أخبار عاجلةمقالات

رسالتي إلى المقبــلين على الزواج (2)

ليلى غليون

إن تشييد البيوت ليس بالأمر الهين، وإن تجهيزها بكل متطلباتها يكاد يقصم الظهور خصوصًا في أيامنا هذه، حيث غلاء المعيشة والأوضاع الاقتصادية الصعبة وكثرة الاحتياجات التي دكت الأعصاب وأفرغت الجيوب، فكم يكد الشاب وكم ينفق وكم يحرق من أعصابه وصحته حتى يحقق حلمه في بناء بيت مصمم بأحدث التصميمات، ومؤثث بأحدث صرعات الموبيليا والديكور، ليكون هذا البيت حديث الناس والذي هو أشبه بالقصر بشكله وتصميمه لا ينقصه سوى ملكة تتربع على عرشه وتتسلم مقاليده.

إنها الزوجة ورفيقة العمر وأم الأولاد التي ستعمر البيت لتدب فيه حركة الحياة وتنثر فيه عبير المحبة وعطر الرحمة، اختارها زوجها دونًا عن باقي الفتيات، ورغب فيها زوجة وصاحبة وشريكة عمر، وقد تأمل فيها كل خير من أجل حياة زوجية سعيدة وناجحة.

فيا أيها الشاب الكريم، إذا كنت مقبلًا على الزواج أو كنت قد وضعت أول قدم على عتبة الزوجية أدعوك للاستماع إلى هذه الوصية: (ها هي الزوجة بين يديك، غاية إعداد السنين في كل عمرها من والدين محبين، زوجة جميلة مكتملة الصفات البدنية والعقلية والنفسية والعاطفية، في تفان صادق، ودون أدنى مقابل، فعروسك وما تملك، وما يقدرون هم عليه، سُلمت إليك هدية كالأمانة، أو أمانة كالهدية، لا يطمعون منك في غير إكرام مثواها، وقد حلت في دارك وانتقلت إلى جوارك)، صاحب هذه الهمسات الدافئة والنسائم الندية التي تداعب فؤاد كل زوج كريم لتجد لها عنده الصدى الطيب والأثر الفعال، هو الداعية الاسلامي محمد حسين، وهو من الدعاة الذين كتبوا مؤلفات عديدة عن موضوع العشرة الطيبة بين الرجل والمرأة. إنها وصية لكل شاب مقبل على الزواج، بل وصية لكل زوج كريم عرف حدود الله، ولم تأخذه العزة ولا الغرور ولا الأنانية بعيدًا عن معاني الرجولة الحقة، بل علم أن عروسه قد زُفت إليه وتركت بيت أبيها طمعًا في صحبة طيبة وعشرة بالمعروف، لقد تركت أعز أحبابها وأقربهم إلى قلبها لأجلك وحدك أيها الزوج الخير، لأنها وجدت فيك النصف الآخر الذي تكتمل به أنوثتها ويعينها على طاعة الله عز وجل، فكم من خاطب طرق بيت أبيها رغبة بخطبتها، وكم من أم تمنتها زوجة لابنها ولكنها رفضتهم جميعًا واختارتك أنت لإيمانها بسلامة اختيارها بأنك الرجل الذي لا ينقصه من شمائل الرجولة ناقصة، والذي سيحيطها بسياج الأمن والرعاية والخوف من الله.

والمروءة أيها الشاب تقتضي أن هذه العروس الغريبة التي تركت أهلها وجاءت إلى بيت لم تألفه، وإلى قرين لم يسبق لها به خلطة، جديرة بأن تُكرم حتى تزول وحشتها وتشعر أنها تنعم بجو مفعم بالحب والحنان والمؤانسة، وأن بيت الزوجية ليس قفصًا ولا سجنًا، وإنما هو واحة عامرة بالود والرفق والاحترام، فالرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه، والزوج الناجح هو الذي يمتلك قلب زوجته في الأيام الأولى لزواجه، الأمر الذي سيؤدي حتمًا إلى أن يمتلك هو قلبها، لأن الإحسان يقود إلى الإحسان (وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان) فلا تخيب آمالها ولا تعبث بمشاعرها، فهذا ليس من شيم الكرام ولا من شيم الرجال، والذي يبني رجولته على أنقاض مشاعر زوجته ليس فقط لئيمًا بل ضعيف هش يحاول إخفاء ضعفه تحت قناع رجولة مزيفة يجدها في مظاهر السيطرة والظلم بحق زوجته، أو يجدها صراخًا وعصبية ومرجلة على زوجته ظنًا منه أن هذا الاسلوب يجعل من زوجته تهابه وتعمل له ألف حساب مؤمنًا بذلك المثل الذي يقول: “اقطع رأس القط من أول العرس” وأساس هذا المثل أن عريسًا أراد أن يتمرجل في ليلة عرسه أمام عروسه، فأتى بقطة فقطع رأسها، فخافت العروس وجزعت أشد الجزع وأحست أنها لو خالفت أمر هذا الزوج ربما تعرضت لعقوبة مثل عقوبة القطة لذلك فقد انقادت لزوجها انقيادًا تامًا وأطاعته طاعة عمياء.

ونحن نطالب كل زوجة بطاعة زوجها ما دام ذلك في غير معصية، ولكن ليس بأسلوب القهر ولا الترهيب والتخويف، بل ببسط أجنحة المودة والرحمة وحسن العشرة واحترام الطرف الآخر، وتقديره وإشعاره أنه جزء لا يتجزأ منه، وإياك أيها الزوج أن تفهم القوامة في غير محلها أو أن تلبسها لباسًا لا يليق بها. نعم فأنت القوام وأنت رب البيت، ولكن هذا لا يعني عدم مشورتها والأخذ برأيها إن كان هو الأصوب والأصح، وهذا لا يعني عدم التحاور معها وإشراكها في القضايا الأسرية أو حتى الخارجية صغيرة كانت أم كبيرة، لأن هذا لا يمنحها ثقتها بنفسها فقط، ولا يمنحها دعمًا معنويًا فقط، بل يقوي من عرى العلاقة بينكما لإحساسها بمدى أهميتها عند زوجها الحريص أن تكون شريكة له في الرأي وربما القرار.

إن بداية الحياة الزوجية أيها الشاب المقبل على الزواج مرحلة خطيرة ولها آثارها الضخمة على حياة الزوجين المستقبلية، الأمر الذي يتوجب فهم كل منهما الآخر، وأن يخطو كل منهما خطوة إيجابية في الطريق العشرة بالمعروف والمحبة، وأن يروض كل منهما نفسه على هذه الحياة الجديدة.

فهذه المحبة لا تهبط عليكما هبوطًا ولا تنبع من تحت أرجلكما نبعًا، بل هي ثمار عشرة طيبة، ونتاج تقبل وفهم كلا الطرفين لبعضهما، ومحصول وفير من التنازل المتبادل في بعض الأحيان والمداراة في أحايين أخرى، وغض الطرف عن كثير من الزّلات والهفوات التي تستدعي المصلحة والحكمة التجاوز عنها من أجل إبقاء شمعة الحب مشتعلة في قلب الزوجين، وإنها لكارثة أن يعتبر الزوج تنازله لزوجته، إن لزم الأمر، قدحًا في رجولته، بل إنها المصيبة أن يرى في ترويضه لنفسه على الحياة الجديدة مسًا بكرامته، أو أن غضه الطرف عن هفوات زوجته والتجاوز عنها خدش لشخصيته، على اعتبار أن هذه الأمور من مسؤوليات زوجته وهي التي يجب أن تقوم بها. لا إنها مسؤولية كليهما وأمانة وحمل يتقاسمان على حفظه ورعايته، مما سيعينهما على بناء عشهما الزوجي على دعائم متينة من المحبة والحنان والاحترام مع مرور الأيام، وما أجمل ما قاله الدكتور حسان شمسي باشا في وصفه للسعادة الزوجية: “السعادة الزوجية أشبه بقرص من العسل تبنيه نحلتان، وكلما زاد الجهد فيه زادت حلاوة الشهد فيه”. بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما على خير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى