أخبار رئيسية إضافيةمقالات

دوامة الانتخابات الإسرائيلية وأزمة اللا استقرار المزمن

ساهر غزاوي

حل الحكومة الإسرائيلية والذهاب إلى انتخابات خامسة في غضون ثلاثة أعوام فقط، كان مسالة وقت لا أكثر، لأن من الصعب جدًا تخيل أن حكومة الإئتلاف الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينت (“متعددة الرؤوس” والمتباينة أيديولوجيًا وسياسيًا ولديها القليل من القواسم المشتركة) أن تستمر وتُكمل مدتها البالغة أربع سنوات، ولا حتى أن تتجاوز السنة الواحدة. هذه الحكومة الائتلافية ولدت في واقع سياسي مؤلم في ظل الرغبة الشديدة في الإطاحة بنتنياهو والتخلص منه، وولدت من رحم مشهد سياسي غير مستقر تطغى عليه الانقسامات والضعف والتشتت في التيارات السياسية الرئيسية في إسرائيل، هذا فضلًا أن الحياة السياسية الإسرائيلية هي من بين الأكثر انقسامًا في العالم وستستمر كذلك إلى أن تصل إلى مرحلة الانهيار الكلي في المستقبل المنظور.

يعكس حل الحكومة الإسرائيلية والذهاب إلى انتخابات خامسة منذ العام 2019، أزمة النظام السياسي وأزمة الصراعات الداخلية الذي عمل نتنياهو خلال 12 عامًا متواصلة من مدة حكمه- صاحب أطول مدة كرئيس حكومة إسرائيل- على تعزيز ثقافة الانتهازية السياسة اللاأخلاقية وتغذية الكراهية في خطابه السياسي، وهو من أسس لتفكك الدولة وفقدان قيم التنافس وعدم احترام الانتخابات ونتائجها وحصر الدولة في شخصه، وأسس لطغيان الأبعاد الشخصية على المصالح العامة. وفي إطار الحديث عن نتنياهو، فإن مركزيته في المشهد السياسي الإسرائيلي كانت حاضرة في سنة حكومة الإئتلاف الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينت، ولم يُقلل وجوده في المعارضة من مركزيته في الخطاب السياسي الذي كان له التأثير في الاستمرار بتعزيز ثقافة الانتهازية السياسة ونمو التطرف وحرب الزعامة.

في ظل تصاعد الأزمة السياسية في إسرائيل، هناك من لا يستطيع أن يخفي أن الدولة تمر بأيام صعبة نتيجة الفشل بالحفاظ على حكومة الإئتلاف مع حالة عدم اليقين حول إلى أين تتجه الأمور بشأن إمكانية تشكيل حكومة وحدة واسعة جديدة مستقرة. وهناك من أصبحت أسمى أمانيهم أن تصل إسرائيل إلى مرحلة الحفاظ على شرعية النظام المؤسسات الرسمية وتجنب الشلل السياسي، كما وصفه وزير الجيش الإسرائيلي الحالي بيني غانتس، فهل يُصلح العطار الإسرائيلي ما أُفسد في عهد نتنياهو الذي بات يُنظر إليه إسرائيليًا أنه ظاهرة كانت أسوء ما عرفتها الدولة منذ تأسيسها، نتيجة تأثيره السيء والسلبي على المشهد السياسي؟.

إن دوامة الانتخابات التي يشعلها نتنياهو بوجوده في الساحة السياسية وإصراره على العودة مجددًا لرئاسة الحكومة الإسرائيلية المقبلة، والتي تعكس أزمة النظام السياسي بشكل حاد، من شأنها أن يكون لها التأثير الكبير على المنظومة الاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي وسط تنامي حالة التحريض والاستقطاب وتوزيع الاتهامات، وهذه الأزمة لا تستطيع اخفاء حقيقة أن المجتمع الإسرائيلي مجتمع ممزق اجتماعيًا وثقافيًا وأيدولوجيًا، مع أهمية الإشارة إلى أن القاسم المشترك للائتلاف الحكومي برئاسة بينيت ولبيد الذي أعلن عن حله قبل أيام، كان كراهية نتنياهو فقط التي شكلت أداة سياسية رئيسية في بناء التحالف الحكومي استمر لمدة عام. وهذا ما دفع توقعات صحيفة “يديعوت أحرنوت” التشاؤمية لانتخابات الكنيست المقبلة أن تقول إن “إسرائيل أمام 4 أشهر وحشية ومثيرة للشقاق، فالأحزاب في كتلة بنيامين نتنياهو جائعة للحكم، والأحزاب في الائتلاف المنصرف ستقاتل على نصيبها في الحكم، وعليه فإن من له معدة ضعيفة فعليه أن يبتعد في هذه الفترة عن السياسة”.

من المهم الإشارة إليه بالمكان، أن انتخابات خامسة في غضون ثلاث سنوات التي تعكس عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل، كما ذُكر آنفا، فإن من شأنها أيضًا أن تخلق فوضى تضرب الاقتصاد الإسرائيلي وتخلق عبء اقتصادي هائل على جميع القطاعات الاقتصادية، فكلفة الانتخابات نفسها تقدر ما بين 2-3 مليارات شيكل، وذلك في ظل التحديات الاقتصادية العالمية والمحلية، وفي ظل ذروة الغلاء المعيشي وعدم إقرار الحكومة بعد رفع الحد الأدنى للأجور، الذي لا يزال في مستوى 5300 شيكل في الشهر، وهذا مبلغ يعتبر زهيدًا في ضوء موجة الغلاء الأخيرة.

في الختام، علينا أن لا ننسى أن إسرائيل التي تعيش اليوم واقع سياسي غير مستقر تطغى عليه الانقسامات الداخلية والضعف والتشتت في التيارات السياسية الرئيسية، فإنها دولة وظيفية اصطنعتها القوى الاستعمارية الغربية وأنشأتها للقيام بوظائف ومهام تترفع عن القيام بها مباشرة، هذا عدا أنها دولة دون إجماع، وتتجه إلى حالة عدم استقرار مزمن من شأنه أن يؤدي إلى الانهيار الكلي، فبحسب نظرية الفيلسوف الألماني جورج هيجل فإن “الانهيار يأتي نتيجة حدوث أزمة كبيرة وحالة فوضى الإرادات الفردية”، كما ونستطيع أن نضع المشهد الإسرائيلي السياسي غير المستقر، للأسباب التي ذُكرت آنفا، بحسب نظرية ابن خلدون “أطوار الدولة” في إطار “الطور الخامس” الذي يقول فيه: “تنهار الدولة سياسيًا واقتصاديًا نتيجة فقدان الوحدة السياسية والاجتماعية ويستولي عليها المرض المزمن الذي لا برء منه إلى أن تنقرض”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى