أخبار رئيسيةالضفة وغزةتقارير ومقابلاتومضات

في “سهل البقيعة” الفلسطينيون بين ناري الاحتلال والمستوطنين

“ضاقت عليهم الأرض بما رحبت”، عبارة تلخص حياة سكان ومزارعي سهل البقيعة بالأغوار، الذي على الرغم من كونه مترامي الأطراف، حوَّل الاحتلال الإسرائيلي الحياة فيه إلى ما يُشبه السجن، فحرمهم من الانتفاع بأراضيهم، ومنع مواشيهم من الرعي في تلك الأراضي شاسعة المساحة، ليحاربهم في مصدر رزقهم ويحاول دفعهم لترك أراضيهم التي ورثوها أبًا عن جد.

فعلى الرغم من امتلاك يوسف بشارات أوراق طابو رسمية تثبت ملكية عائلته لقرابة خمسين دونمًا في سهيل البقيعة، فإنّ ذلك لم يمثل سببًا كافيًا لقوات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه ليكفّوا عن مضايقتهم ومحاولة دفعهم لتهجيرهم عن أراضيهم قسرًا لصالح الاستيطان.

ومنذ سنوات تقود سلطات الاحتلال حملة ضد أهالي السهل، فتحرمهم من حراثة أرضهم وتصادر الآليات الحراثة، “لا يكاد يمر يومٌ إلا يصادرون تراكتورًا ويحتجزونه مدةً من الوقت”.

كان بشارات قد شهد مصادرة من الاحتلال لأحد التراكتورات الخاصة به، إذ ادعى أحد جنود الاحتلال بأن الأرض مملوكة للجيش، “ولا يجوز لنا أن نحرثها!”.

ويضيف: “لكنها أرضنا ورثناها أبًا عن جد، ونحن نزرعها بالمحاصيل كالقمح والشعير والبازلاء وغيرها من المحاصيل البعلية، إذ يحرمنا الاحتلال من آبار المياه هنا”.

وعلى الرغم من وجود آبار مياه عديدة في الأغوار، وفق بشارات، فإن الاحتلال ومستوطنيه هم المستفيدون الوحيدون منها، “فلا توجد مياه للاستعمالات اليومية ولا للشرب، نشتري الماء بثمن باهظ، فالصهريج ذو العشرة أكواب يكلفنا قرابة 250 شيقلًا”.

غاية الصعوبة

ويصف بشارات الحياة في سهل البقيعة بأنها غاية الصعوبة، فالماء للمواطنين ومواشيهم غير متوفر، على حين لا يوجد كهرباء سوى خلايا شمسية بدعم دولي.

ويعرب عن أسفه للحالة المعيشية التي تسود بيته والبيوت الأخرى التي يسكنها الفلسطينيون في سهل البقيعة، على حين على بعد عشرة أمتار منه يتمتع الإسرائيليون في المستوطنات الجاثمة على السهل بالكهرباء والماء.

ولا يعد ذلك المنغص الوحيد لحياة أهل السهل، فإخطارات الهدم المتكررة تجعلهم لا يشعرون أبدًا بالاستقرار، ففي أي لحظة قد يفقدون منازلهم ويُلقى بهم في العراء.

تتعدى المعاناة ذلك بمزاحمة المستوطنون القائمين في البؤر الاستيطانية الرعوية لهم في لقمة عيشهم، إذ لم يتركوا جبلًا إلا سرحوا فيهم أغنامهم ومواشيهم، على حين يُمنع الفلسطينيون من دخولها.

ويصف بشارات الحياة في السهل بـ”الصعبة جدًّا” دون خدمات أساسية من بينها الصحة، إذ يضطر السكان إلى قطع مسافات طويلة للحصول عليها.

 “في السهل أصارع للبقاء ولتوفير لقمة العيش لأبنائي التسعة هنا”.

وفي عام 2014م كان هناك ما يقارب من 13 ألف دونم يرعى فيها المواطنون أراضيهم، أما الآن فحصرهم الاحتلال في 500 دونم فقط.

ويعد سهل البقيعة في الأغوار الشمالية، من أكثر الأراضي الزراعية خصوبة في الضفة الغربية، الأمر الذي جعلها محط أطماع الاحتلال الاستيطانية.

 

السلب لأغراض عسكرية

ولم يكن الحال بأفضل عند محمود بشارات، فلا يترك الاحتلال سبيلًا لدفعهم لترك أراضيهم، فما بين أراضٍ أعلنها مناطق عسكرية مغلقة، وأخرى “محمية طبيعية”، سلب جزءًا كبيرًا من الأراضي.

ومن ثمَّ فإن المعاناة مستمرة بمصادرة الآليات حتى عزف أصحابها عن المجيء لحراثة أراضي المزارعين، إلا بأسعار غالية جدًّا، “لقد أصبحت معظم أراضينا بورًا، ولا نستطيع زراعتها”.

كما يتعمد الاحتلال إشعال النيران في الأراضي بمجرد أن تنمو نباتاتنا أو يقوم بتدريبات عسكرية بالآليات، فيدوس أشجارنا أو يُطلق المستوطنون أغنامهم لتأكل الأخضر واليابس، ما يجعلنا مضطرين إلى شراء الأعلاف لمواشينا، ما يكبدنا عبئًا ماليًّا كبيرًا.

ومنذ عام مضى يكثف المستوطنون هجماتهم على سهل البقيعة، “فهناك ثماني بؤر استيطانية جديدة في السهل بخلاف البؤر القديمة، فهم يمنعوننا من وصول أراضينا، كما أن مواشيهم تلتهم مزروعاتنا، كما أنهم يصادرون أراضينا وآلياتنا”.

ويقول بشارات: “أصبحنا ندخل لأراضينا خلسة في ظل التخوف من جيش الاحتلال ومستوطنيه، بخلاف فقداننا بيوتنا، فقد هدموا بيوتًا وحظائر أغنام، ست مرات، كما أن لديَّ الآن إخطارين بالهدم بزعم أنني أسكن في منطقة أثرية ممنوع فيها البناء”.

ويمتد السهل البالغة مساحته 100 ألف دونم من شرق محافظة طوباس حيث بلدة طمون ولغاية الحدود الأردنية الفلسطينية، وتنتشر فيها العديد من التجمعات السكنية التي تعمل في مجال رعي الأغنام والزراعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى