تقارير ومقابلاتمحلياتمرئيات

الحلقة 20 من “هذه شهادتي” مع فضيلة الشيخ رائد صلاح مع الإعلامي عبد الإله معلواني

في حلقة جديدة من “هذه شهادتي”:

 الشيخ رائد صلاح يتطرق إلى تفاصيل اعتقاله- للمرة الأولى في السجون الإسرائيلية- على خلفية ملف “أسرة الجهاد”

  • البحث عن مصدر رزق بعد رفض طلب التحاقه بمهنة التدريس
  • كيف وفّق بين عمله الخاص في محمص وبين نشاطه الدعوي.. تحديات ومصاعب
  • ذكريات لا تنسى في أقبية المخابرات الإسرائيلية

 

طه اغبارية، عبد الإله معلواني

تواصل صحيفة “المدينة” التوثيق المكتوب لشهادة الشيخ رائد صلاح المتلفزة ضمن برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني. وتبثّ الحلقات على قناة “موطني 48” عبر “يوتيوب”، وصفحة “موطني 48” على “فيسبوك”.

في الحلقة (20) أكمل رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا، ورئيس لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، حديثه عن المرحلة التي تلت تخرجه من كلية الشريعة في مدينة الخليل، مفصّلا حول مرحلة البحث عن مصدر رزق في أعقاب رفض طلبه من قبل وزارة المعارف الإسرائيلية للالتحاق بمهنة التدريس.

 

البحث عن عمل

استأنف الشيخ رائد صلاح، شهادته على محطات من حياته ومسيرته في المشروع الإسلامي هو وعدد من رفاق دربه بعد مرحلة التخرج من كلية الشريعة، وتوقف في الحلقة (20) عند فترة بحثه عن عمل ومصدر رزق، قائلا: “تحوّلتُ وعدد من الإخوة- من رفضوا للعمل في مهنة التدريس أو فُصلوا بعد فترة قصيرة من مزاولتهم مهنة التدريس- منهم: الشيخ هاشم عبد الرحمن، والشيخ خالد حمدان، والشيخ خالد مهنا، تحولنا إلى طبقة كادحة نقوم بواجبين، جنبا إلى جنب: واجب العمل، كل في مصدر رزقه، وأن نجتهد في دعم مسيرة المشروع الإسلامي. فأنا والشيخ هاشم كنّا قد عملنا خلال العطل- أثناء دراستنا بكلية الشريعة- في مطعم بتل أبيب، كما عملتُ والشيخ هاشم والشيخ خالد مهنا- خلال دراستنا أيضا- في مصنع للمعلبات اسمه “بريزا”، كذلك عملنا في تقليم الأشجار في الاحراج في عدة مناطق من البلاد، واذكر- خلال عملنا في تقليم الأشجار- في أحد الأيام وقعت مناوشة بيني وبين المسؤول اليهودي عن العمل، وصرخت فيه بغضب- بحماسة شاب- “انتظر ان تكون النار هنا” وقد استدعيت- على اثر ذلك- أنا والشيخ هاشم إلى التحقيق”.

يتابع: “بعد أن تمّ فصل الشيخ هاشم عبد الرحمن، والشيخ خالد حمدان من التعليم في المدارس الثانوية، أخذ كل واحد منّا مسارا للبحث عن مصدر رزق، فامتهن الشيخ هاشم “تجارة السمك” مع اجتهاده الدائم في أن يقوم بدوره في مسيرة المشروع الإسلامي. بينما، عمل الشيخ خالد احمد مهنا في محمص “حماه” المرحوم يوسف قسيّم- وكان المرحوم داعما للصحوة الإسلامية-. أمّا الشيخ خالد حمدان فعمل مع إخوانه في “تربية الإوز”، مع حفاظه بطبيعة الحال على نشاطه في مسيرة المشروع الإسلامي، وأذكر أنني كنت أقطع مسافة طويلة، سيرًا على الأقدام، من حارة المحاجنة حتى حي البراغلة، كلما احتجت للتواصل مع الشيخ خالد حمدان لمسألة ذات علاقة بالعمل الدعوي. أمّا أنا وبعد رفض طلبي للالتحاق بمهنة التدريس، كنت عاطلا عن العمل، حتى جاءني في أحد الأيام أحد الإخوة (المرحوم الأخ خالد زكي كساب) وكان صاحب همّة مندفعا بحماسته، وعرض عليّ أن نتشارك ونعمل سويا في محمص للباذورات، ووعدني أن لا يقيدني وأن يتيح لي مواصلة نشاطي في مسيرة المشروع الإسلامي، فطلبت منه أن يمهلني حتى استخير، وفي الاستخارة رأيت نفسي في رؤية وأنا أركب شاحنة محمّلة بأكياس الفستق، ففهمت أن دلالة ذلك تعني أن أمضي في مشروع “المحمص” مع الأخ خالد كساب، كذلك دعم الوالد- رحمه الله- الفكرة. ثمّ فتحنا المحمص في غرفة خارجية لبيت المرحوم الشيخ سليمان أبو شقرة (أبو سيف)، ومرّت أيام وجاءني الحاج خالد الزكي، وقال: هناك تاجر من قرية “ميسر” يريد أن يبيع حمولة من الفستق. حينها تذكرت الرؤية”.

 

التوفيق بين العمل والنشاط الدعوي

عن كيفية توفيقه بين عمله في المحمص ونشاطه في المشروع الإسلامي، يكمل الشيخ رائد: “في الحقيقة اجتهدت أن أوفق بين مهمة العمل في مصدر رزقي ودعم مسيرة المشروع الإسلامي، إلا أنه وقعت أحداث أكبر من قدرتي على التحمل. في تلك الأيام كنت مولعا بالقراءة، وبعد أن باشرت العمل في المحمص- وهو يحتاج لجهد بدني كبير- كنت آخذ معي كتابا إلى العمل وأحاول أن أقرأ وأعمل في تحميص الباذورات، لدرجة أنني نسيت أكثر من مرة الباذورات في الفرن، فكانت تقع معي مثل هذه الحوادث رغم اجتهادي للتوفيق بين نشاطي الدعوي وحبي للمطالعة. كذلك برزت خلال عملي في المحمص، ظاهرة إهمال في العمل الدعوي، فمثلا كنت ألقي درسا بعد صلاة المغرب في أحد مساجد أم الفحم، وبعد العشاء نبدأ درسا آخر أو جلسة تربوية في أحد البيوت، لكن بدأت اتراجع في هذه النشاطات الدعوية بحكم عملي في المحمص. في إحدى المرات، كنت على موعد مع درس في مسجد المحاميد- وكانت طبيعة الدرس أن يقرأ أحد الإخوة آيات من القرآن الكريم ثمّ يعطي مداخلة حول الفائدة التي اكتسبها- وبسبب عملي في المحمص تأخرت عن الدرس المذكور والتحقت به وقد بدت عليّ وعلى ملابسي آثار الجهد والعمل، فلمّا دخلت المسجد- وأنا على هذه الحالة- وكان أحد الإخوة (صالح خالد اغبارية) يلقي درسا، وما أن رآني حتى بدأ يتلعثم وقال “هاتوا مية”- ريقه نشف-. في كثير من الحالات- يضيف الشيخ رائد- كنت مضطرا إلى أن أغلق المحمص، وشريكي (المرحوم خالد كساب) كان يجتهد ان يتفهم ذلك، ولكن في النهاية هذه مصلحة اقتصادية، والدي كان يعاتبني حين يعرف انني أغلقت المحمص. كذلك فإن عملي قلّص سفري خارج أم الفحم. بعد فتح المحمص تقلص دوري وكان وقتي محدودا، لدرجة تحوّل المحمص الى مكتب أًجهز فيه خطب الجمعة ودروسي. كما أن العمل أرهقني بشكل كبير وبدأت تظهر عليّ اوجاع الظهر وكان تزداد يوما بعد يوم، بسبب حملي لأكياس الباذورات من المخزن الذي كان في بيت أهلي ولغاية المحمص. عموما بحمد الله اجتهدت أن أستوعب كل الأحداث بحلوها ومرّها بكل التشابك بينها ما بين الألم والامل والهموم والطموحات”.

 

الإقامة الجبرية

يشير الشيخ رائد صلاح إلى أنه وخلال عمله في “المحمص” وقعت محنة “أسرة الجهاد”، وجرى اعتقاله، ما اضطره لترك العمل في المحمص لشريكه المرحوم خالد كساب، وحتى بعد تحرره من السجن، لم يستطع المداومة في عمله بسبب فرض الإقامة الجبرية عليه من قبل السلطات الإسرائيلية. يقول عن تلك المرحلة: “اجتهدنا أن نواصل العمل، لكننا بدأنا نعاني من أسلوب تقييد جديد وهو الإقامات الجبرية، التي فرضت عليّ وعلى الشيخ هاشم، وعلى بعض الشخصيات السياسية، منهم: الأخ حسن غفاري، والأخ رجا اغبارية، والأخ غسان فوزي والأخ محمد سلامة. وكانت تعني الإقامة الجبرية عدم مغادرتي المنزل من غروب الشمس حتى ساعات الصباح، ومنعي من مغادرة أم الفحم من ساعات الصباح حتى غروب الشمس، كما كنت ملزمًا، كل يوم، بالتوقيع في مركز الشرطة بعارة لإثبات وجودي. بالتالي هذه التقييدات ضاعفت الأعباء التي كانت علينا، ولكن كان قرارنا واضحًا أن نُكمل المسيرة رغم كل المتاعب والمشاق”.

 

في السجن وأقبية التحقيق

وحول تفاصيل اعتقاله الأول على خلفية ملف “أسرة الجهاد”، يقول الشيخ رائد: جرت الاعتقالات على خلفية محنة “أسرة الجهاد” على مراحل، فتمّ اعتقال عدد كبير من الإخوة من: أم الفحم، وباقة الغربية، وقلنسوة، وكفر قاسم. ووصل عدد المعتقلين نحو 60 وكان من أواخر المعتقلين المرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش. بعد اعتقاله، مضت فترة هادئة بدون اعتقالات، وكان الظنّ أنها توقفت، مع الإشارة إلى أن كل المعتقلين كانوا من أبناء الجيل الكبير في الصحوة الإسلامية باستثناء الشيخ خيري إسكندر من باقة الغربية وكان شابًا صغيرًا وقد حُوّل في السجن إلى “قسم الأشبال”. بعد فترة من الهدوء أكملنا عملنا بكل صعوبة في أجواء الاعتقالات، وفي إحدى الليالي كنت نائما في بيت أهلي- كنت قد عدت في ذلك اليوم من مدينة الخليل حيث سافرنا بسيارة الأخ مصطفى أحمد غليون لشراء كتب جديدة للمكتبة الإسلامية في أم الفحم- وإذ بطرق شديد على باب بيتنا، ليتبين أنها قوات كبيرة مختلفة من الجهاز الرسمي الإسرائيلي، وقالوا لي: أنت معتقل، أخرجوني من البيت ووضعوا القيود في يديّ وعصابة سوداء على عينيّ، ثمّ وضعوني في سيارة كان في داخلها أحد رجالات جهاز الأمن العام (الشاباك) ويدعى “دنينو”، فقال لي بلكنة عربية محطمة: بتعرف لماذا اعتقلناك؟ فرددت: لماذا؟ قال: أنت متهم بالانتماء إلى منظمة التحرير!! حدث كل هذا دون أن أعرف في تلك المرحلة وجهتي بسبب العصابة السوداء علي عينيّ، ثم علمت لاحقًا أنني في مبنى زنازين سجن “الجلمة”.

وأكمل: “ثمَّ بدأت مرحلة التحقيق معي، وبعدها نُقلت إلى قسم من أقسام الأسرى في سجن الجلمة، ولم يكن هناك فصل- حينها- بين الأسرى السياسيين والجنائيين. ممّا أذكره خلال التحقيق معي، أنّ أحد المحققين سألني: هل قرأت كتاب “الإخوان المسلمون في سجون ناصر؟”- وكان الكتاب عندي ولم أكن قد قرأته بعد- ثم تابع المحقق قائلًا: “سيكون الآن كتاب جديد بعنوان “الإخوان المسلمون في سجون بيغن!!””- كان حينها رئيسًا للحكومة الإسرائيلية. وفي مرة،  ارتفع صراخ أحد المحققين وقال بفظاظة: “ماذا تريدون؟ انتوا بدكم تقضوا على دولة إسرائيل!! دولة إسرائيل رح اتظلها.. رح اتظلها”.  ومرة أخذوني للتحقيق في منتصف الليل، وكانت غرفة التحقيق قريبة من الزنزانة التي يتواجد فيها الشيخ عبد الله نمر درويش، فلمّا عرفني- من خلال صوتي-، أخذ يقرأ آيات من القرآن الكريم بصوت عال- وكان صوته جميلا-، وأراد بقراءته أن يطمئنني، فصرخ به المحقق “اسكت يا شيخ”!! وفي إحدى المرات سألني المحقق “هل تريد أن تعرف أين حسن أبو عودة ؟ (وهو من أم الفحم)”، فأخذني إلى إحدى الزنزانات وفتح طاقتها، وقال لي: “انظر.. هذا هو حسن أبو عودة”، وكان الأخ حسن لا يزال مستيقظًا، فصرخ بالمحقق: “روح من هون انتوا لا بتناموا ولا بتخلوا حدا ينام”.

وفي نادرة لا تنسى، خلال أيام التحقيق، كانت بجانب الغرفة التي يُحقق معي فيها زنزانة يمكن رؤية من فيها، وبينما أنا جالس وإذ بأسير في هذه الزنزانة يقف على سريره ليتمكن من رؤيتي- لم أعرفه، ولكن يبدو أنه كان من الأسرى السياسيين أصحاب التجربة في المعتقلات- وقف على سريره يريد أن يتحدث معي، فرآه أحد السجانين وأراد أن يفتح عليه باب الزنزانة، فما كان من ذلك الأسير إلا أن ألقى بنفسه على السرير. في تلك الفترة تنقلت بين ثلاثة سجون وهي: الجلمة، ثمّ بعد صدور الحكم نُقلت الى سجن الدامون، ثم بعد ذلك نُقلت إلى سجن “كفار يونا” ومنه خرجت إلى الحرية. هذه جوانب ومشاهد من تجربتي الأولى مع السجون والتي كان فيها كلها الكثير من المحطات والذكريات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى