أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

احتجاجات تونس الاجتماعية.. هل تغير التوازنات السياسية؟

– مدير المركز العربي لدراسة السياسات مهدي مبروك: الاحتجاجات الاجتماعية تجري دون رؤوس مسيسة في شكل حركات اجتماعية ليلية فيها الكثير من العفوية والغضب ولا أحد من الطبقة السياسية يتجرأ على احتوائها
– أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية محمد الجويلي: الحراك الشبابي بالأحياء الشعبية لا يعترف بالحراك السياسي الذي يقوده “كبار السن”.. المعارضة السياسية تعاني من 3 معضلات ولابد لها من تجديد وابتكار

تتصاعد في تونس احتجاجات اجتماعية متفرقة يرى خبيران، أنها تتوجس من السياسيين الذين فقدوا ثقة الشباب، ولا تشكل خطرا على منظومة الحكم، إلا إذا تبنت المعارضة خطابا وتحركات جديدة.

ومنذ أسابيع شهدت عدة مناطق احتجاجات اجتماعية أغلبها ليلي، رفضا لأسلوب تعامل الأمن مع الشباب وللزيادات في الأسعار ولندرة مواد غذائية.

وبموازاة الأزمة الاجتماعية، تشهد تونس أخرى سياسية مستمرة منذ أن بدأ رئيسها قيس سعيد فرض إجراءات استثنائية في 25 يوليو/ تموز 2021، ما أحدث استقطابا سياسيا حادا.

 احتجاجات متصاعدة

وقال مدير المركز العربي لدراسة السياسات بتونس (مستقل) مهدي مبروك إن “هناك مؤشرا على تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية”.

وأضاف مبروك، أنها “بدأت تتكرر في الأسابيع القليلة الماضية، بعضها ليلي والآخر نهاري، بالأحياء الهامشية بالعاصمة مثل دوار هيشر وحي التضامن والحرايرية ومرناق، ما يؤكد وجود مشاعر تلتقط أزمة اجتماعية تحتدم منذ أشهر”.

وتابع: “هناك حساسية تجاه الأزمة الاجتماعية وغلاء الأسعار باللحوم الحمراء واختفاء مواد غذائية تعيش عليها الطبقات الاجتماعية الأكثر هشاشة كالبيض والحليب والطحين، فالأزمة تسحق فئات أصبحت تعبر عن غضبها”.

واعتبر مبروك أنه “لا يمكن اختزال الوضع الاجتماعي في ندرة المواد الاستهلاكية، فهي أزمة اجتماعية أشمل مثل تردي الخدمات الاجتماعية والصحية، ويبدو أن هناك 400 ألف تلميذ إما لا يدرسون كامل الوقت أو يدرسون بعض المواد”.

مواسم الاحتجاج

وصف أستاذ علم الاجتماع بالجامعة التونسية محمد الجويلي “ما يقع في حي التضامن ومدينة جرجيس” بأنه “يخرج عن مواسم الاحتجاج العادية”.

وفي الأيام الماضية، شهدت مدينة جرجيس (ولاية مدنين – جنوب شرق) احتجاجات واسعة على عدم نجدة السلطات لـ18 شابا من المهاجرين غير النظامين من أهالي المدينة غرق مركبهم في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، وبلغت الاحتجاجات أوجها الثلاثاء بتنظيم إضراب عام بالمدينة.

وأوضح الجويلي خصوصية احتجاجات جرجيس بأن ما وقع “مسألة كبيرة جدا هي مسألة الموت والدفن، فعدد كبير من الموتى من المدينة نفسها”.

وتابع: “ما عمق الجرح وجعل الاحتجاجات كبيرة هو تصرف الدولة، فالحدث جلل ويدفع للاحتجاج والرفض”.

أما بخصوص حي التضامن، فقال الجويلي إنه يوجد “مشكل متواتر هو علاقة الشباب بالأجهزة الأمنية.. كلما تصير عملية مطاردة لأحد الشبان ويُقتل شاب، تحدث مواجهات كبرى بين الشبان والأمن ويحتج أبناء حيّه لإثبات أنه مظلوم”.

وتابع: “هذان الشكلان في الاحتجاج يخترقان كل الأزمة ولا علاقة لهما بالاحتجاجات الكلاسيكية في يناير (كانون الثاني سنويا) خصوصا المرتبطة بغلاء المعيشة والبطالة، وعادة تقع بعد خروج قانون المالية (لموازنة السنوية العامة)”.

وذكّر بأن “أكبر احتجاج اجتماعي كان في يناير 1984، فبعد رفع الدعم جزئيا عن الخبز اشتعلت تونس في 3 يناير 1984”.

وأردف: “كل احتجاج اجتماعي يصنع مساراته الخاصة، أما الاحتجاج الكلاسيكي فيصير بعد مطاردة الأمن للشبان ولا يصير تحقيق.. في الأحياء الشعبية يحتج الشبان على الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة، لكن يحتجون بضراوة أكثر عند المواجهات مع الأمن”.

ومنذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، شهد حيا التضامن والانطلاقة بالعاصمة تونس مواجهات عنيفة ليلا وعمليات كر وفر بين مئات المحتجين ورجال الأمن.

واستخدمت قوات الأمن الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، الذين ردوا برشقها بالحجارة وعبوات زجاجية وزجاجات حارقة وألعاب نارية.

وهذه الاحتجاجات تزامنت مع تشييع جثمان شاب توفي متأثّرا بإصابته بالرقبة والظهر بعد مطاردة أمنية.

احتجاج رافض للسياسيين

وتزامنت احتجاجات اجتماعية مع انطلاق الاحتجاج السياسي ضد إجراءات سعيد الاستثنائية بتنظيم المعارضة مسيرتين، الأولى لجبهة الخلاص الوطني، وهو ائتلاف أحزاب حركة النهضة وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة وحزب الأمل وحراك تونس الإرادة ومستقلون، والثانية للحزب الدستوري الحر.

وبخصوص هذا التزامن، قال مبروك: “لابد للاحتجاج الاجتماعي أن يتم رسملته سياسيا، فالاحتجاجات تبدأ اجتماعية ولابد من حاضنة سياسية تعبئها وتضع لها أهدافا وتوظفها”.

واستدرك: “لكن هذا الوضع غائب لسببين، الأول عدم التقاء الاحتجاج الاجتماعي بالاحتجاج السياسي، فهناك طبقة سياسية فقدت وجاهتها وشرعيتها في الاستثمار السياسي للأزمة الاجتماعية على عكس السنوات الماضية، حين كنا نرى قادة سياسيين ينزلون للشارع ويؤطرون”.

وتابع: “الاحتجاجات الاجتماعية تجري دون رؤوس مسيسة في شكل حركات اجتماعية ليلية فيها الكثير من العفوية والغضب، ولا أحد من الطبقة السياسية يتجرأ على احتوائها”.

أما السبب الثاني، وفق مبروك، فهو أن “هناك أطراف تتحرك في المجتمع ضد ما تسميه ركوب الأحداث سياسيا مراهنة ًعلى النجاح المحلي لاحتجاجاتها من أجل تحسين شروط التفاوض المحلي فقط، وهذا عرقل تحول الاحتجاجات من حراك احتجاجي محلي مؤقت إلى تحرك احتجاجي له أفق سياسي”.

وهنا “تمكن الصعوبة في تحويل الحراك الاجتماعي المحلي إلى مستوى وطني ورسملته سياسيا والذهاب به إلى أفق سياسي يعرض شرعية سعيد لخطر حقيقي”، بحسب مبروك.

واعتبر أن “شرعية سعيد تتهرأ وربما يُعبِّر هذا الغضب عن نفسه في تدني نسب المشاركة بالانتخابات التشريعية يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وربما يغذي الاحتجاج الاجتماعي في الفئات الشعبية التي يزعم سعيد أنه الناطق باسمها حالة العزوف عن الانتخابات.”

وهذه الانتخابات هي أحد إجراءات سعيد الاستثنائية وتضمنت أيضا تمرير دستور جديد للبلاد عبر استفتاء في 25 يوليو/ تموز الماضي وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية.

وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على دستور 2014 (دستور الثورة) وتكريسا لحكم فردي مطلق”، بينما ترى فيها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011”.

أما سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، فقال إن كل إجراءاته “ضرورية وقانونية” لإنقاذ البلاد من “انهبار شامل”.

قطيعة بين الشباب والسياسيين

الجويلي نفى أي تأثير سياسي للاحتجاجات على التوازنات الراهنة بالقول إن “الاحتجاجات الاجتماعية مبدئيا لا يمكن أن يكون لها تأثير على الوضع السياسي، فالدولة دائما قادرة على التصدي بالمعالجة الأمنية كما حدث بحي التضامن.”

واعتبر أن “هناك قطيعة بين الاحتجاجات الاجتماعية والقادة السياسيين أو المعارضة السياسية.. لا توجد علاقة اندماجية بينهما، فالاحتجاجات الاجتماعية دون قيادة سياسية ولا أفق سياسي وفي الآخر تنتهي إلى معالجة أمنية إلا في الحالة القصوى .”

واستطرد: “كأن الحركات الاحتجاجية بالإحياء الشعبية تريد أن تتولى بنفسها الاحتجاج دون تدخل السياسي.. تجسير العلاقة بين الطرفين غير موجود، وهذا دائما في صالح السلطة السياسية القائمة، والمعارضة غير قادرة على إعطاء خطاب جديد لهؤلاء حتى يصير الاندماج.”

وقال الجويلي إن “الحركات الاحتجاجية دون أفق سياسي مآلها دائما أن تأخذ وقتا وتتلاشى، ليس هناك كتل تاريخية أحزاب سياسية نقابات شخصيات وطنية مبدعين يقودون الاحتجاجات ويعطونها زخما.”

ونفى أي خطورة للاحتجاجات الاجتماعية على المنظومة السياسية قائلا: “لا أعتقد أن المنظومة الحالية تخشى الاحتجاجات، فالمعالجة الأمنية لها دور في إنهائها.”

متفقا مع الجويلي، قال مبروك إنه “حاليا ثمة زمنين، زمن احتجاج اجتماعي لا ينزل سياسيا وزمن احتجاج سياسي لا ينزل اجتماعيا، وهذا يمثل مفارقة.”

شيطنة السياسيين

وحول مدى قدرة الاحتجاج السياسي على تغيير الأوضاع، قال الجويلي “لا أعتقد أن لهم القدرة على تغيير الوضع، فهناك رفض لهؤلاء (السياسيين).”

واعتبر أن “سعيد ومنظومته نجحوا في شيطنة هذه المجموعات وبالتالي عند الناس وحتى عند بعض النخب هؤلاء قادة وفاعلين سياسيين انتهى أمرهم، ولم تكن لهم القدرة على بناء خطاب جديد وتحركات من نوع جديد، فالتحركات في شارع بورقيبة (وسط العاصمة) انتهى أمرها مع 14 جانفي (يناير/ كانون الثاني) 2011 (الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي)”.

وتابع الجويلي: “إعادة تفعيل الحراك السياسي بمضامين جديدة وبأشكال جديدة هذا ما يمكن أن يربك على المدى القريب والمتوسط.. السياسة الجيدة هي التي فيها ابتكار وتجديد للشكل والمضمون والخطاب والأشخاص.”

وأردف: “ما حدث السبت (مسيرة المعارضة في 15 أكتوبر الجاري) بيّن غيابا تاما للشباب ومن حضر هم قواعد أحزاب سياسية في سن متقدمة نسبيا”.

وأضاف: “هناك حراك شبابي بالأحياء الشعبية لا يعترف بالحراك السياسي الذي يقوده كبار السن في شارع الحبيب بورقيبة وأمام المسرح البلدي.. وهذا المشهد يساعد أي منظومة في السلطة، سواء كان قيس سعيد أم غيره”.

عجز المعارضة تجديد خطابها

في ذات الاتجاه ذهب مبروك قائلا: “رغم أن المناخ السياسي والاجتماعي ملائم بالقوة للاحتجاج وكل المؤشرات كعودة دولة الخوف والملاحقات وارتفاع غير مسبوق في الأسعار وتدني الخدمات، لكن للأسف تقابلها حالة جمود أو طاحونة الشيء المعتاد لدى المعارضة”.

وأضاف أن “أقصى ما تدعو له جبهة الخلاص هو وقفة.. هم ثابتون في الوقفة وهذا دليل على أن الطبقة السياسية المعارضة لم تتجاوز معضلاتها الثلاث”.

أول هذه المعضلات، وفق مبروك، هو “الحسابات الضيقة لدى بعض الأطراف، فهناك من يقول لنترك سعيد يكمل شغله للتخلص من خصم لم نستطع هزمه ديمقراطيا ثم نبدأ ديمقراطية حقيقية بعد التخلص من (حركة) النهضة، وهذا الموقف ليس فقط لدى أقصى اليسار الذي مع سعيد..

وفي المقابل النهضة لم تبدد تلك المخاوف ولم تقبل بالنقد الذاتي، وخصومها لم يقدموا نقدهم الذاتي وبينهم من كان معها في الحكم”.

وثاني المعضلات هو “غلبة الأيديولوجي السياسي على الوطني البراغماتي، وأخيرا العجز عن ابتكار وسائل اتصال تبدد الصورة التي رسمتها الشعبوية للعشرية الماضية”، بحسب مبروك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى