أخبار رئيسيةمقالاتومضات

قبل وقوع الانتحار المجتمعي

الشيخ رائد صلاح

 

حتى لا ننتحر انتحارا مجتمعيا ويتحول كل فرد من مجتمعنا إلى جسد بلا روح، وإلى بصر بلا بصيرة، وإلى عقل بلا فقه، وإلى إرادة فردانية أنانية جشعة تحسن أن تأكل وتشرب وتتأنق، وإلى طموح أجوف ممسوخ يتقن فن التحايل إن كان سياسيا، وفن التلون إن كان إعلاميا، وفن التذيل إن كان اجتماعيا وفن الغش إن كان اقتصاديا، وفن التعصب إن كان حزبيا، وفن الاتهام إن كان من الجماهير، وفن التفلت إن كان من القيادة، وفن التسويف إن كان من مؤسسة مجتمعية. وحتى لا ننحدر من آفة القفز الموضعي في مسيرتنا إلى آفة (خلفا در) ثمَّ إلى آفة (ناموا ولا تستيقظوا) ثمَّ إلى آفة (حط راسك بين الروس وقل يا قطاع الروس)، ثمَّ إلى آفة (بوس الكلب من فمه حتى تأخذ حاجتك منه). وحتى لا نتوِّج كل هذا الانحدار إلى انحطاط ثمَّ إلى انتحار مجتمعي، حتى لا نتورط ونورط كل مجتمعنا وما تولد فيه من أحزاب وحركات ومؤسسات، وأقلام، ومواهب، وقدرات. في هذه الفاجعة المتوقعة، فنحن مطالبون بما يلي:

1- إذا لم نتدارك تعثرنا المعيب ونحسن كيف نوظف إراداتنا ومواهبنا وقدراتنا للارتقاء في شتى جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والعلمية والثقافية والإعلامية على صعيد القيادة والأحزاب والحركات والجماهير فنحن في خطر ينمو ويسمن وقد نصاب بفاجعة الانتحار المجتمعي.

2- إذا لم نحسن الارتقاء بسلوك جماهيرنا وأنماط حياتهم المختلفة بما يتوافق مع ثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية حتى نضبط واقع حياتنا وما يتوقع قدومه من الأيام الحبالى القادمة، فهناك خطر على لغتنا العربية أن تضيع منا ونحن نتلهي عنها، وما يشير إلى ذلك هو كثرة المفردات الأعجمية التي باتت تغزو حديثنا وكثرة اللافتات الاعجمية التي باتت تعلو مؤسساتنا ومكاتبنا ومحلاتنا التجارية ولوحات الإعلانات في بلداتنا، وهناك خطر على أبعاد انتمائنا، وأخوف ما أخاف أن يدخل التصدع إلى مكونات هذا الانتماء في كل شخص منا، ويغدو ذا شخصية هلامية، لا تحمل ميزات الانتماء إلى الأمة الإسلامية والعالم العربي، ولا حتى إلى الجذور الفلسطينية، ثم يغدو ذا شخصية مبتورة لا تنتمي إلى الأرض والبيت والمقدسات كقضية مصيرية وكحق جماعي مجتمعي، ولا تنتمي إلى حق العودة كأمانة ثقيلة، ولا إلى معاناة الأهل في النقب، ولا إلى شدائد الاسرى السياسيين ومأساة بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وكأن هذه الشخصية الهلامية الضائعة باتت متفلته من كل شيء إلا من بطنها وجيبها ومتعها وجمع أكبر قدر من زينة الدنيا، بدافع الأنا والأنا فقط !! وهذا يعني أننا على أبواب كارثة اسمها الانتحار المجتمعي.

3- الويل لنا ثم الويل لنا إن لم نصارح أنفسنا ونقولها علانية مؤكدين أن الوقوف عند الشعارات في مسيرتنا المجتمعية أو الاكتفاء بالتحرك المزاجي والأعمال الجزئية في أحسن الأحوال، أو التغني بالعناوين أكثر من جدية العمل المستديم المبصر، أو تدبيج القرارات وتدوينها في محاضر جلساتنا الإدارية والوقوف عند ذلك فقط، دون اتباع ذلك بتنفيذ قرارتنا- نصا وروحا -، وهي آفة أصابت الجلسات الإدارية للأحزاب والحركات والهيئات الشعبية والجمعيات الرسمية إلا من رحم الله تعالى. إنْ غرقنا في كل ذلك من رأسنا حتى أخمص قدمينا لا يبشر بخير، وإن لم نتدارك ما نحن فيه، فنحن في هرولة محزنة نحو الانتحار المجتمعي، وكأننا نظن أنَّ في ذلك خلاصنا.

4- تقوم الأحزاب والحركات منا وفينا وتعلن لنا عن برنامج عملها، وقد تعقد مؤتمرا صحفيا للإعلان عن برنامج عملها، وقد تنشر كراسة تتحدث بالتفصيل عن هذا البرنامج، ثمَّ ينضم إلى هذا الحزب أو هذه الحركة من ينضم من جماهيرنا، ثمَّ يصبح هذا المنضم عضوا في هذا الحزب أو هذه الحركة، ثمَّ يصبح همّ هذا العضو وما يشغل باله كيف يترقى في هذا الحزب أو هذه الحركة، وفي أحسن الأحوال يصبح همه وما يشغل باله كيف يتقدم حزبه أو حركته على حساب الأحزاب والحركات التي قامت منَّا وفينا، بعيدا عن اهتماماته ببرنامج العمل الذي دبَّجه حزبه أو حركته ووزَّعه على جماهيرنا مجانا!! وهكذا يصبح الأنا الشخصي هو الأصل وبرنامج العمل في طي النسيان!! وفي أحسن الأحوال يصبح الأنا الحزبي أو الحركي هو الأصل، وتتحوَّل الجماهير إلى مادة استهلاكية لهذا الانا!! أو تتحوَّل إلى جسر عبور لأمجاد الأنا الشخصية أو الأنا الحزبية، وهكذا تضيع برامج العمل الحزبية والحركية، وتتآكل، ويكسوها غبار النسيان، ثمّ ننشط ونواصل ملأ الفراغ ولفت انتباه الجماهير بمواصلة التراشق الإعلامي وكيل التهم وتبادل التجريح واستباحة الغمز واللمز والسخرية والاستهزاء فيما بيننا، عبر مواقع التواصل أو عبر الصحف في بعض الأحيان، أو عبر الحوارات الإعلامية في الإذاعات والقنوات، ثم تبقى المحصلة المحزنة!! ما هي؟ بروز الأنا الشخصية وتضخم الأنا الحزبية والحركية واختفاء برامج العمل الحزبية والحركية، كأنها لم تكن أصلا، أو كأنها كانت على قاعدة الاستعمال لمرة واحدة!! أو كأن تاريخ صلاحية استعمالها قد انتهى، وهكذا نغرق في دوامة كئيبة، يصبح فيها كلنا يتهم كلنا، وها هم أعضاء الحزب الواحد أو الحركة الواحدة، يتهمون بعضهم، ويحرصون أن يكون هذا الاتهام المتبادل فيما بينهم مستورا لا تعلم به سائر الأحزاب والحركات!! وها هو منبر الحزب الواحد او الحركة الواحدة يتهم سائر الأحزاب والحركات، وبات يعيرهم أنهم اختبؤوا في بيوتهم في الوقت الذي أعاد فيه الأندلس!! ومن يدرك حقيقة ما نحن فيه يدرك أنني لا أبالغ بهذا الوصف، ممّا يعني أننا بحاجة إلى هبَّة روحية، تدفعنا إن ننفض كل هذا الغبار عنَّا قبل أن نسقط في حمأة الانتحار المجتمعي!!

5- من باب المؤكد، أؤكد أنني لا أكتب كل ما كتبت أعلاه بدافع اليأس، حاشا لله تعالى، فكلي تفاؤل أنَّ حالنا صعب ولكن ليس ميؤوسا منه، وكلي يقين أننا لن نسقط إلى القاع ولن يطوينا النسيان، ولن ننكب أنفسنا بالانتحار المجتمعي، حيث أننا إن لم نغير ما بأنفسنا، فسيستبدلنا الله تعالى بجيل فتي ذي همة عالية ونفس طويل وإرادة حية ورؤية ثاقبة وتفاؤل صاف كالجسد الواحد، وليس كألف جسد كما نحن عليه الآن، وسينجح هذا الجيل بما لا زلنا نفشل فيه، وسيسير بمجتمعنا المنهك نحو شاطئ الأمن والأمان، وسينقذه من خطر الانتحار المجتمعي متوكلا على الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى