أخبار رئيسيةالضفة وغزةتقارير ومقابلاتومضات

قرارات متناقضة تثير غضب الشارع.. ماذا يجري داخل السلطة الفلسطينية؟

بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية أن حكومته اضطرت للاقتراض من البنوك كي تصرف لموظفيها راتب شهر مارس/آذار الماضي كاملا، إضافة إلى راتب شهر أبريل/نيسان قبل إجازة عيد الفطر، صرح وزير ماليته شكري بشارة قبل أمس الأربعاء بأنه لا رواتب قبل العيد.

وفي لقاء مع صحفيين بمكتبه، قال بشارة إن الاحتلال الإسرائيلي يحتجز نحو 800 مليون دولار من أموال الضرائب التي يجبيها نيابة عن السلطة الفلسطينية “المقاصة”، مما تسبب في عجز مالي للحكومة.

وفجرت تصريحات بشارة بعدم صرف الرواتب قبل العيد غضب الفلسطينيين الذين بنوا على وعود رئيس الوزراء وتصرفوا برواتب شهر مارس/آذار في التجهيز لعيد الفطر، ولكن سرعان ما أصدرت وزارة المالية بيانا -رأى فيه مراقبون محاولة لامتصاص الغضب- قالت فيه إنها ستصرف للموظفين 30% من رواتبهم قبيل العيد.

ومنذ أكثر من عام، تصرف الحكومة لموظفيها نحو 80% من الراتب بسبب استمرار الاقتطاعات الإسرائيلية، ووفق تصريحات وزير المالية فإن نحو 140 ألف موظف مدني وعسكري تقاضوا نحو 3.7 مليارات دولار عام 2022.

الاختلاف في التصريحات بشأن الرواتب، بل وتناقضها بين أقطاب الحكومة، سبقه بشهور توقيع الحكومة الفلسطينية اتفاقيات مع عدد من النقابات من دون أن ترى تلك الاتفاقيات طريقها إلى التنفيذ، وعلى رأسها اتفاقية مع اتحاد المعلمين.

وفي الأثناء، يستمر المعلمون الفلسطينيون في إضرابهم منذ أكثر من شهرين، مطالبين الحكومة بتنفيذ تلك الاتفاقيات، في حين تشير مصادر للجزيرة نت إلى رفض وزارة المالية تنفيذ اتفاق الحكومة مع اتحاد المعلمين.

 

تجاوز المعايير

وكان مجلس الوزراء الفلسطيني أقر في اجتماعه في الثالث من أبريل/نيسان الجاري “قانون موازنة الطوارئ لعام 2023″، ورفعه للرئيس الفلسطيني محمود عباس للمصادقة عليه، بعجز لا يقل عن 360 مليون دولار، وفق ما أعلنه رئيس الوزراء الفلسطيني.

وأشار اشتية حينئذ إلى أن الخصومات الإسرائيلية من أموال المقاصة تبلغ شهريا نحو 250 مليون شيكل (نحو 67 مليون دولار)، وأن المساعدات الدولية المخصصة للموازنة في تراجع.

ووجه عضو المجلس الثوري لحركة فتح ومستشار رئيس الوزراء عبد الإله الأتيرة انتقادات لوزير المالية، بعد تصريحاته المناقضة لإعلان رئيس الوزراء، مضيفا -في تصريحات نقلها عنه موقع “دنيا الوطن” المحلي- أنه “عندما يعلن مسؤول عن قرار فلا يجوز مخالفته أو إبطاله.. إلا من المسؤول الذي أصدر القرار أو مستوى أعلى بالسلطة والصلاحيات”.

وأوضح “في حالة وزير المالية، فقد تجاوز كل المعايير الإدارية والأعراف الحكومية البروتوكولية بتجاوزه لدولة رئيس الوزراء”.

واتفقت تحليلات 3 خبراء ومختصين -تحدثوا للجزيرة نت- على وجود تباين بين مكونات الحكومة الفلسطينية، من دون أن يستبعدوا علاقة ذلك بمعركة خفية في أعلى هرم السلطة الفلسطينية على خلافة الرئيس عباس (88 عاما).

 

تخبط ومراكز قوى

يقول المحلل السياسي عمر عساف إن “ما يحدث داخل الحكومة تخبط، وهذا أقل وصف يمكن أن يوصف به”، واعتبر أن ما يجري يشير إلى “وجود مراكز قوى داخل الحكومة، وإلا ماذا يعني ألا يحضر وزير المالية اجتماعات الحكومة كلها؟ بل إن هناك من يقول إن وزير المالية يرسل موظفا للإجابة عن أسئلة الحكومة، ولا يحضر كل الاجتماعات”.

وفي تعليقه على تصريحات وزير المالية بزيادة فاتورة الرواتب 25% في 5 سنوات، يقول عساف إن هناك إشكالية في توزيع الموارد “لأن التوظيف لا يسير بطريقة صحيحة، إنما وفق مقايضات وتبادل وظائف بين الوزراء، كما نشر على شبكات التواصل”، لافتا إلى أن “هناك من يرى نفسه فوق الحكومة أو أنه وزير في غير هذه الحكومة”.

وفي إشارته إلى تصريح وزير المالية بشأن توظيف مواطن مقابل إحالة اثنين إلى التقاعد، عبّر عساف عن خشيته من الاتجاه نحو “مزيد من الإفقار، والالتزام بما يمليه علينا الممولون”، كما عبّر عن خشيته من التوجه إلى “مزيد من الضغط الاقتصادي الأمر الذي يولد حالة احتقان ويخلق أزمات اجتماعية واقتصادية”.

ويرى عساف أن الحكومة “فشلت وتفشل في معالجة الشأن العام، ومن الممكن أن تذهب وتنتهي في محاولة لإرضاء الرأي العام المتذمر بشأنها”، لا يفصل المحلل الفلسطيني بين ما يجري في هرم الحكومة و”معركة خلافة الرئيس وصراع موازين القوى الداخلية بين أقطاب تحاول تعزيز مواقعها”.

في السياق ذاته، ذكر عساف أن جهود الوساطة كادت أن تنجح في إنهاء إضراب المعلمين بعد موافقة رئيس الوزراء ووزارة التربية والتعليم على مبادرة تقدم بها وسطاء “لكن جهة ما أفشلت الجهود في اللحظات الأخيرة، هذه الجهة معنية بتعميق الأزمة للحصول على إنجاز من هنا أو هناك في إطار معركة الخلافة”.

ترهل وارتجال

من جهته، يقول الأكاديمي الفلسطيني والوكيل السابق بوزارة الاقتصاد الفلسطينية الدكتور تيسير عمرو، في تصريح للجزيرة، إن ما يجري داخل الحكومة جزء من “حالة فلسطينية مترهلة مؤسساتيا، الأمر الذي يخلق وزنا لتصرفات الأفراد والارتجال”.

ويضيف أن “غياب النظام المؤسسي يفسح المجال أمام الارتجال الذي تتنازعه عدة عوامل، بالتأكيد، لا تكون صحيحة ولا في مصلحة الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني”، مستبعدا نهاية سريعة لهذا الوضع.

وبشأن معركة خلافة عباس، قال عمرو “رغم كل النفي الذي يحصل في هذا الموضوع من المحسوبين على مراكز القوى، فإن كل واحد منهم له حساباته ومطامعه في هذا الموضوع”.

ويرى تيسير عمرو أن الحالة الفلسطينية “راكدة ومتكلسة، ونقطة العلاج الوحيدة أن يصار لعقد مجلس وطني فلسطيني يراجع المرحلة بكل محتوياتها بشكل معمق، وتكون له صفة تمثيلية حقيقية ويحيي منظمة التحرير التي تعد السلطة أحد مشاريعها”.

وتابع أن منظمة التحرير يمكن أن “تشكل خشبة خلاص للحالة الفلسطينية، ويجب أن تعود إلى مكانتها الطبيعية، باعتبارها صاحبة الولاية” منتقدا “تقزيم الشعب الفلسطيني في السلطة”.

 

“حكومة مماليك”

من جهته، يرى المحلل السياسي وعضو مجلس نقابة الصحفيين عمر نزال أن الحكومة الفلسطينية بتركيبتها المتشعبة تخضع لتوازنات القوى “وواضح أنها أصبحت حكومة مماليك، كل وزير يقرر في خانته وفق ما يراه”.

وتابع نزال، أن “وزير المالية يحاول ليّ ذراع رئيس الحكومة والإثبات بأنه صاحب اليد الطولى في الحكومة”، مضيفا أن هذه الحالة “تعكس خلافا أعمق داخل الحكومة حول شخص رئيس الوزراء ووعوده الدائمة غير المبنية على حقائق لكل القطاعات، بقدر ما هي مبنية على أمنيات ورغبات”.

وقال إن رئيس الوزراء “يعي أن حكومته غير قادرة على تنفيذ وعودها، لكنه يعتقد أنه بهذا الأسلوب يمكن أن يدير البلد”، متوقعا تغييرا حكوميا “بما في ذلك تغيير رئيس الوزراء وكامل تركيبة الحكومة”.

ووفق نزال، فإن الأزمة المالية موجودة، لكن المشكلة في إدارتها، فيرى أن “إدارة الأزمة ممكنة دون المس بالقطاعات الأساسية، وخاصة رواتب الموظفين، وهناك بنود أخرى يمكن تخفيف المصاريف فيها”.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى