أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتمحلياتومضات

الحلقة (التاسعة) من “هذه شهادتي”، تطرق الشيخ رائد صلاح عن ما اعتبره توافقا قدريا بين الصحوات الإسلامية في العديد من البلدات من حيث انطلاقاتها دون أن يعلم روادها عن بعضهم بعضا

الشيخ رائد صلاح في حلقة جديدة من “هذه شهادتي”:

 

  • تحدث عن “هبة بناء المساجد” في الداخل الفلسطيني كواحدة من معالم الصحوة الإسلامية..

 

  • أسهب في استحضار ما قال إنه “توافق قدري” بين بدايات الصحوة الإسلامية في العديد من بلدات الداخل الفلسطيني..

 

  • دعا إلى العودة للكتاب عبر المطالعة وإنشاء المكتبات في البيوت بدل الانشغال بالفيسبوك والثرثرة على مواقع التواصل..

 

طه اغبارية، عبد الإله معلواني

 

تواصل صحيفة “المدينة” التوثيق المكتوب لشهادة الشيخ رائد صلاح المرئية ضمن برنامج “هذه شهادتي” مع الإعلامي عبد الإله معلواني، وتبثّ الحلقات على قناة “موطني 48” عبر “يوتيوب” وصفحة موقع “موطني 48” على “فيسبوك”.

في هذه الحلقة (التاسعة) من “هذه شهادتي”، تطرق رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها إسرائيليًا في العام 2015 ورئيس لجان إفشاء السلام في الداخل الفلسطيني، المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، إلى ما اعتبره توافقا قدريا بين الصحوات الإسلامية في العديد من البلدات من حيث انطلاقاتها دون أن يعلم روادها عن بعضهم بعضا، كما أجزل في الحديث عمّا وصفها بـ “هبة بناء المساجد” في الداخل كواحدة من مرتكزات الصحوة وأسباب انتشارها.

 

“توافق قدري بين بدايات الصحوة”

في استدراكه على بدايات الصحوة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، قال الشيخ رائد صلاح: “لأن هذا تاريخ وشهادة سنُسأل عنها في الدنيا والآخرة، سأجتهد بالوقوف على دقائق الأمور مع الاعتذار سلفًا إن نسيت جانبًا من الجوانب”.

وأضاف: “هناك ظاهرة لا أستطيع تفسيرها علميا وماديا، سوى أن أقول إنها كانت عبارة عن توافق قدر رباني من الله سبحانه وتعالى لأمر شاءه في أن يؤسس لمسيرة الصحوة الإسلامية، وأقصد ما يلي: في الوقت الذي كان هناك بداية صحوة إسلامية في أم الفحم، كان هناك بداية صحوة إسلامية في كثير من البلدات على صعيد المثلث، والنقب، والجليل، والمدن الساحلية (يافا، حيفا، عكا، اللد والرملة). والملفت للانتباه، أنَّ الجميع لم يعرفوا عن بعضهم بعضا، بل لعل الواحد منهم في بلده كان يظن أنهم هم أصحاب الصحوة الوحيدة، ثمّ اكتشفوا وجود مثلهم في ذاك البلد وذاك البلد. وهكذا بدأت تتقارب المعرفة بينهم على صعيد كل الداخل الفلسطيني بدون استثناء”.

وفصّل: “مثلًا، كانت هناك بداية صحوة في أم الفحم لم يعرفوا عن أية بداية صحوة إسلامية أخرى، ثمَّ اكتشفوا أن هناك بدايات صحوة إسلامية أخرى في بلد آخر. والذي أعطاهم الفرصة لاكتشاف البدايات الأخرى، هو أنّ شباب أم الفحم “المشايخ” أو “الشباب المسلم” كما كان يطلق عليهم، أرادوا أن يجمعوا تبرعات لبناء مسجد في أم الفحم، وعندما ذهبوا إلى كفر قاسم مثلًا، اكتشفوا أنَّ هناك صحوة في كفر قاسم وأن هناك داعية قد برز في كفر قاسم، اسمه الشيخ عبد الله نمر درويش. هكذا كانت البداية، وهكذا كانت بداية تواصل الشيخ عبد الله- رحمه الله- مع أم الفحم وبداية تردده عليها لإلقاء الدروس وخطب الجمعة، هكذا كان الوضع بشكل عام في كل الداخل الفلسطيني”.

يتابع الشيح رائد: “لذلك كانت البدايات في نفس الوقت واللحظة دون أن يتعارفوا على بعضهم، كانت في أم الفحم، وكفر قاسم، وباقة، وجت، وقلنسوة. وكانت هناك نواة صغيرة- أصغر مما ذكرت- في الطيبة، والطيرة، وجلجولية، وكفر برا. وكانت بداية صحوة إسلامية في يافا، ويلفت الانتباه أنها كانت بداية ممتازة جدًا كان خلفها الشيخ بسام أبو زيد- رحمه الله- وأذكر حين كنت أقرأ عن المضايقات التي تقع على الشيخ بسام أبو زيد، كنت أجد ذلك في صحيفة “الاتحاد” كانت تكتب عن الملاحقات حين تعرض (الشيخ بسام) لإلقاء مواد متفجرة على بيته لترهيبه. كذلك في النقب كانت بداية صحوة إسلامية أخذت تنمو، وكان صاحب الجهد المبارك الأول الذي زرع بذرة الصحوة الإسلامية في النقب هو الشيخ أحمد فتحي خليفة من أم الفحم، وقد شاء الله أن كان معلمًا في النقب وهناك انطلق وزار مضارب الأهل في النقب. وأذكر عندما كنّا طلابًا في كلية الشريعة بالخليل بدأنا نزور النقب بشكل متباعد، حضرنا في مرة من المرات عرسًا إسلاميًا هناك وتناولنا العشاء- كانت العادات عندهم تختلف عما عندنا في الضيافة- في ساعة متأخرة من الليل في منطقة نائية معتمة وأتذكر ذلك نظرًا للمسافة البعيدة التي قطعناها حتى وصلنا مكان وجبة العشاء. إذن كانت هناك بدايات صحوة في العديد من البلدات لم نكن نعلم عنها شيئًا، مثال آخر على ذلك: عندما كانت محنة “أسرة الجهاد” ودخل من دخل إلى السجن، أذكر في يوم كنت في سجن “الجلمة” وتعرفت على أحد الأسرى من دير الأسد، وقال لي “إذا زرتم دير الأسد ستجدون الكثير من الإخوان المسلمين هناك”، وهذا يدل عن وجود بداية صحوة حينها في قرية دير الأسد”.

ويجمل الشيخ رائد هذه المسألة قائلًا: “قد يقال في المفهوم البشري إنَّ هذه البدايات للصحوة الإسلامية في تلك البلدان، كانت عفوية، وأنا أقول هذا خطأ، بل هي في اعتقادي كانت انتشارًا قدريًا، حيث يهيّئ الله تعالى الأرضية لعملية بناء مستقبلي لصحوة إسلامية جامعة في كل الداخل الفلسطيني”.

 

العمل الجماعي المشترك القُطري

بعد توصيفه للانتشار القدري لبدايات الصحوة الإسلامية في بلدات عدة، تطرق الشيخ رائد صلاح إلى بدايات العمل المشترك والوحدوي بين عدد من الصحوات، مؤكدًا أن اسم “الحركة الإسلامية” لم يُعرف إلا بعد محنة “أسرة الجهاد”.

وأوضح: “كما أسلفت، فقد كان لكل صحوة إسلامية في بلد ما اسمها، والنواة الأولى للصحوة الإسلامية بمفهوم العمل الوحدوي، انطلقت في: أم الفحم، وباقة، وقلنسوة، وكفر قاسم وأظن جت، ليس أكثر. بدأ في تلك المرحلة يتبلور مفهوم العمل الجماعي المشترك القُطري، وأنه لا بد من وجود إدارة كحد أساس لضبط هذا النشاط حتى لا يكون محليًا في كل بلد لوحدها بجهودها الخاصة. بناء على ذاك الاتفاق- تحدثت عنه في حلقة سابقة- الذي تمَّ في باقة الغربية في بيت الأخ عادل مصاروة، بدأت تتبلور مسيرة نشاطات قطرية أوسع مما كانت عليه في الماضي، ولكنها بقيت في دائرة عدة عناوين”.

 

“هبّة بناء المساجد”

وأشار إلى أنه “يمكن أن نجمل نشاطات تلك المرحلة في الداخل بوجود ما يمكن تسميته “هبة بناء المساجد”، ففي كل بلد كنت تذهب إليها كانوا يبنون مسجدًا. مثال على ذلك: في مرة من المرات كانت لي كلمة في حفل وضع حجر أساس لبناء مسجد في كفر كنا، وأثنيت في الكلمة على نساء بلدة اكسال اللواتي تبرعن بحُليهن لبناء مسجد في اكسال، فكان من ضمن الحضور أحد الإخوة من اكسال تقدم مني وشكرني على ما قلته بحق نساء اكسال. مثال آخر على هبة بناء المساجد في بلداتنا بالداخل وهي قصة للأجيال لم أطلع عليها بشكل مباشر، ولكن سمعتها من ثقات: خلال بناء أحد المساجد في أم الفحم وفي ظل شح الإمكانيات المالية لمن أشرفوا على البناء، قيل لي إن إحدى عجائز أم الفحم جاءت إلى موقع بناء المسجد- وأظنه مسجد الخلايل- وكانت تضع على رأسها حجرًا من الطوب كتبرع!! فأخذ منها البنّاء الحجر- بأدب وحياء-، وكان يتساءل مع نفسه “ما فائدة حجر في هكذا بناء”، لكنه رأى في منامه باليوم التالي قصرًا كبيرًا في الجنة، فسأل لمن هذا القصر فسمع من يقول: هذا لصاحب حجر الطوب (أي العجوز). في اليوم التالي بدأ البنّاء يبحث عن تلك العجوز فلما وجدها طلب منها أن تبيعه الحجر بمبلغ مالي أولي فرفضت، ثم زاد عليه فرفضت، ونظرت إليه مبتسمة وقالت: “لعلك رأيتَ ما رأيتُ في منامك” بمعنى أنها رأت نفس المنام. هذه قصة- يضيف الشيخ رائد- سمعتها من ثقات وهي تبقى للعبرة حول ثواب التبرع لبناء المساجد”.

يتابع الشيخ رائد: “حتى البلدات منزوعة الاعتراف في النقب والمحرومة من كل شيء، لم يتنازل أهلها عن بناء المساجد وهذا ما وقفنا عليه بعد عيد الأضحى المبارك الأخير، حين قمنا في لجان إفشاء السلام بزيارة 17 بلدة مسلوبة الاعتراف بنشاط تحت عنوان “تهادوا تحابوا”. فـ “هبة بناء المساجد” هبة روحية، وهبة عواطف وعودة إلى الجذور والانتماء، وشقت طريقًا جديدًا وصلتنا مع بعدنا الإسلامي العروبي الفلسطيني. كنّا ننتقل من احتفال وضع حجر أساس لبناء مسجد في بلدة إلى بلدة ثانية وثالثة وهكذا… ومسيرة بناء المساجد في داخلنا الفلسطيني هي مسيرة نامية حتى يومنا هذا”.

 

إحياء رسالة المسجد

وتوجه الشيخ رائد صلاح بنصيحة إلى أئمة المساجد دعا فيها إلى إحياء رسالة المسجد، مفصّلًا بهذا الخصوص: “لم تُبنَ المساجد لرفع الأذان وأداء الصلاة وخطبة الجمعة فقط، وإنما هي القلب في المجتمع، كالقلب في الجسد وعلاقته مع كل الأعضاء، يمدها بالحياة والإرادة والعزيمة، ورسالة المسجد يجب أن تكون كذلك في هذه الأيام. نحن في لجان إفشاء السلام عقدنا اجتماعًا مع أكبر عدد من الأئمة ودعونا إلى تحويل كل مسجد للجنة إفشاء سلام مسجدية تدعو إلى التراحم وعيادة المريض وبثّ روح بر الوالدين وتجديد العهد مع الجيران. يجب أن نعود لهذه القيم. يا أئمتنا، أرجوكم جددوا رسالة المساجد”.

 

الكتاب والمكتبات الإسلامية

ثمّ أكمل الشيخ رائد صلاح في الحديث عن مشاريع أخرى شهدتها بدايات العمل الإسلامي في الداخل، ومنها إقامة المكتبات الإسلامية والترويج لكتب التاريخ والفكر الإسلامي، يقول: “قبل انطلاق الصحوة الإسلامية كان المرجع الوحيد تقريبًا لتفسير القرآن الكريم هو “تفسير الجلالين”، وقدّر الله تعالى أن تعرفنا لاحقًا على كتب أخرى، فلما انطلقت الصحوة، بدأت عملية العودة إلى التراث الإسلامي العروبي تحت مظلة المكتبات الإسلامية. تعرفنا على السيرة النبوية التي كانت مفقودة من الذاكرة والهوية، بدأنا نتعرف على الخلفاء وعلى التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية وفطاحل علماء المسلمين من المذاهب الأربعة ومن يدور في فلكهم، وأقلام أصحاب الفكر الإسلامي المعاصر مثل الإمام حسن البنا، وسيد قطب، والشيخ القرضاوي والشيخ سعيد حوى وغيرهم المئات. بالتالي فإن إقامة المكتبات الإسلامية أعاد اللحمة بين حاضرنا وماضينا، وبين حاضرنا نحن المنسيين في الداخل الفلسطيني مع حاضرنا العروبي الإسلامي الفلسطيني”.

أمّا عن نشأة المكتبة الإسلامية في أم الفحم، فيقول: “كنا نسافر إلى الخليل ونقطع مسافات طويلة لشراء الكتب بكميات كبيرة، وكان هناك شاب هو الأخ عبد مصطفى جبارين، كان يضحي بوقته ويقلنا في سيارته- جزاه الله خير الجزاء- كان يعمل في بيع الخبز للناس يشتريه من البلدات اليهودية. كان يسافر بنا إلى الخليل دون أن ينام، أحيانًا كان يوقف السيارة على جانب الطريق لممارسة التمارين حتى يبقى يقظًا. بعد شراء الكتب والعودة إلى أم الفحم، كنا نبيع هذه الكتب وكان يقوم بذلك المرحوم الشيخ توفيق أبو محفوظ، والحاج عبد اللطيف حماد، والحاج مصطفى غليون والمرحوم الحاج أحمد فؤاد رجا طاهر. جزاهم الله خيرًا. افتتحنا المكتبة الإسلامية في منطقة الميدان، حيث كان مركز حياة لكل أهالي أم الفحم وحركتهم الاقتصادية. لم نعيّن في البدايات موظفًا للمكتبة، بل كنا نتناوب على الدوام فيها، وكان إقبال الناس مباركًا والحمد لله”.

وأضاف أنه ومن أجل ترويج وبيع الكتاب الإسلامي، لجأ “الشباب المسلم” إلى عرض الكتب الإسلامية أمام المدارس وخاصة المدارس الثانوية: “كنّا نشعر أن جيل الطلاب الثانويين هو الجيل المعوّل عليه ويجب ان نصل إليه. كنّا نقف خارج مدرسة ما ونعرض الكتب ونبسطها على الأرض وننتظر الطلاب حتى يأتوا ويتعرفوا عليها، المهم أن يتعرف الطالب على وجود فكر إسلامي واقتصاد إسلامي ورؤية إسلامية شاملة للحياة”.

يكمل: “أذكر أن أول مدرسة بعنا الكتب على أبوابها كانت مدرسة كفر قرع الثانوية، وخرج علينا معلم مهذب هو الأستاذ عبد الجبار أبو عطا، واطّلع على ما نقوم به ودعا لنا بالخير، ونحن بقينا مع الطلاب. وأتذكر أن بعض الطلاب والمعلمين اشتروا من الكتب المعروضة. هذه كانت محطة مهمة للتواصل مع الجيل الجديد. وأذكر أننا كررنا التجربة أمام المدرسة الثانوية في عارة- عرعرة، وجاء أحد المعلمين وكانت خلفيته حينها بعيدة عن الفهم الإسلامي فأخذ يهمز ويلمز في الكتب وعناوينها وأسمائها، فتصدى له الطلاب الذين تواجدوا بالقرب منا، رغم عدم معرفتهم بالكتب. وهذا المشهد في بيع الكتب الإسلامية والترويج لها تكرر في مدارس أخرى وفي المهرجانات الإسلامية القُطرية”.

 

المطلوب: العودة إلى الكتاب

في ختام الحلقة التاسعة، توجه الشيخ رائد بنصيحة إلى الجيل الشاب والأهل: “نحن أمّة اقرأ، هكذا يجب أن نكون كما يدعونا القرآن الكريم، فأول كلمة هي قول الله تعالى: “اقرأ”. وأول قسم في القرآن: “ن والقلم وما يسطرون”. فنحن أمة العلم والأبحاث والتوثيق، وحتى نكون كذلك لا يمكن أن نحصر ثقافتنا في الجمل الخاطفة في مواقع التواصل وكأنها ثروتنا الثقافية، فهذا مخيب للآمال إن بقينا هكذا. المطلوب أن نعود للكتاب ونلزم أنفسنا بالمطالعة، وأن نضع برنامجًا دائمًا لهذه الغاية. أعجبني قبل عدة أسابيع خلال زيارة للمدرسة الأهلية ضمن نشاطات لجان إفشاء السلام، أن أجد طلابًا وطالبات يواظبون على المطالعة ومنهم من قرأ أو قرأت 30 كتابًا. وعليه، يجب أن نستحي من أنفسنا ونعود إلى الكتاب والمطالعة. الفيسبوك وغيره يريد لنا أن نكون أمّة ثرثارة وكثيرة القيل والقال. علينا اختيار الكتب المنتقاة لكتّاب ثقات أصحاب علم ومرجعية، وأصحاب المواقف السليمة والتمسك بالثوابت والسلوك الحسن. أنصح أن نسير في هذا الاتجاه ونبني مكتبة في كل بيت من بيوتنا، ليس من أجل الزينة في البيت كما البراويز، بل نبنيها للقراءة والمطالعة وزيادة المعرفة”.

شاهد الحلقة هنا 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى