أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتمحلياتومضات

هدموا بيتهم في عكا.. عائلة أبو عيش وأطفالها تأوي إلى خيمة

تأبى عائلة أبو عيش من عكا، والتي هدمت السلطات الإسرائيلية منازلها الأربعة التي أقيمت قبل نحو 70 عاما بحجة البناء دون ترخيص، أول من أمس الثلاثاء، وتشرد إثر الهدم ما يزيد عن عشرين نفرا من أُسر نظمي أبو عيش، ونبيل أبو عيش، وأحمد أبو عيش، وإيفا أبو عيش، إلا أن تبقى متشبثة بأرضها وصامدة فوق ركام منازلها، على الرغم من مآلات الهدم والبرد القارس.

نصبت عائلة أبو عيش خيمة ليتسنى للنساء والأطفال والعجزة أن يناموا فيها، وينام الرجال في سيارتهم.

وقالت وفيقة أبو عيش الذي هُدم منزلها، في تصريح صحفي، إنه “لدي أربع بنات أكبرهن إسلام، والتي تبلع 12 عاما، كلهن أصبحن بلا مأوى، بفعل الغطرسة والحقد الأعمى. ما مررنا به خلال الأيام الماضية وما نمر به اليوم شكّل انعطافة خطيرة في مسيرة حياتنا المزروعة بالأشواك، لكن ما حدث أول من أمس كان القشة التي قصمت ظهر البعير، ولا شك أنني حتى اللحظة لا أصدق ما حدث وكأنه حلم يصعب تصديقه. ما بين طرفة عين والتفاتتها كان كل شيء قد تلاشى، لا منزل يأوينا، ولا جدران تجمعنا. كنت في عملي عندما اتصلت بي ابنتي، وقالت لي بصوت تخنقه العبرات: تعالي لتري ما حل بنا، لم أفهم ما قالته من هول الصدمة، أتيت في فترة ما بعد الظهيرة لأرى الكارثة التي ألمت بنا”.

 

وعن معاناة بناتها الأربع بسبب خسارة المنزل وجميع الممتلكات، أوضحت أنه “لم أرسل ابنتي الصغيرة التي تدرس في الصف التاسع إلى المدرسة، حيث لم يتبق لها أية كتب وملابس وحتى الحقيبة، وأرسلت إلى معلمتها مخبرة إياها بما حدث، فكلنا لم نستطع أخذ ملابسنا التي بقيت تحت الركام، وبقينا بملابسنا التي توشحت بالغبار، وبقايا أحلام اندثرت، وشيئا من عطر المكان، وذكريات دفنت بعد اندثار دفء المنزل الذي كان يوما منزلا يروي قصة عائلة، شردتها العنصرية وأوغلت فيها ظلما وعدوانا. لقد بقيت بناتي مرتدين ملابسات النوم (البيجامات) وبقين في الشارع بهذه الملابس التي لا تصلح لأن يخرجن بها إلى الشارع، مشردات على قارعة الطريق، حتى الساعة الخامسة مساءً، حيث منعت ومنعن من أخذ الملابس التي كانت ملقاة على حبل الغسيل لتجف، ولكن بقيت تحت الأنقاض”.

وأضافت أن “بلدية عكا كانت، يوم أول من أمس، موصدة أبوابها، وكأن الأمر لا يعني القائمين عليها، وعلى الرغم من أننا كنا ملتزمين بدفع كل ما يترتب علينا من ضرائب البلدية، إلا أن هذا لم يحفظ لنا منازلنا التي استفقنا على دمارها الكلي، وحتى أن أعضاء الكنيست لم يلقوا بالا لما حدث، ولم يؤازرونا في محنتنا، وعلى الرغم الوعود المعسولة بأن يأتوا لمساعدتنا إلا أن شيئا من هذا لم يحدث، للأسف الشديد”.

بالأسرة، وكنت حين دخلت علينا جحافل الشرطة كالذئاب البشرية في غرفتي نائمة في سريري، وإلى جواري أختيً اللتين لم تتجاوزا 18 و17 عاما، هجموا علينا بشراسة لا يمكنني وصفها، بطريقة وحشية، مستفزة، لا تمت للإنسانية والأخلاق بصلة، طلبوا منا الخروج، وعلى الرغم من أنني أخبرتهم بأنني فتاة متدينة ارتدي الحجاب كأي فتاة مسلمة، إلا أنهم أحضروا لي كلبا بوليسيا بهدف ترويعي، ومُنعت من ارتداء حجابي، ولا أستطيع أن أصف مشاعري حينئذ لفظاعة الموقف”.

وعن مصير العائلات بعد هدم البيوت، أكدت أنه “نصبنا خيمة في الساعة الخامسة مساءً علها تقينا برد الشتاء القارس، وتهدئ من روعاتنا، وتسترنا عن أعين هؤلاء المتوحشين، وتحفظ لنا شيئا من كرامتنا التي حاولوا هدرها بكل ما أوتوا من قوة وبطش وعنجهية. ونحن والحال كذلك، لم يبادر المسؤولون وأعضاء البلدية، ولا حتى أبناء بلدنا عكا، للسؤال عنا والاطمئنان على أحوالنا، ولم أجد مبررا لتقصيرهم هذا، بل لتجاهلهم معاناتنا التي تدمي القلب”.

وشددت على أنها “طالبة جامعية، فقدت كتبي وكراساتي، وكلها حالت أوراقا ممزقة تحت الردم، تحاكي معاناتي وترسم الألم على محيايّ، حتى أنني لم أستطع ارتداء ما يستر جسدي سوى الملابس التي كنت أرتديها، حين نمت، واستيقظت على هول الفاجعة. هذه أرض أبي وأجدادي، ولن أفرط بشبر واحد منها ما حييت، ولا يمكن لأموال الدنيا أن تغنيني عنها، فهي الأرض التي احتضنت طفولتي، وترعرعت فيها، هي أرضي على الرغم من أنوف الحاقدين. عشرون شخصا وأربع عائلات، بدون كهرباء ولا ماء، بينهم العاجز، ومريض القلب، والسكري، ومن لديه إعاقة دائمة، وأطفال شاحبة الوجوه، كل هؤلاء لم يشفع ما بهم أمام غازيهم الذي سلب منهم المأوى، وتركهم لقدرهم المجهول، دونما رأفة ولا رحمة، وأذكر هنا أن أختي الصغيرة كانت في رحلة مدرسية، وتفاجأت بأن المنزل الذي كان ينتظرها لتلقي عليه عبئها، وتأخذ فيه قسطا من الراحة، أصبح أنقاضا تناثرت أحلامها بين حجارته ورماله”.

وأوضحت أنه “لا نطلب دعما ماليا، إنما كنا ننتظر بلهفة أن يلتف حولنا من كنا نظنهم أبناء بلدنا وقضيتنا وملاذنا وقت الشدة، ولكن هيهات، فالكل انصرف لبعض شأنه تاركا لنا الأسى والحسرة”.

وختمت أبو عيش بالقول إن “رسالتي باختصار، ضعوا أنفسكم مكاننا، ما عساكم كنتم فاعلين لو أن منازلكم دمرت فوق رؤوسكم، ولماذا الصمت المطبق، من فضلكم أجيبوا على تساؤلاتي المحقة، وبرؤوا ذممكم وضمائركم”.

 

في غمرة هذا الحزن، قالت نورة أبو عيش إن “هذا الوجع الذي يجثم على صدورنا يجعلني أصرخ بأعلى الصوت، في وجه هذه الدولة التي تمارس عنجيتها وقوتها المفرطة ضد شعب أعزل وسكان آمنين. كنت أتوقع أن تمنحني هذه سند حماية، لكن عبثا، فهذه الدولة لم تهدم بيتي فحسب، بل جرفته، وحاولت من خلال ذلك أن تجرفني مع هذه المنازل المنكوبة، لكن هيهات، فأنا متجذرة بأرضي كشجرة الزيتون، فأنا على نقيض هؤلاء الذين ليس لهم وطن، ولا انتماء، ولا جذور، استُقدموا من كافة أنحاء المعمورة ليستوطنوا أرضا لا يملكونها ولا ينتمون إليها”.

عكس هؤلاء، الذين لم يشعروني بأنني مواطنة لي من الحقوق ما لأبناء جلدتهم. لقد أطلقوا علينا كلابهم الشرسة، وكأنهم يداهمون وكرا لعصابة، وأرسلوا جحافل قطعانهم تنهش في لحومنا، وتحاول محي تاريخنا. 400 شرطي في مواجهة قاطني أربعة منازل، لم يسمحوا لنا بإخراج أغراضنا، ولم يضعوها جانبا، بل تعمدوا هدم المنازل على مقتنياتنا، على ذكرياتنا وأحلامنا. أنا باقية هنا في هذه الخيمة، وأنا ومن معي أقوى من جرافاتهم وآلياتهم وحقدهم الأسود، والله يقف معنا، وسيذوق هؤلاء مرارة ما فعلوه، من نفس الكأس الذي أرادوا أن يسقونا منه، وسيتجرعون من جام الغضب، من شعب لا ينسى تاريخه، ولا يفرط بذرة رمل من ترابه الطاهر. 11 طفلا لم يذهبوا إلى المدرسة، ولا يريدون الذهاب إليها، فهم يبحثون بين الركام عن ألعابهم وكتبهم وأغراضهم وكراساتهم، إنهم أصحاب قلوب صغيرة ويجب أن نكون أقوياء من أجلهم”.

وعن معاناة الأطفال جراء قضية هدم منازلهم، ذكرت أنه “لا يدور على ألسنة الأطفال سوى الحديث عن المنازل المهدومة، وهذا الحديث يدور بيننا منذ شهرين. لقد ساندت القاطنين هنا معنويا، ولم أتوقع سرعة تنفيذ قرار الهدم الجائر، لأنني أملك قرارا من المحكمة يرجئ أعمال الهدم 45 يوما لترتيب أوضاع العائلات، وإيجادهم منازل بديلة، وفي اليوم الرابع من المهلة كان الهدم قد أتى على منازلنا أثناء تواجد الأطفال في مدارسهم، وبقيت ألعابهم وكافة أمتعتهم تحت الركام، فأين الإنسانية من هؤلاء الذين وطأت أقدامهم الأحلام الصغيرة والذكريات الكبيرة؟ هؤلاء أنفسهم الذين يتشدقون بالإنسانية، جلبوا الأوكرانيين وأسكنوهم أفضل بقاع الأرض باسم الإنسانية في ازدواجية معايير ملحوظة”.

وختمت بالقول إنه “دفعنا كل ما يترتب علينا من ضرائب وأجور خدمات بلدية، وكانت المكافأة أن أُلقي بنا على قارعة الطريق. هؤلاء لا يملكون من الإنسانية شيئا، وأنا عربية أشعر بقوة الانتماء، ومعنى الإنسانية والوطنية، لأنني تربيت على هذه القيم والأسس والمبادئ”.

كانت الشرطة قد اعتقلت صاحب أحد البيوت المهدومة، نظمي أبو عيش، قبيل بدء الهدم وأطلقت سراحه في اليوم الثاني للهدم، وقال لـ”عرب 48″ إنه “تم اعتقالي بحجة قيامي بتهديد أشخاص غير معروفين، وتمت مهاجمتي من قبل ملثمين أثناء تواجدي أمام منزلي، وتم تلفيق تهمة أخرى لي بحيازة مخدرات، لكن ما كانوا يتحدثون عنه لم يكن سوى طعاما للطيور، ولو كان ما قالوه صحيحا لبقيت معتقلا ولم يطلق سراحي. كان ذلك من أجل إبعادي عن منزلي أثناء هدمه، وأكثر ما فوجئت به هو اعتقال ابن شقيقي البالغ من العمر سبعة وعشرين عاما، فأدركت حينها أن ما حدث هو أمر مدبر، تواطأت فيه المحكمة والشرطة، وتم هدم منزلي في غمرة ذلك وخلال تواجد أطفالي الأربعة في المدرسة، ولم أستطع أخذ شيء من منزلي قبل الهدم”.

وشكى شاب من أبو عيش فقدانه لجميع أغراضه الشخصية، وقد تواجد خارج البلاد عندما تم هدم بيته، ليعود إلى ركام بيته.

وقال أبو عيش  إنه “كنت مسافرا عندما علمت بأن الشرطة تعتزم هدم منزلنا، فقمت بحجز بطاقة سفر في أول طائرة وعدت أدراجي لأجد منزلي مهدوما، ولم أجد أيا من أغراضي التي كانت تزخر بهم غرفتي، كهواتف محمولة وملابس وأثاث. كل ذلك ذهب هباءً منثورا”.

 

 

 

المصدر: عرب 48

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى