أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودولي

تايمز: مشكلة الغرب ليست مع بوتين ولكن مع روسيا.. وطالما لم يحاول فهمها ستظل التظلمات قائمة

نشرت صحيفة “التايمز” البريطانية مقالا لبيتر كونرادي قال فيه إن الغرب ليست لديه مشكلة مع فلاديمير بوتين ولكن المشكلة هي مع روسيا. وعلى قادة الغرب الذين يتجاهلون عادة دروس التاريخ البحث عن طرق للتعامل مع موسكو. وقال إن رودريك برثاويت، السفير البريطاني في موسكو تلقى في تشرين الثاني/نوفمبر 1991 وعشية تفكك الاتحاد السوفييتي تحذيرا من مستشار لميخائيل غورباتشوف، الزعيم الإصلاحي السوفييتي بأنه سيطاح به إلى جانب البلد الذي حاول حمايته وفشل.

وقال المستشار “روسيا تمر بأوقات صعبة” و”لكن الواقع هو أن روسيا ستعيد تأكيد نفسها في عقد أو أكثر كقوة مهيمنة على رقعة جيوسياسية واسعة”. وكرر السفير السابق الكلمات للكاتب والتي غطت عليها سياسة الحزم التي تبناها بوتين منذ صعوده إلى السلطة وحتى غزو أوكرانيا.

وبعد مرور ستة أشهر وآلاف القتلى فحرب بوتين الطاحنة لا تزال مستمرة. الرهانات فيها عالية، وأثار القتال في الأيام الأخيرة حول مفاعل زباروجيا مخاوف من حرب نووية وكارثة على غرار كارثة مفاعل تشرونوبيل في 1986. وأدى التسرب في المفاعل الواقع على بعد 400 ميل شمال- غرب زباروجيا لتظليل مظاهر الفشل السوفييتي. وربما كانت كارثة في زباروجيا هي نتاج مباشر لنتائج انهيار الاتحاد السوفييتي. وعلى المجتمع الدولي البحث عن طرق لنزع فتيل التوتر، لكن الغرب يبدو أنه لا يفكر كثيرا في التعايش مع روسيا، في وقت يظهر فيه كل طرف أنه يخوض حربا لا مخرج منها ضد الآخر.

ومن الخطأ الاعتقاد أننا نواجه “مشكلة بوتين”، فالتاريخ يقترح أنها “مشكلة روسيا” وستظل قائمة ولمدة طويلة حتى بعد مغادرة ساكن الكرملين الحالي المنصب. ويرى الكاتب أن جذور الحرب الحالية كامنة في المهمة غير المكتملة عام 1991، فانهيار الاتحاد السوفييتي في ليلة وضحاها من 15 منطقة إلى جمهوريات ذات سيادة تم فيها تحويل الحدود الداخلية وبشكل عشوائي أحيانا إلى حدود سيادية، مما أدى لخلق إرث مسموم لحوالي 25 مليون روسي وجدوا أنفسهم يعيشون في أوطان أجنبية.

ولهذا السبب صمم بوريس يليتسين، زعيم روسيا أقوى دول المجموعة الـ15 للإطاحة بغورباتشوف والتخلي عن الماضي الشيوعي الذي كان مستعدا للقبول بهذا، متجنبا حربا طاحنة في دولة شيوعية أخرى تفككت في التسعينات من القرن الماضي وهي يوغوسلافيا. إلا أن عملية انتقال السلطة السلمي أجلت العنف. وعندما حاول الشيشان الخروج، تم سحقهم في حربين طاحنتين، ساعدت الثانية بوتين على تأكيد سلطته. وكان غزوه لجورجيا عام 2008 من أجل حماية أوستيا، المجموعة الموالية لروسيا التي زعمت أنها تعرضت لحرب إبادة من سلطات تبليسي. لكن خسارة أوكرانيا هي ما أزعج بوتين بشكل خاص، نظرا لحجمها ومشاركتها في الأصول مع روسيا وقبل ألف عام “كيفان روس”، حيث تقلبت عملية السيطرة على الحدود من العصور الوسطى حتى الاتحاد السوفييتي.

ومنذ ستينات القرن السابع عشر خضعت معظم أراضي أوكرانيا إما لموسكو أو سانت بطرسبرغ.

وبعد عام 1991 كانت أوكرانيا موطن النسبة الكبرى من 25 مليون روسي في الشتات. وفي إحصاء تم قبل عامين من انهيار الاتحاد السوفييتي، قالت نسبة 22.1% من 11.4 مليون إنهم روس. وزادت النسبة إلى 65.6% في شبه جزيرة القرم والتي أصبحت جزءا من أوكرانيا في عام 1954 بقرار من الزعيم نيكيتا خروتشوف، وكانتا جزءا من الاتحاد السوفييتي في حينه.

وفي بداية سنوات حكمه، لم يكن بوتين قويا بدرجة تمكنه لعمل شيء للروس في أوكرانيا، ولم يكن بحاجة لعمل هذا. صحيح أن أوكرانيا انحرفت بعد الثورة البرتقالية عام 2004 باتجاه الغرب لكنها عادت للفلك الروسي بعد صعود فيكتور يانوكوفيتش بعد ستة أعوام. وردا على ثورة ميدان التي حرض عليها الغرب في عام 2014 والتي أطاحت بيانوكوفيتش، ضم بوتين القرم وأثار حربا انفصالية في دونباس، باسم غالبيتها الروسية والتي أدت حتى بداية هذا العام لمقتل أكثر من 14.000 شخص. وكان رأي بوتين الذي كرره عشية الغزو أن أوكرانيا لم يكن لديها حدود حقيقية، وهو لا يعبر عن موقفه فقط بل ومواطنيه. فنسبة 64% من الروس اعتبروا أنفسهم والأوكرانيين شعبا واحدا. وهذا نتاج قرون من الروابط الثقافية واللغوية والتاريخية وليس مجرد دعاية الكرملين.

وفي المقابل، تحرك الأوكرانيون منذ استقلالهم للاتجاه المعاكس، فقد اكتشفوا ماضيهم المتمرد وطوروا ثقافة سياسية حية والتي تشكلت من خلال أخطاء موسكو، وأهمها مجاعة هولدومور في الثلاثينات من القرن الماضي والتي اعترف بها البرلمان الأوكراني بشكل رسمي كإبادة ارتكبها ستالين في عام 2006. وفي شباط/فبراير من نفس العام كشفت دراسة أن نسبة 28% من الأوكرانيين اعتبروا أنفسهم روسيين، مع أن النسبة ارتفعت إلى 45% في المناطق ذات الغالبية الروسية.

وفشلت محاولات دمج روسيا مع الغرب، حيث ترددت موسكو بالانضمام لتحالفات الآخرين كعضو صغير، في وقت ضمنت لها ترسانتها النووية مقعدا على طاولة اللاعبين الكبار. والسبب الذي دفع بوتين لغزو أوكرانيا هذا العام وكيف كان يمكن منعه، أمران يقسمان الغرب الذي يعتقد أنه يعرف روسيا. ويتهم “الواقعيون” بقيادة هنري كيسنجر أمريكا أنها حشرت الكرملين في الزاوية عندما وسعت مجال الناتو. ويرى وزير الخارجية السابق كيسنجر والبالغ من العمر 99 عاما أنه كان من الأفضل لو ظلت أوكرانيا بسكانها الـ 44 مليونا ومساحتها الأكبر من فرنسا “محايدة” وحاجزا بين روسيا والغرب. وقال لصحيفة “وول ستريت جورنال”: “كنت أفضل استقلال أوكرانيا” و”لكنني اعتقدت أن أفضل دور لها هو مثل فنلندا”، وهي مفارقة بعدما أقنعت حكومة هليسنكي بالانضمام إلى الناتو.

والسؤال هنا، هل كانت “فنلندة أوكرانيا” كفيلة بوقف بوتين أم أنه وهو الذي قارن بين قمعه في الخارج والداخل كان سيجد مبررا لانتزاع جزء من الأراضي التي يعتبرها تابعة لروسيا التقليدية. ومهما كان الأمر فقد خلق الغرب أسوأ الأمرين، وأعلن الناتو في عام 2008 أن أوكرانيا تستطيع دخول الناتو، بشكل أغضب بوتين الذي هاجم قبل عام من هذا أمريكا بالمؤتمر الأمني بميونيخ قائلا إن الولايات المتحدة تفرض نظام القطب الواحد “سيد واحد وسيادة واحدة”. وبعد عقد من الزمان فجدول عضوية أوكرانيا في الناتو لم يتم التوافق عليه ولن يتم على الأرجح. وعانت أوكرانيا من الأمرين، فهي في نظر الكرملين دمية غربية، لكنها لم تتمتع بحماية الغرب، رغم الدعم العسكري الهائل، وحماية تضمنها مادة 5 من ميثاق الناتو “حرب على عضو حرب على الجميع”.

ولم يتم الحديث منذ بداية الغزو عن فشل السياسات الغربية، وتم التركيز عوضا من ذلك على تقدم الحرب ومقاومة الرئيس فولدومير زيلينسكي ووحشية الغزاة. ففي الوقت الذي يحاول فيه الروس السيطرة على دونباس شهدت القرم سلسلة غامضة من الانفجارات بهدف تشويش جهود الحرب الروسية وكإشارة أن الحرب في القرم وستنتهي في القرم حسب زيلينسكي. وبالنسبة لبوتين فضم القرم التي اعتبرها “أرضا مقدسة” يعد أكبر إنجازاته، وخسارته لها تعتبر تهديدا وجوديا لحكمه ومدعاة للتصعيد، وربما حربا نووية، مع أن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أكد ألا حاجة لهذه الأسلحة النووية. والتزم قادة الغرب بالصمت حول التعامل مع روسيا اليوم عندما ينتهي النزاع. وظل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استثناء في تناول الموضوع. وقالت السفيرة الفرنسية بموسكو في الفترة ما بين 2017- 2019 “لا يمكننا شطب روسيا عن الخريطة، فستظل موجودة” و”لن نعثر على حل من خلال عزل روسيا وبدون اتصالات”. واتهم ماكرون عندما طالب بعدم إهانة بوتين، بأنه يحاول ترضية حاكم الكرملين.

أما جو بايدن، فلم يحدد سياسة بلاده من روسيا منذ إعلانه في آذار/مارس عن “رحيل بوتين” حيث سارع البيت الأبيض للتوضيح أنها ليست دعوة لتغيير النظام. ويأمل صناع القرار في لندن وواشنطن أن يحل الأوكرانيون الأزمة عبر استعادتهم أراضيهم ورحيل بوتين يجر وراءه أذيال الخيبة من الكرملين.

وهذا تعلل بالأماني، فلا يواجه بوتين تهديدا من الأوليغارش المتذمرين ولا من السكان، ولم يظهر أثر العقوبات القاسية بعد. وقال روسي متقاعد معارض للحرب إن روسيا منقسمة بين الجيل الشاب المعارض للحرب وجيل الكبار الذي يتذكر الاتحاد السوفييتي ويميل لدعمها. وبالمحصلة فلن يختفي الانقسام شرق-غرب في السنوات المقبلة وحتى بعد رحيل بوتين. فقد اختفى في روسيا الإعجاب الساذج بكل ما هو غربي، الذي لاحظه الكاتب في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وتم تذكر تلك الفترة عندما كانت روسيا ضعيفة وتشهد الفوضى وتعرضت للطعن بالظهر حيث وجه الغرب الخنجر لها من خلف الأضواء.

وقامت شعبية بوتين منذ صعوده إلى السلطة بداية القرن الحالي على تحقيقه النظام والازدهار وعدائه للغرب. وستخرج روسيا من الحرب ضعيفة ومعزولة من هذه الحرب الكارثية، لكن على الغرب أن يجد طريقا للتعامل مع روسيا بعد بوتين، فلا يستطيع الغرب ترك روسيا غاضبة ويحوم ظلها على القارة الآسيوية- الأوروبية. ويجب على روسيا التغير مثل ألمانيا واليابان، وعليها القبول مثل بقية الإمبراطوريات السابقة بخروج مستعمراتها عن طوعها واستقلالها، وهذا يعني خلع روسيا العقلية الإمبريالية. وعليها تعلم تعريف عظمتها من خلال الإنجازات المحلية وليس على حساب جيرانها، وهي مهمة كبيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى