أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

بين جروح الماضي وضمانة الدستور.. الحجاب في تركيا يدخل السباق الانتخابي مبكرا

حتى قبل عقد من الزمن، لم يكن ليتخيل أحد في تركيا أن يتقدم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض بمقترح إلى البرلمان لضمان حرية ارتداء النساء الحجاب في مؤسسات الدولة، بعد أن كان يعتبره قضيته الأولى، وبعد أن حارب المظاهر الدينية على مدى عقود.

غير أن السنوات الأخيرة شهدت إرهاصات هذا التحول بحسب مراقبين، ولا سيما أن البلاد باتت على بُعد أشهر من انتخابات عامة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها مفصلية في تاريخ تركيا.

بالإضافة إلى العديد من التحركات التي توحي بالتصالح مع التيار المحافظ خلال الأشهر الماضية، ظهر رئيس حزب الشعب التركي كمال كليجدار أوغلو، خلال العام الجاري في سلسلة فيديوهات دعا فيها للمصالحة الاجتماعية و”إغلاق جروح الماضي”، معترفًا بارتكاب حزبه أخطاء بحق شرائح من الشعب ومطالبًا إياهم بالصفح.

لكن الفيديو الأخير الذي بثه على حسابه في تويتر في 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري تضمن مبادرة نوعية، عندما كشف عن أن حزبه وفي محاولة منه إلى “إغلاق جروح الماضي” سيقدم مشروع قانون في البرلمان لضمان حرية الحجاب، وهو ما حصل بالفعل في اليوم التالي.

كمال كليجدار أوغلو كشف أن حزبه سيقدم مشروع قانون أمام البرلمان لصالح حرية الحجاب

بدأت مشكلة الحجاب لأول مرة في تاريخ تركيا في عهد مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، حيث أدرجت ضمن سلسلة من المحظورات، بيد أن حظر الحجاب لم يتحول إلى قانون سارٍ إلا عقب انقلاب الجنرال كنعان إيفرين عام 1980 حيث شمل منع المحجبات من العمل في مؤسسات الدولة والدخول إلى الجامعات والمؤسسات التعليمية.

في عامي 1989 و1990، حاولت حكومة تورغوت أوزال أن توسع دائرة الحريات في البلاد بما يشمل حرية ارتداء الحجاب في الدوائر الحكومية والجامعات وذلك بتعديل اللوائح والقوانين، ولكنَّ المحكمة الدستورية ألغت تلك التعديلات بطلب من أحزاب المعارضة اليسارية.

وبعد أحداث 28 فبراير/شباط 1997 التي أجبرت رئيس الوزراء آنذاك نجم الدين أربكان على الاستقالة -وما تبعها من إجراءات صارمة شملت تشديد حظر الحجاب والتضييق بشكل خاص على طالبات الجامعات- بدأ تطبيق الحظر بقسوة لم تعهد من قبل، حتى شهدت قبة البرلمان طرد النائبة الشهيرة مروة قاوقجي عام 1999 بسبب حجابها.

وعد انتخابي تحقق

عاد جدل الحجاب إلى المشهد السياسي في البلاد مع صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في 2002، لا سيما أن حل هذه المشكلة كان على قائمة الوعود الانتخابية للحزب، إلا أنه لم يتمكن من اتخاذ أي خطوة في البداية، حتى أن أمينة أردوغان عقيلة زعيم الحزب رجب طيب أردوغان منعت من دخول مشفى عسكري بسبب حجابها.

وبدأ حزب العدالة والتنمية عام 2008 أولى محاولاته، عندما تمكن بالاتفاق مع حزب الحركة القومية من تمرير تعديل بندين في قانون الخدمة المدنية ينظم عمل الموظفين لضمان حرية ارتداء الحجاب في الدوائر الحكومية بشكل عام؛ ولكن المحكمة الدستورية ألغت التعديلات مجددًا بطلب من المعارضة.

عام 2010، أصدر رئيس مجلس التعليم العالي يوسف ضياء أوزجان تعميمًا يمنع أساتذة الجامعات من طرد المحجبات من قاعات الجامعات، والمفاجئ أن ردود فعل أحزاب المعارضة على التعميم لم تسجل اعتراضًا على غير المعتاد.

وفي عام 2013، أقر حزب العدالة والتنمية الحاكم حزمة من التعديلات والقوانين الهادفة لتوسيع الديمقراطية، وشملت حرية ارتداء الحجاب وحقوق الأقليات، وتعديل القوانين الانتخابية والجنائية.

بين القانوني والدستوري

وفيما تلقت أحزاب معارضة محسوبة على التيار المحافظ المبادرة الجديدة من وريث الفكر الأتاتوركي بالترحاب، دعا رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، زعيم المعارضة التركية إلى العمل على إدراج مسألة الحجاب في دستور البلاد بدل الاكتفاء باقتراح إصدار قانون، مؤكدًا أن حكومات العدالة والتنمية “أزالت مسألة حظر ارتداء الحجاب من أجندة تركيا”.

وإذا كانت مبادرة حزب الشعب الجمهوري قد جاءت في توقيت يثير التساؤلات بشأن الحسابات الانتخابية للمبادرة، لا سيما أن العديد من الأطراف تعتقد أن مسألة الحجاب قد طويت، فإن الحزب يرى في المقابل أن إثارته لهذه القضية تأتي “لسحب ورقة رابحة من يد أردوغان”.

يقول رشتو حاجي أوغلو، مستشار رئيس بلدية إسطنبول عن حزب الشعب الجمهوري، أكرم إمام أوغلو، إنه كان ثمة تصور بأن هذه المشكلة قد انتهت في تركيا منذ 9 سنوات، عندما أقر حزب العدالة والتنمية مجموعة التعديلات الإصلاحية.

ويضيف حاجي أوغلو، “لكن أردوغان، من خلال أذرعه، يروج للجمهور المحافظ بأنه (إذا ذهبنا، فسيعود الحظر)”. ويتابع: “عندما أدرك الحزب هذا، قال لنشرع قانونًا، وقال أردوغان لنضع دستورًا. وهكذا إذا تم تشريع الحجاب، سيفقد أردوغان ورقته الرابحة”.

بيد أن أردوغان يرى أن حزب الشعب لم يتقدم بهذه المبادرة “إلا لكسب بعض الأصوات من المتدينين”، لذلك قام الرئيس التركي برفع السقف إلى ما هو أعلى مما طالب به كليجدار أوغلو، بحسب فهمي صوغوك أوغلو، نائب عميد كلية الإلهيات في جامعة غازي عنتاب التركية.

ويضيف صوغوك أوغلو، أن كليجدار أوغلو “لا يستطيع التجاوب مع طرح أردوغان فيما يتعلق بتغيير الدستور لخوفه من انشقاق صفوف حزبه، حيث ما زالت عقلية منع الحجاب موجودة في أذهان بعض الأعضاء. وإذا لم يؤيد كليجدار أوغلو تغيير الدستور، فسينكشف بأن فكرته لم تكن لصالح المحجبات”.

وفيما يُعتقد أنه سبب ثان محتمل لمبادرة أردوغان رفع المسألة إلى المستوى الدستوري، يلفت الأكاديمي التركي إلى أن أردوغان ربما يتعامل مع الأمر على أنه فرصة لحل مشكلة الحجاب من جذورها، إذا أيد حزب الشعب الجمهوري تغيير الدستور، لأنه سيتوفر حينئذ شبه إجماع في البرلمان للتغيير، وسيكون من الصعب لاحقًا العودة إلى المنع.

ويتفق الكاتب التركي، جلال دمير، مع صوغوك أوغلو في أن تعديل الدستور هو ما يضمن حرية ارتداء الحجاب. ويؤكد في حديث للجزيرة نت أن “الفرق بين الدستور والقانون هو أن الدستور أعلى درجة وأن المنع السابق لم يكن نابعًا من الدستور بل من قانون”، ويرى دمير أن أردوغان يحاول أن يحل القضية من جذرها “حتى لا تستمر المعاناة مع تغيير الحكومات بحيث يكون الحجاب مسموحًا في نص الدستور”.

إلى أي حد تغير حزب الشعب المعارض؟

ويقر الإعلامي التركي بأن حزب الشعب تغير في السنوات الأخيرة، وغير رأيه من قضية الحجاب من أجل الحصول على أصوات المحافظين. ويضيف: “بناء على آمال سياسية ذهب حزب الشعب إلى التغيير بشأن السماح بالحجاب في الدوائر الحكومية”.

من جهته، يَلمح الصحفي والباحث في الشأن التركي، مصعب أبو شعبان، في المقترح الذي تقدم به حزب الشعب تغييرًا في عقليته، معتبرًا أن “الصعود الكبير للتيار المحافظ. يجعل من الطبيعي أن يقوم الحزب بإعادة تقدير للموقف وتجاوز التطرف في موقفه ضد وجود الدين في الحيز العام”.

بالرغم من أن الاقتراح “يعد رمزيًّا أكثر منه واقعيًّا، كون قضية الحجاب تم تجاوزها”، بحسب أبو شعبان الذي تحدث للجزيرة نت، إلا أنه يبرز “فشل سياسة إقصاء الدين من الحيز العام في تركيا باعتباره أحد مكونات الهوية والشخصية التركية”.

يقول رشتو حاجي أوغلو، مستشار أكرم إمام أوغلو: “نعم. إن حزب الشعب الجمهوري، ومن الآن فصاعدًا، لن يتصادم مع قيم المجتمع. لقد أدرك أنه إذا تصادم معها فلن يصعد إلى السلطة أبدًا”. ويضيف للجزيرة نت: “لقد احتضن الحزب المحافظين وفاز بعدها في الانتخابات المحلية في مدن كبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير”.

هل يمكن أن يصوّت المتدينون لحزب الشعب؟

وبالنظر إلى معاناة المتدينين في تركيا من مشكلة منع الحجاب سنوات طويلة، ثمة شكوك بشأن فرص حزب المعارضة الرئيسي بالفوز بأصوات أبناء التيار المحافظ.

يقول صوغوك أوغلو، إن سلوك حزب الشعب “تسبب بحالة من الرعب عند المتدينين، ويَغلب خوف الرجوع إلى تلك الأيام على جميع الأشياء التي تؤثر في اختيار الناخبين حتى المآزق الاقتصادية”.

واستدرك صوغوك أوغلو قائلًا: “لكن الجيل الجديد الذين لم يعيشوا تلك الأيام لا يشعرون بنفس الشعور، ولا يجدون في أنفسهم ذلك الخوف. وأظن أن كليجدار أوغلو يقصدهم بالدرجة الأولى”.

وينبه إلى أنه في الوقت الذي يعيب فيه الناخبون المتدينون على كل من علي باباجان وأحمد داود أوغلو وتمل قارامولا أوغلو، وهم ساسة ينتمون إلى التيار المحافظ، وقفتهم مع حزب الشعب الجمهوري الذي كان يحارب المظاهر الدينية، فإن كليجدار أوغلو بمبادرته هذه يفسح لهم مجالًا لإقناع منتخبيهم من المتدينين بأن الشعب الجمهوري لم يعد كما كان”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى