أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

بعد التعاطف مع مخدرات منة شلبي.. متى يتوقف التشهير بالمتهمين في مصر؟

كان الطفل علي محمود يعود كل يوم من مدرسته غارقا في دموعه، من دون أن يكمل يومه الدراسي، حينما يقول له زملاؤه الصغار بالمدرسة الابتدائية إن أباه “مجرم خطير”، لأنه ظهر متهما في برنامج الإعلامي (المقرب من السلطة) أحمد موسى.

لم يكن علي ولا شائنوه -من أقرانه- يدركون ماذا تعني التهم الموجهة لوالده الإعلامي محمود حسين، ولماذا تم التشهير به في بعض وسائل الإعلام؟ لكنهم هكذا رأوا على الشاشات، وسمعوا من أهاليهم.

ورغم أن القاعدة القانونية “المتهم بريء حتى تثبت إدانته” من القواعد المعروفة بين المصريين وباتت أقرب للأمثلة الشعبية، فإن مراقبين يرون أن وسائل الإعلام والتواصل بمصر تحتاج إلى ضبط أدائها، عقب تكرار وقائع التشهير بمتهمين لم تثبت عليهم الاتهامات بعد.

وتجدد الجدل بشأن هذه الظاهرة بعد واقعة ضبط الممثلة منة شلبي مؤخرا في مطار القاهرة وبحوزتها موادا يشتبه بأنها مخدرة، إذ نشرت وسائل إعلام صورا للمواد المضبوطة قبل عرضها على النيابة وتحديد طبيعتها، علاوة على نشر صور لجواز سفر الممثلة متضمنا بياناتها بوضوح.

واعتبر نقيب الممثلين أشرف زكي ما جرى “نوعا من التشهير والإساءة لسمعة الممثلة وعائلتها من دون وجود حكم قضائي نهائي”.

 

انتقائية

أعادت الواقعة التذكير بالعديد من القضايا التي يتم فيها فضح أسماء المتهمين وبياناتهم الشخصية قبل صدور أحكام قضائية، في حين تتم تبرئة بعضهم لاحقا، لكن بعد أن تتلوث سمعتهم.

وفي هذه الواقعة وما سبقها من وقائع، تتوزع المسؤوليات بين السلطات ووسائل الإعلام، حيث تساءل متابعون عن كيفية خروج مثل هذه الصور من حوزة السلطات إلى الإعلام؟

ومن أشهر الصور التي ظلت متداولة على مواقع التواصل، والتي تعد دليلا على التشهير المتعمد، كانت صورة رجل الأعمال وصاحب صحيفة “المصري اليوم” صلاح دياب وهو يقف مقيدا إلى جوار سيارة شرطة، بتهمة حيازة سلاح غير مرخص، رغم أن المحكمة برأته من هذه التهمة لاحقا.

ورغم أن القوانين المحلية تحمي خصوصيات المواطنين، فإن الظاهرة استمرت وتزايدت مؤخرا، وسط تساؤلات لمغردين على مواقع التواصل بشأن مدى الالتزام بتطبيق القانون.

ومع حالة التعاطف الواسع الذي حظيت به الممثلة الشهيرة، طرح مغردون تساؤلات حول “انتقائية” التعاطي مع الحالات بحسب شهرة صاحبها، وانتمائه لدوائر وأوساط بمقدورها الدفاع عن سمعته، إذ إن الذين تعاطفوا مع الممثلة كانوا قد احتفوا -قبل ذلك- بنشر صور وبيانات متهمين آخرين خاصة من السياسيين والنشطاء، بعدما تم “انتهاك خصوصيتهم والتشهير بهم”.

 

قضايا التشهير

بدوره، يوضح المحامي والحقوقي أحمد حلمي أن وقائع التشهير تقع بشكل متكرر، ولا يجري توصيفها قانونا على أنها تشهير في الغالب، لأنه من المعتاد أن ما يجري نشره بيانات من واقع قضية قائمة، فلا يمكن اعتبارها تشهيرا، إلا إذا انطوى النشر على سب وقذف في حق المتهم.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف حلمي أنه في بعض الحالات السابقة، التي تخص أشخاصا معروفين، كان من يتعرض للتشهير يرسل إنذارا لوسيلة الإعلام لتنشر خبر نفي التهمة عنه أو براءته بالطريقة ذاتها التي نشرت بها خبر الاتهام، وكان من المعتاد أن تقوم الصحف باتباع تقليد يعتمد مبدأ السلامة، وتقوم بنشر الإنذار مع خبر البراءة.

وفي تقدير المحامي المصري، لم تشهد ظاهرة التشهير تزايدا، حيث تقع بالشكل نفسه، غير أنها تبرز حينما يتعلق الأمر بشخصية مشهورة، معربا عن توقعه ألا تتوقف على المدى القريب.

وتشدد القوانين المحلية عقوبة التشهير في عدد من الحالات، منها التشهير بأحد العاملين في الوظائف الحكومية، ونص القانون على أن يعاقب هذا الشخص بتسديد غرامة مالية لا يمكن أن تتجاوز 10 آلاف جنيه (الدولار يساوي نحو 25 جنيها).

وتتضاعف العقوبة في حال التشهير بالغير عن طريق استخدام وسائل الإعلام، وتصل إلى الحبس لمدة تصل إلى 6 شهور، كما يشدد القانون عقوبة التشهير في حال استخدام الشخص لمعلومات خاصة بعائلة من يشهر به.

ويعتد بالتشهير عندما يتم عن طريق الصحف أو المجلات أو عن طريق الوسائل الإلكترونية المختلفة.

مسؤولية الإعلام

من المفارقات التي دعت متابعين للتعليق على تباين المواقف بين أجهزة الأمن والإعلام، حينما اختطف راكب دراجة نارية هاتف مراسل موقع “اليوم السابع” في أثناء بث مباشر بإحدى التغطيات، وفي حين نشر الموقع وجه المتهم وبياناته، حرصت وزارة الداخلية على تمويه ملامحه، وهو ما اعتبره مغردون “درسا من الداخلية للصحفيين”، التزمت به “اليوم السابع” لاحقا عند النشر عن الواقعة ذاتها.

غير أن واقعة التشهير بصاحب صحيفة “المصري اليوم” صلاح دياب تؤكد أن السلطة تتعمد التشهير أحيانا، وفقا للناشر المعروف هشام قاسم، الذي حمّل وسائل الإعلام المسؤولية، إذ يرى أنها “تحولت إلى أداة للمدح أو القدح، وفيما يتوارى قليلا مدح السلطة، يحل قدح من يقع تحت أقلام الإعلام وعدساته”.

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد قاسم أنها أزمة إعلام في الأول والأخير، لأن مسؤولية النشر تقع على القائمين عليها، مشيرا إلى عدد من الوقائع جرت خلال إشرافه على مؤسسة “المصري اليوم”، حينما كانت تُعرض عليه مواد تتجاوز صلاحيات رئيس التحرير، لأنها متعلقة بالسياسات العامة للصحيفة، فيقرر منعها لأنها تمس سمعة أشخاص غير مدانين.

وأكد المتحدث أن هذه الظاهرة ستختفي حال تحرر الإعلام من قيوده، وامتلاك القائمين عليه القدرة على العمل بشكل مهني ومستقل، وحينها سيحدث الفرز الطبيعي لدى المتلقي فيقرر متابعة الجاد من المعروض عليه، أما من اعتاد على التشهير، فلن يجد استجابة له، بل سيواجه النفور.

ورأى قاسم أن القانون سيطبق حينما تتوافر الإرادة لذلك، لتختفي ساعتها الأسئلة التي طرحت نفسها في قضية منة شلبي، حول السبب الحقيقي وراء احتجازها، والتي عكست انعداما للثقة لدى الجمهور، الذي تعاطف معها لأنها محبوبة، لا لمبدأ رفض التشهير نفسه، فحينما وقع التشهير بآخرين، لم يجدوا متعاطفين معهم.

 

الصحفيون جناة وضحايا

عدد من الصحفيين أنفسهم كانوا ضحايا التشهير، فقد تبنت وسائل إعلام مزاعم السلطات لمتهمي قضية الأمل -المتهم فيها صحفيان- مما دعا عددا من الصحفيين عام 2019 إلى التوقيع على بيان إدانة للتشهير الذي تم بحق زميليهم هشام فؤاد وحسام مؤنس، المتهمين بالقضية.

ودان الموقعون ما وصفوه بـ”الجريمة المهنية” التي ارتكبها زملاء في حقهم، عبر “حملة تشويه ممنهجة” طالت جميع المتهمين في القضية، وإدانة جميع وسائل الإعلام لهم قبل تحقيقات النيابة العامة.

وأقام المحامي بالنقض علاء مصطفي دعوى ضد النائب العام والنيابة العامة، لحجب الصفحة الرسمية للنائب العام وللنيابة العامة، على أساس أنها تنشر بيانات تخص متهمين لم يدانوا بعد.

وأسس المحامي دعواه على أن هذه الصفحة ذات “أثر سلبي” علي المراكز القانونية للمتهمين والمتقاضين وعلي النيابة والقضاة أنفسهم، الذين ينظرون القضايا التي تبث تحقيقاتها الصفحة الرسمية للنيابة العامة، مما من شأنه التشهير بالمتهمين وهم لا يزالون قيد اتهام وليسوا محكومين بالإدانة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى