأصل وهي المبتَدأ هذه الأيام. القدس هي الكاشفة وهي الفاضحة التي كشفت وفضحت حقيقة من خالفوها وخذلوها وطعنوها، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ على َذَلِكَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: “بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ”.
طويلة هي قائمة العار والفضيلة، للذين فشلوا في امتحان القدس. هؤلاء الذين طالما رسموا لأنفسهم صورة وتلفعوا بعباءة أخفت حقيقتهم، لقد فضحت المتردد الذي كان يظهر بثوب الحزم والقوة، وفضحت الخائن الذي كان وطالما ظهر بثوب الوطني النظيف، وفضحت الانتهازي الذي طالما اجتهد أن يظهر بثوب الأصيل صاحب الثوابت والمواقف الصلبة.
أراد الاحتلال الإسرائيلي أن ينصب بوابات إلكترونية لكشف المعادن على بوابات الأقصى، وإذا بالأقصى والقدس هما أدق وأمهر وسيلة لكشف معادن الرجال والزعماء. ولقد كان يخطط الاحتلال لنصب الكاميرات الذكية التي وعبر أشعتها فإنها تظهر الإنسان عاريًا كيوم ولدته أمه، وإذا بالقدس تُعري وتكشف ستر أدعياء الدين وأدعياء الوطنية وأدعياء القومية. نعم لقد عرّت القدس وفضحت نتنياهو الذي أصبح أضحوكة وملهاة للتندر وقد كشفت القدس حقيقته.

# الديك الممعوط #

بمقدار هيبة الديك في ريشه، وفي ذيله المرتفع، وعُرفه الأحمر منتصبًا فوق رأسه، وفي صوت صياحه العالي وفي مشيته. بموازاة ذلك فما أبشع مظهر الديك وهو خارج من معركة مع مجموعة ديَكَةٍ آخرين والدم يسيل من “عُرفه”، وريش جناحيه وذيله قد نُتِفَ، وقد ظهر جلده بسبب نقر الديَكة له. لقد دخل نتنياهو حلبة وميدان القدس مثل الديك يتهادى ويتبختر ويتوعد بمنقاره الحاد، وإذا به يخرج من معركة الأقصى معركة الإرادات مثل الديك الممعوط الذنب.
دون أن يعقد مجلسه الوزاري الأمني المصغر صباح الجمعة 14/7 قرر نتنياهو إغلاق المسجد الأقصى، ومنع إقامة صلاة الجمعة مستبيحًا المسجد طيلة يومي الجمعة والسبت، بينما فُتح المسجد الأقصى يوم الأحد وقد نصبت على مداخله بوابات إلكترونية، فكان موقف الشرف والصمود والبطولة، وكانت بداية معركة الإرادات بين نتنياهو وحكومته وأجهزة أمنه من جهة، وبين المرابطين والمرابطات من عشاق الأقصى وأحبابه من أهل القدس والداخل الفلسطيني. ثم كانت فكرة نصب الكاميرات الذكية لأسبوعين كاملين والدنيا تحبس أنفاسها وهي تنظر إلى هذه الجولة غير المتكافئة، وتنظر إلى نتنياهو يبحث عن حلول تنقذه من ورطته وتحفظ عليه بعض ماء الوجه، وإذا به يقع في ورطة أصعب من التي سبقتها.
انتهت معركة القدس بدخول أهلنا وشعبنا إلى المسجد الأقصى دخول الفاتحين مرفوعي الرؤوس والهامات، بينما نتنياهو يخرج مثل الديك الممعوط. ليس أن القدس والأقصى قد نتفوا ريشه ومعطوا ذيله، بل إنّهم وزراؤه ورجال الشاباك والشرطة والجيش والكُتّاب والصحفيين الذين سفّهوا رأيه، وطعنوا في سياساته الفاشلة حتى أنّ الصحفي والمقدم الإذاعي المشهور آريه غولان قد سمى جولة القدس “بالفضيحة”.
ولأنّ الديك الذي يخرج من معركة الديَكة ممعوط وينزف ومُهان، فإنه يروح يركض مصدومًا في كل اتجاه لا يدري إلى أين يذهب وماذا يفعل، هكذا هو نتنياهو المصدوم يأمر شرطته بالإعتداء السافر على مواكب الزاحفين إلى الأقصى يوم الخميس 27/7/2017 ، وفي ساحات الأقصى يجرح قريبًا من 120 فلسطيني، ثم يعلن عن توسيع حدود القدس، ثم يعلن عن موافقته على ضمّ قرى وادي عارة إلى السلطة الفلسطينية، ثم يعلن عبر وزرائه إمكانية اعتقال الشيخ رائد صلاح وقيادات في الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليًا، إعتقالًا إداريًا لأنهم بزعمهم هم وراء تأجيج الأجواء بسبب أنّهم كانوا أصحاب شعار وصيحة الأقصى في خطر، نعم هكذا يفعل الديك الممعوط.

# شيوخ الدهاليز #

في الوقت الذي رأينا وشاهدنا الشيوخ والعلماء يتصدّرون المشهد، و يلتحمون مع أبناء شعبهم من المرابطين على أبواب المسجد الأقصى رفضًا للسياسة الظالمة والاعتداء الصارخ على المسجد الأقصى، وفي الوقت الذي يطارد فيه دعاة آخرون ويلاحقون بين أوامر إبعاد لهم عن المسجد الأقصى والقدس منذ سنوات، وبين استداعاءات للتحقيق في مقرات أجهزة المخابرات الإسرائيلية. في نفس الوقت كان شيوخ آخرون يرابطون في جلسات دهاليز وأوكار مع حاخامات يهود للتوصل إلى تكتل وتحالف يدعو لحلّ سلمي للصراع على الأقصى.
لقد صرّح بذلك وسمعته بأذني، الراف ميخائيل ملكيئور بعد ظهر الخميس 27/7/2017 في القناة الإذاعية الثانية “ريشت بيت”، وذلك نفس ما قاله في الإذاعة نقله على لسانه الكاتب الصحفي اليميني “بن درور يميني בן דרור ימיני” في صحيفة يديعوت أحرونوت يوم الجمعة 28/7/2017. لقد أكد الحاخام ملكيئور أن حوارات جرت في الماضي واستمرت خلال الأحداث، ضمت حاخام مستوطنة عوفرا وحاخام مدينة رمات غان. وضمّت من أسماه الشيخ عماد الفالوجي من غزة والدكتور ناصر الدين الشاعر من نابلس ومشايخ من الداخل الفلسطيني لم يسميهم( ولكننا نعرف أسمائهم).
إنني أتمنى تحديدًا أن أسمع توضيحًا من الدكتور ناصر الدين الشاعر لحقيقة ما قاله الحاخام ملكيئور، وهل ما قاله يتناسب مع الموقف الذي كان يجب أن يُسمع لحقيقة الظلم الذي وقع على المسجد الأقصى وعلى المرابطين عند بواباته. وأنّ حقيقة ما دار في جلسات رباط شيوخ الدهاليز مع الحاخامات، ما قاله الحاخام ملكيئور أنهم اتفقوا مشايخ وحاخامات على برنامج وخطة للتهدئة في القدس والأقصى، إلّا أن قادة الحركة الإسلامية الشمالية المحظورة إسرائيليًا قد أفشلوا خططهم وأججوا الأوضاع. يبدوا أن الحاخام ملكيئور ورغم معرفته بحظر الحركة الإسلامية الشمالية إلّا أنه وعلى ما يبدو ما زال يراها بالمنام والأحلام المزعجة له، ويتخيّلها أنّها تقف وراء كل ما وقع في المسجد الأقصى.
إنها القدس وإنه الأقصى فضح شيوخ الدهاليز الذين بدل أن يقفوا مع شعبهم ومع قدسهم وأقصاهم، وإذا بهم في عتمات الليالي وفي الأوكار المخفية، يبحثون عن حلول مشبوهة ويلوكون لحم الحركة الإسلامية. فشكرًا لك يا أقصى، شكرًا لك يا قدس أن فضحتِ هؤلاء وكشفت سترهم، وقد أنطق الله على لسان كبيرهم الذي علمهم السحر ميخائيل ملكيئور، فقال وكشف ما جرى بينهم ليؤكد من حيث لا يقصد أن مشروع الحركة الإسلامية لا يموت ولا يندثر، وأنّ فكرها ورسالتها أقوى من كل حظر ومن كل قانون، وأقوى من كل ظالم، وأنها الشبح الذي سيظل يطاردهم ويقضّ مضاجعهم.

# دفعنا ضريبة حب القدس سلفًا #

لقد قلنا سابقًا بأن قرار حظر الحركة الإسلامية الظالم الذي صدر يوم 17.11.2015 والذي بموجبه حُظرت الحركة الإسلامية وأغلقت مكاتبها وحُلّت مؤسساتها ومُنعت نشاطاتها، وفي مقدمتها مؤسسات نصرة القدس والأقصى، واعتبروا أنّ الرباط في الأقصى جريمة يعاقب عليها القانون، وبموجب ذلك فقد اعتقل الكثيرون من الأخوة وما يزالون يقبعون في سجون المؤسسة الإسرائيلية الظالمة.
هذا القرار اتخذ بعد مداولات جرت في قمة ثلاثية يوم 25/10/2017 جمعت نتنياهو وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي في عهد أوباما والملك الأردني عبد الله، خلال قمة سرية جمعت بينهم في عمان وذلك بعد أحداث هبّة الأقصى في شهر 10/2015 والتي أعقبت اقتحامات اليهود للمسجد الأقصى خلال موسم الأعياد يومها.
لقد اعتبروا أنّ الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليًا هي من يقف وراء هذه التحركات المناصرة للأقصى، وأنّ صرختها الأقصى في خطر هو السبب الدائم في هذه الأجواء المشحونة. لقد تحدّث وكتب عن هذه القمة وما جرى فيها صحفيون إسرائيليون يومها، وها هو الصحفي والمحلّل الإسرائيلي “أليكس فيشمان” يعود ليؤكد على هذه الحقيقة في مقالته في ملحق صحيفة يديعوت أحرونوت يوم الجمعة 28/7/2017 بالقول: ( لقد جاء حادث المسجد الأقصى في وقت ظنّت فيه الشرطة الإسرائيلية وأجهزة الأمن الأخرى، أنّها نجحت في إعادة الهدوء إلى المسجد الأقصى واجتثاث أيّ احتمال للتصعيد بعد سنة ونصف صعبة جدًا، قامت فيها بعدة خطوات تضمنت إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، اعتقالات في صفوفها، إخراج المرابطين خارج القانون، إبعاد وفصل عدد من موظفي الأوقاف المتطرفين عن المسجد الأقصى وكلّ ذلك كان بمساعدة وتنسيق مع الأردن!!).
هل هناك أوضح من هذا الكلام في أنّ قرار حظر الحركة الإسلامية لم يكن قرارًا اسرائيليًا خالصًا، وإنما شاركت فيه أطرافًا عربية وعالمية، هل هناك أوضح من هذا الكلام يظهر فيه جليًا أنّ الحركة الإسلامية قد دفعت ضريبة وفائها وحبها وعشقها وخدمتها للمسجد الأقصى المبارك؟
نعم لقد جاءت أحداث القدس والمسجد الأقصى، وجاءت صفقة شهيدي الأردن الذين قتَلهم الدبلوماسي الإسرائيلي لتفضح ما كان مستورًا. نعم إنها القدس وصمودها وبطولة أبنائها، فضحت حقيقة المتآمرين عليها، هؤلاء الذين زعموا أنّ اتصالاتهم كانت السبب في إلغاء نصب البوابات الإلكترونية والكاميرات الذكية، فكيف لمن تآمروا ومكروا وخططوا وشجعوا لحظر الحركة الإسلامية فقط لأنّها استيقظت خلال سُباتهم ونادت خلال صمتهم، وتقدمت بينما هم متخلفون.
نعم لأنّ الحركة الإسلامية نادت أنّ الأقصى في خطر، ونجحت في إيقاظ جذوة حب الأقصى في نفوس العرب والمسلمين، وتبين أنّ صرختها لم تكن في واد، ولم تكن تكتب على رماد، وإنما وقعت صرختها على آذان صاغية وقلوب صادقة مخلصة، فتقدمت لنصرة المسجد الأقصى وحملت الراية حتى بعد حظر الحركة الإسلامية، فلأنها كذلك فقد كان جزاؤها أن تُحظر وتطارد ويلاحق قادتها وأبناؤها.
إنّها القدس الفاضحة ،فضحت وكشفت المستور لحقيقة هؤلاء، ولعلّها الأيام ستكشف لنا المزيد من أدعياء الحب الكاذب، وأنّهم كانوا سماسرة وعبيد للمؤسسة الإسرائيلية.

# وكلًّا يدّعي وصلًا بليل #

كثيرون هم الذين سمعناهم يدّعون أنّ جهودهم الجباّرة وبطولاتهم الخارقة كانت وراء إرغام حكومة نتنياهو على إزالة البوابات الإلكترونية، وإعادة فتح أبواب الأقصى أمام المسلمين بعد أسبوعين من الحصار والدم والشهداء والجرحى والمعتقلين.
أبو مازن رئيس سلطة رام الله، الذي مرّت عليه ثمانية أيام على حصار الأقصى بينما هو في الصين ولم يقطع زيارته. الملك سلمان في أوج حصار الأقصى يذهب إلى طنجة في المغرب لقضاء إجازته الصيفية. الملك عبدالله وخلال حصار الأقصى، بينما هو في جزيرة هاواي للاستجمام، وما كان يعود لولا حادث قتل الأردنيين على يد حارس السفارة الإسرائيلي وتداعيات ذلك. العجيب أنّ كل هؤلاء وحتى السيسي فقد نسبوا له أنّه كان شريكًا في الاتصالات البطولية الخارقة التي أسفرت عن فك الحصار عن المسجد الأقصى المبارك.
ما كنا لنعلم أنّ هؤلاء يحبون القدس إلى درجة أنّهم تفانوا في الدفاع عنها، و لكنّها القدس فضحت كل هؤلاء، وقد كانت سببًا في كشف أماكن وجودهم، وكانت سببًا في كشف أنّ لهم جميعًا خطوط اتصال مفتوحة مع المؤسسة الإسرائيلية. ولأجل ذلك فإنّها القدس تعرف من يحبها حقًا وصدقًا، ومن يزعم ذلك الحب ويدّعيه
وكلًّا يدّعي وصلًا بليلى وليلى لا تقرّ لهم بذاكَ
ليس أنّ هؤلاء لم يكونوا سببًا في انتصار القدس والأقصى، وتمريغ أنف نتنياهو في التراب،فهم ينسبون لأنفسهم شرفًا لا يستحقونه، فليس هذا وحسب، بل إنّ القدس وما حصل فيها وصمود أهلها قد بعث رسالةً للشعوب العربية والإسلامية، هذه الرسالة حتمًا ستقرأ بالشكل الصحيح وتفهم معانيها.
إنً ما حصل في القدس والأقصى واضطرار نتنياهو وحكومته للتراجع وكسر القرارات وجرّه أذيال الخيبة، سيجعل أزهار الربيع العربي تزهر من جديد، و حتمًا ستقول الشعوب كلمتها وحتمًا ستتحرر من عار السنين وظلم الطواغيت، وعندها ستكون القدس هي من حررت القاهرة والرياض، وليس أنّ حكامها هم من حرروا القدس ونصروا الأقصى. وإنّ غدًا لناظره قريب.

رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى