أخبار رئيسيةمقالاتومضات

خواطر بين فتح القسطنطينية وضياع القدس

الشيخ كمال خطيب

يوم الاثنين الأخير 29/5 كان يوم ذكرى فتح القسطنطينية، ويوم الاثنين القريب 5/6 سيكون يوم ذكرى ضياع واحتلال القدس الشريف. أما فتح القسطنطينية فوقع في العام 1453، وأما احتلال وضياع القدس فكان في العام 1967.

أمّا القسطنطينية فكانت عاصمة الدولة البيزنطية إحدى أكبر إمبراطوريات ذلك الزمان وكل زمان، وأمّا القدس فكانت عاصمة الشعب الفلسطيني. أما فاتح القسطنطينية فكان محمد الفاتح السلطان العثماني، وأمّا من احتل القدس فكان موسى ديان وزير الحرب الإسرائيلي وحيث رئيسة الوزراء يومها ليست إلا العجوز الشمطاء غولدا مائير، وأمّا رئيس أركان جيش الاحتلال، فكان إسحاق رابين صاحب سياسة تكسير العظام التي اعتمدها ضد الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأولى.

أمّا القسطنطينية فقد تحولت من عاصمة الدولة البيزنطية إلى عاصمة دولة الخلافة الإسلامية العثمانية، وأما القدس فقد تحولت من عاصمة الدولة الفلسطينية إلى عاصمة الدولة العبرية.

وليست هذه هي المفارقة الوحيدة في تقارب التقاء هاتين المناسبتين، وإنما وقبيل هاتين المناسبتين، فقد كان قد عقد مؤتمر القمة العربية في جدة يوم 19/5/2023، وخلال المؤتمر كانت كلمة سفاح الشام بشار الأسد والذي تحدث بوقاحة وصلف محذرًا مما أسماه “خطر الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة”. يقصد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان متأثر ومتعاطف مع فكر جماعة الإخوان المسلمين.

وبينما نحن نعيش ذكرى فتح القسطنطينية على يد العثمانيين بقيادة محمد الفاتح، وذكرى ضياع القدس حين كان وزير الدفاع في سوريا ليس إلا حافظ الأسد والد بشار، وأمام صلف ووقاحة ذلك السفّاح كانت هذه الخواطر.

 

نعم الجيش وبئس الجيش

طالما تمنى خلفاء وسلاطين وأمراء وقادة منذ عهد الصحابة، أن ينالوا شرف تحقق حديث رسول الله ﷺ فيهم بأن يكون أحدهم هو فاتح القسطنطينية كما أخبر ﷺ لما قال: “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش”، وأملًا بتحقق ذلك الحديث، فقد وصل إلى أطراف القسطنطينية الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري ومات ودفن عند أسوارها، حتى كان لمحمد الفاتح سابع سلاطين الدولة العثمانية ما أراد وتحققت أمنيته بل أمنية والدته وهي تربيه وتحسن تربيته وتعلمه ذلك الحديث، وتقول له: “لعلّك يا بني أن تكون أنت ذلك الأمير وقد كان”.

فنعم الجيش جيش محمد الفاتح وقد أعده إعدادًا يليق بذلك الحدث الذي سيغيّر مجرى التاريخ وقد كان يضم 250 ألف مجاهد، وأسطولًا يتكون من 180 سفينة حربية غير سفن الإمداد. وكان محمد الفاتح قد أمر ببناء 18 طبنجية “مدافع ثقيلة” كان المدفع الواحد يحتاج إلى مائة ثور لجرّه. وليس أنه الجيش المعدّ إعدادًا عسكريًا، وإنما كان قد أُعدّ إعدادًا إيمانيًا ليستطيع القيام بتلك المهمة الشريفة، فكان محمد الفاتح يقول لجنوده مذكرًا إياهم بالغاية من هذا الإعداد وهذا القتال: “إن هذه السيوف التي نحملها ليست للزينة ولا للتباهي، ولكن لنقاتل بها لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى”. وهو الذي أوصى جنوده بالصيام قبيل المعركة والإكثار من قراءة القرآن والصلاة على رسول الله ﷺ والإلتزام بأخلاق الإسلام.

وإذا كان جيش فتح القسطنطينية نعم الجيش، فإن جيش ضياع القدس كان بئس الجيش، وكيف لا يكون كذلك وهو الجيش الذي كانت كل أسلحته مصنعة إما في روسيا أو أمريكا. وكيف لا وطائراته كانت قد دُمّرت وقُصفت وهي لا تزال في مرابضها، بل وكيف لا وقد كانت العقيدة القتالية عند جيش ضياع القدس عقيدة فاسدة، وقد كان شعراء بلاط القصور الملكية والقصور الجمهورية لأصحاب الجلالة والفخامة ينشدون:

ميراج طيارك هرب     مهزوم من نسر العرب

والميج علّت واختفت     بالجو تتحدى القدر

وإذا كانت الميج الطائرة السوفيتية الصنع يقودها الطيّار السوري والمصري قد فشلت في مواجهة الميراج الفرنسية الصنع يقودها الطيار الإسرائيلي، فكيف لها أن تتحدى القدر أي تتحدى الله جل جلاله! وإذا كان محمد الفاتح قد أمر جنوده بالصيام والقيام ليلة تحرير القسطنطينية، فإن الأحاديث والروايات والشهادات تقول أن قائد الجيش المصري عبد الحكيم عامر كان في ليلة ضياع القدس يسهر سهرة جنس وخمر ونساء وحرام هو وكبار قادته، وهذا ما قالته وكتبته زوجته الممثلة “برلنتي عبد الحميد”، وكيف لا يُهزم ذلك الجيش وكان الكفر هو هتاف وشعار قادته وجنوده لما يقولون:

“آمنت بالبعث ربًا لا شريك له وبالعروبة دينًا ما له ثاني”. ويقولون:

لا تسل عن ملتي عن مذهبي    أنا بعثي اشتراكي عربي

في دلالة واضحة بنفي ورفض الانتساب للإسلام والهوية الإسلامية. فنعم الجيش جيش محمد الفاتح جيش فتح القسطنطينية يوم 29/5/1453، وبئس الجيش جيش جمال عبد الناصر وحافظ الأسد والد بشار جيش ضياع القدس يوم 5/6/1967.

 

النسر الكبير والأسد الصغير

حينما كان السلطان الشاب محمد الفاتح يستعد لمحاصرة القسطنطينية وقد أعدّ لذلك الإعداد اللازم، فكان يقول وهو على صهوة جواده وينظر إلى أسوار القسطنطينية الحصينة: “يا قسطنطينية إما أن تأخذينا وإما أن نأخذك، إما أن يكون لي فيك قصر أو يكون لي فيك قبر”. إنه الإصرار والعناد على تحقيق المهمة، ومع الإصرار فإنها الثقة بالله وحسن التوكل عليه. إنه يخاطب أسوار القسطنطينية كما خاطب عقبة بن نافع أمواج بحر الظلمات “المحيط الأطلسي” وهو على صهوة جواده: “اللهم رب محمد لو أني أعلم أن خلف هذا البحر أرضًا لخضت البحر لإعلاء كلمتك”.

إنه يخاطب أسوار القسطنطينية ويهددها بالتدمير والوصول إلى قلب القسطنطينية فتكون للمسلمين أو ليكون الموت دون ذلك. فإما أن تفتح القسطنطينية فيكون له فيها قصر أو هو الموت فيكون له فيها قبر.

لقد تحققت أمنية محمد الفاتح بل نجحت خطته العسكرية المحكمة فأخذ القسطنطينية ولم تأخذه، وكان له فيها قصر بل كانت هي مقر القصر الذي حكم ولايات الدولة العثمانية وصولًا إلى قلب أوروبا، ثم لما مات دفن فيها وكان قبره هناك بجانب المسجد الذي أسمي على اسمه “مسجد الفاتح”.

وحينما توفي السلطان محمد الفاتح رحمه الله والذي كان شوكة وغصة في حلوق ملوك أوروبا فإنهم تنفسوا الصعداء وقالوا: “لقد مات النسر الكبير”. إنه النسر ملك الطيور ملك الأجواء. فكل الطيور على الأرض وفي الأجواء تحت رحمة جناحيه وعينيه ومخلبه، وكذلك كانت ممالك أوروبا وإماراتها تحت رحمة جناحي محمد الفاتح النسر الكبير.

ولأننا في ذكرى فتح القسطنطينية وذكرى ضياع القدس، فإذا كان السلطان محمد الفاتح هو النسر الكبير وهو وصف يليق به، فإن الوصف الذي يليق بابن وزير دفاع سوريا يومها حافظ الأسد وهو بشار، إنه “الأسد الصغير”.

ورغم أن ملك الغابة هو الأسد، لكنه في صغره فما أسهل أن تفترسه حيوانات أخرى تمزقه أشلاء فتجده يخافها بل ويختبئ منها. وإذا كان محمد الفاتح النسر الكبير تصدر من قصره القرارات التي يقول لها أمراء أوروبا سمعنا وأطعنا، فإن قصر الأسد الصغير تمر من فوقه كل أسبوع طائرات إسرائيل وهي تضرب وتقصف حيثما تشاء مواقع جيشه وجيش حلفائه الإيرانيين ليتحول هو إلى هرٍ صغير، ولو أرادت الوصول إليه والخلاص منه لفعلت ذلك وما أسهل المهمة، ولكنها تعلم أن بشار الأسد الصغير خير لها ولمصالحها، وهو الحارس الأمين على حدودها الشمالية مكملًا مهمة أبيه منذ 50 سنة، وما أصدق ما قال الشاعر فيه وفي أمثاله:

ألقاب مملكة في غير موضعها      كالهرّ يحكي انتفاخًا صولة الأسد

 

لما كنت نطفة قذرة في ظهر أبيك

كم كان سفيهًا الأسد الصغير طاغية الشام وهو يلقي كلمته في قمة جدة حين راح يلمز بدولة تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان وبجماعة الإخوان المسلمين في دلالة واضحة على حقده الأعمى، وكما قيل الألسن مغارف القلوب. ولأننا ما زلنا نتحدث عن ذكرى فتح القسطنطينية وذكرى ضياع القدس، فإن الأسد الصغير نسي أن العثمانيين الذين يلمز بهم هم من فتحوا القسطنطينية ودكوا أسوارها، وهم الذين خدموا القدس وبنوا أسوارها دفاعًا عنها وحفاظًا عليها، وكان ذلك في زمن السلطان العثماني سليمان القانوني بين سنة 1535-1538.

ونسي الأسد الصغير وهو يلمز بالعثمانيين، أن ملوك فرنسا قد أرسلوا التحف والهدايا والتبريكات للسلطان سليمان القانوني لمناسبة فتح مملكة المجر المسيحية رغم أن القهر كان يأكل أفئدتهم لأنهم خافوا ولم ينتصروا لأبناء ملتهم، بينما ولما دارت الأيام وجاء الاستعمار الفرنسي لاحتلال بلاد الشام وقتال العثمانيين، فإن جدّه لأبيه سليمان الوحش “الاسم الحقيقي للعائلة وتم تغييره من الوحش إلى الأسد” قد ساند وقاتل إلى جانب الفرنسيين في موقف غدر وخيانة وكراهية يبدو أن الأسد الصغير قد رضعها كابرًا عن كابر.

ولأن الحديث ما يزال عن القدس في ذكرى ضياعها ومع همز ولمز الأسد الصغير بالإخوان المسلمين، فنسي الأسد الصغير أن القدس التي ضاعت في عهد والده حافظ الأسد لما كان وزير دفاع سوريا، فإنها أي القدس تشهد بقتال جماعة الإخوان المسلمين دفاعًا عنها منذ العام 1948.

لقد وصلت كتائب متطوعي الإخوان المسلمين المصريين أرسلها الشهيد حسن البنا إلى قرية صور باهر جنوب القدس، ووصلت كتائب الإخوان المسلمين السوريين بقيادة الشيخ مصطفى السباعي ابن مدينة حمص إلى أطراف القدس وشاركوا في معركة القطمون، ثم كانت خيانة أنظمة العار يومها وليس أنهم أمروا الجيوش والمتطوعين بالانسحاب وتم تسليم فلسطين إلى العصابات الصهيونية، بل إنه وبعد أشهر من إعلان إقامة إسرائيل يوم 15/5/1948 وتحديدًا يوم 8/12/1948 فقد قام الملك فاروق عميل بريطانيا بإعلان حلّ جماعة الإخوان المسلمين واعتقال الآلاف من أبنائها، ولاحقًا وتحديدًا يوم 12/2/1949 فقد تم اغتيال مرشدها الشهيد حسن البنا.

أيها الأسد الصغير الذي يتطاول على أسياده، إن العثمانيين وإن الإخوان المسلمين قد دافعوا عن القدس وانتصروا للقدس، بل ولكرامة العرب لما كنت أنت ما تزال نطفة قذرة في ظهر جدك وأبيك.

لأجل فلسطين ضاع ملكه ولأجل ملككم ضيعتم فلسطين والجولان.

إنه السلطان العثماني عبد الحميد الثاني والذي كان يعتبر السلطان الفعلي الأخير في الدولة العثمانية، وهو الذي تكالب عليه أعداء الخارج مع أعداء الداخل وليتم خلعه ونفيه بسبب رفضه لإملاءات الدول الأوروبية والمشروع الصهيوني في أضعف مرحلة مرت بها الدولة العثمانية وهي التي سبقت سقوطها.

لقد أرسل هرتسل رئيس المؤتمر الصهيوني إلى السلطان عبد الحميد يعرض عليه إغراءات مالية هائلة وصلت إلى حد سداد ديون الدولة العثمانية مقابل السماح بالدخول الرسمي لليهود إلى فلسطين والإقامة فيها.

كان جواب السلطان عبد الحميد الذي سطرته كتب التاريخ ووثائقه: “إن فلسطين ليست ملكي ولا ملك أجدادي وإنها التي جبلت بدماء الصحابة والشهداء. ولئن يعمل المشرط في جسدي أحب إليّ من أن أفرّط في شبر واحد منها”. كان هذا الجواب البداية الفعلية لإعلان إنهاء حكمه، بل قرب إعلان نهاية الدولة العثمانية.

إن السلطان عبد الحميد الثاني الذي تهمز وتلمز به أيها الأسد الصغير هو الذي فضّل ضياع ملكه على أن تضيع بإرادته وموافقته فلسطين.

وإذا كان السلطان عبد الحميد قد ضاع ملكه لأجل فلسطين، فإن سياساتكم أيها الأسد الصغير ومواقفكم تدل على أنكم فضلتم ضياع فلسطين والجولان، وهو ما حدث في العام 1967 من أجل البقاء في مناصبكم. لا بل إن كل المؤشرات تدلّ على أن قادة حكومات إسرائيل ومنذ انطلاق ثورة الشعب السوري ضمن ثورات الربيع العربي في العام 2011، فإن موازنتها كانت تقوم على أن البديل لبشار الأسد لن يكون إلا الإسلاميين “قبل ظهور حركة داعش التي هي صنيعتهم” ولذلك فالأفضل بالنسبة لهم بقاء بشار والحفاظ عليه وعدم إسقاطه وهو ما جرى وما حصل، حيث القصر الجمهوري في دمشق تحت مرمى صواريخ إسرائيل لو أرادت ذلك.

وعليه فليس للصغار والجبناء إلا أن يصمتوا وينخرسوا ولا يتطاولوا على أسيادهم الشرفاء والكبار ممن سطروا صفحات شرف وعزّ لشعوبهم ولأمتهم. لن يطول الزمان الذي سيُلقي بأشباه الرجال هؤلاء إلى مزابل التاريخ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وإن غدًا لناظره قريب.

لا عزاء للمحبطين والمتشائمين واليائسين.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا..

 

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى