أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

“حلُّ الدولتين”.. رؤية من لا رؤية له

ساهر غزاوي

 

عند الوقوف على البيانات والتصريحات الإعلامية للأجسام والهيئات السياسية، الرسمية والشعبية، التي توضح فيها الموقف والرأي تجاه حدث من الأحداث والقضايا الجارية والساخنة في واقعنا الفلسطيني، نجد أنه من الطبيعي جدًا أن تتضمن الشعارات والمواقف المُذيلة بالمطالبات والمناشدات والدعوات والتمنيات…الخ، لكن من غير الطبيعي جدًا، أن تبقى هذه البيانات والتصريحات الإعلامية التي في مضمونها الحقيقي لا تعدو أكثر من أوهام ومجرد شعارات وتصريحات مجترة وأقوال مكررة ما عاد يقبلها أي عقل سوي متيقظ للمضمون الحقيقي لمثل هذه الشعارات والتصريحات التي لا تزال تدور رحاها حول الحالة غير المسبوقة من التيه السياسي التي تنتاب واقعنا الفلسطيني، وهنا أقصد تحديدًا البيانات والتصريحات الإعلامية المُذيلة بالمطالبات والمناشدات والدعوات والتمنيات بأن يتحقق السلام العادل والشامل والدائم في المنقطة على أساس شعار “حل الدولتين” بإقامة “دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب دولة إسرائيل”.

يقودنا ذلك للسؤال عن حقيقة شعار “حل الدولتين” وواقعيته وإمكانية تطبيقه على أرض الواقع في ظل أوضاعنا السياسية التي تنتابها حالة غير مسبوقة من التيه والتخبط السياسي، لا سيّما في خضم تسارع الأحداث الساخنة والقضايا الملتهبة في البلاد التي تُظهر لنا جليًا أن كل الحلول المطروحة من الأطراف العربية والفلسطينية تُقابل بالرفض والعداء الإسرائيلي!!

عمليًا، فإن رؤية ما يسمى “حل الدولتين” التي تقوم على إقامة دولة فلسطينية ضمن الحدود التي رسمت في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، والتي تضم الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس المحتلة، انتهت على أرض الواقع ولا وجود لها إلا في أدبيات وخطابات وتصريحات وبيانات بعض الأوساط الفلسطينية والعربية الرسمية، ولا يستثنى من ذلك بعض الأحزاب العربية في الداخل الفلسطيني مثل الحزب الشيوعي والحركة الإسلامية (الجنوبية). أيضا، مصطلح “حل الدولتين” يستخدمه المجتمع الدولي للاستهلاك الإعلامي ولرفع العتب وتسجيل المواقف لا أكثر، فالمجتمع الدولي (المنافق) هو أكثر من يعلم باستحالة تحقيق رؤية “حل الدولتين” على أرض الواقع، وهو أكثر من يعلم أن “حل الدولتين” يعني تفكيك المستوطنات والبؤر الاستيطانية وجدار الفصل العنصري والطرق الالتفافية والكسارات الحجرية والمناطق الصناعية الاستيطانية والحواجز العسكرية والمعسكرات والقواعد العسكرية…الخ. وهذا ما لا توافق عليه إسرائيل أبدًا، تمامًا كما أنها لا توافق على قيام دولة فلسطينية ذات سيادة بجانبها، ولا تجد من يجبرها على ذلك، والمجتمع الدولي (المنافق) لا تخفى عليه كل هذه الأمور!!

في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، عندما تحرك قطار التسوية (التصفية) ومرورًا باتفاق أوسلو الذي اعترف بإسرائيل على 78% من أرض فلسطين، وقزَّم وقسَّم القضية والأرض والشعب إلى أقسام ومراحل وقضايا انتقالية ونهائية، تزايد الحديث عن “حل الدولتين”، غير أنه مع صعود اليمين الإسرائيلي إلى السلطة في عام 1996، والذي ما يزال يهمين على المشهد الإسرائيلي إلى اليوم، بدأت الصورة تتضح أكثر من ذي قبل وبدأت حقيقة شعار “حل الدولتين” وواقعيته واستحالة تطبيقه على أرض الواقع تتضح أكثر وأكثر لمن لم تكن بعد قد اتضحت لهم الصورة على حقيقتها.

نتنياهو في كتابه (مكان تحت الشمس) الذي يطرح فيه رؤيته وفكره الأيدلوجي وعقيدته الصهيونية لإسرائيل الكبرى، وفي الفصل السابع تحديدًا وتحت عنوان “الجدار الواقي” (أنصح بقراءة هذا الفصل تحديدًا)، يُبين مخاوفه من الانسحاب من الضفة الغربية لما لها من “الأهمية الحاسمة للعمق والارتفاع الاستراتيجيين، والعوائق الطبوغرافية والجغرافية التي ستواجهها قوة غازية، وأهمية السيطرة على مصادر المياه، لا بد أن نتوصل إلى استنتاج قاطع هو: أنَّ مناطق الضفة الغربية، حيوية لمستقبل الدولة، وسيتوصل إلى هذا الاستنتاج القاطع، كل من يقف في يوم صافٍ على قمة جبل “ياعل حتسور” في السامرة، ليرى كل البلاد من أقصاها إلى أدناها، من غور الأردن وحتى البحر المتوسط: إن أرض إسرائيل الغربية، أي المنطقة الموجودة حاليا تحت سيطرة إسرائيل، هي وحدة إقليمية واحدة، فيها سلسلة جبلية واحدة، تشرف على سهل ساحلي واحد. وكل من يقترح تقسيم هذه المنطقة إلى دولتين ينقصهما الاستقرار والأمن، ويحاول الدفاع عما هو غير قابل للدفاع، يكون كمن يدعو لكارثة”.

فإذا كان نتنياهو “اليميني” قد وصف الدعوة لـ “حل الدولتين” بالكارثة، فإن إيلان بابيه “اليساري” وهو من المؤرخين الإسرائيليين الجدد، أيضًا يصف “حل الدولتين” بـ “الدولة المتخيلة” و “رؤية بعيدة الاحتمال” ويقول في كتابه (عشر خرافات عن إسرائيل) وتحديدًا في الفصل العاشر (وأنصح أيضًا بقراءته): “إن حل الدولتين، اختراع إسرائيلي لم يكن الغرض منه تحقيق المستحيل، بل الإجابة عن السؤال المتعلق بكيفية إبقاء الضفة الغربية تحت السيطرة الإسرائيلية دون دمج السكان الذين يعيشون هناك.. إن حل الدولتين أشبه بجثة يتم إخراجها من المشرحة من حين لآخر، فيتم هندمتها بصورة أنيقة، ومن ثم عرضها كشيء حي. وعندما يثبت مرة أخرى أن لا توجد فيها ذرة حياة، يتم إرجاعها إلى المشرحة”.

وماذا نقول عن “اتفاقيات أبراهام”، التي طبّعت من خلالها كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان علاقاتها مع إسرائيل، والتي لم يعقها توسيع المستوطنات في الضفة ولا التمسك بـ “خيار السلام مع إسرائيل وفق مبادرة السلام العربية، وبعد تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين”، ولا “الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967”!! فأمام هذا كله لا يسعنا إلا التأكيد على أن رؤية “حل الدولتين” انتهت على أرض الواقع ولم يبق لها وجود إلا في أدبيات وشعارات وخطابات وتصريحات من لا تزال تدور روحاهم حول حالة التيه والتخبط السياسي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى