أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (120) لن نتوقّف حتى تتوقّفوا…!

حامد اغبارية

 

  1. ولكن لا تحبّون الناصحين:

أنا شخصيا من الّذين يؤمنون أن القائمة الموحدة ومِن خلفِها التنظيم الذي تمثّله في ملعب السياسة الإسرائيلية قد تجاوزوا منذ زمن طويل مرحلة إمكانية أن تؤثر بهم نصيحة أو يستجيبوا للطَّرْق على جدار ضمائرهم وهويتهم التي سحقتها السياسة الإسرائيلية التي استدرجتهم إلى مستنقعها. لقد فوّتوا- بعناد وإصرار عجيبين- كلَّ الفُرص التي أتيحت لهم. فوّتوها بإتقان مثير للقلق، وبمهارة تطرح ألف سؤال وسؤال؛ ليس فقط حول النّهج، وإنما أيضا حول الأشخاص الذين يقودون هذا النّهج!                وهذا الموقف ليس يأسًا من النصيحة ولا عزوفًا عنها، وإنما هي قراءة متأنية في سلوك هؤلاء الإخوة، ليس فقط من لحظة دخولهم في ائتلاف حكومي صهيوني قبل سنة، وإنما منذ لحظة دخولهم لعبة الكنيست قبل أكثر من ربع قرن. وملخّص هذه القراءة أنهم يؤمنون إيمانًا عميقًا بأن الطريق الذي ساروا فيه منذ 1996 هو الطّريق الأصوب، وأن هذا الخيار له سندٌ شرعي!! وهو سندٌ لو خضع للمناقشة الحقيقية لسقطت أدلته ومسوّغاته من أول جولة. وإلا فإنّ مسلسل الأحداث التي عشناها، على الأقل في السنة التي شاركوا فيها في ذلك الائتلاف، كان الواحد منها كافيًا كي يجعلهم “يكفرون” بهذا الطريق ويلعنون اللحظة التي قبلوا على أنفسهم أن يسقطوا في حضن الدّب. لكنهم بدلًا من ذلك دافعوا عن بقائهم وعن طريقهم وعن سلوكهم، وقدّموا كل ما يمكن من مبررات لإقناع جمهورهم بالاستمرار، ضاربين بعرض الحائط كل الأصوات الداخلية في تنظيمهم التي بدأت ترتفع في الآونة الأخيرة داعيةً إلى التوقف والانسحاب ليس فقط من الائتلاف، بل من مستنقع الكنيست برمّته.

ويبدو أن التنظيم الحاضن للموحدة سوف يواصل ذات الطريق، وأنّه لن يتخلّى عن السير فيه حتى آخر “قطرة دم”. وهذا ما كان عضو الكنيست منصور عباس قد أعلنه، حين قال إنه سيسعى إلى أن تشارك قائمته في أي ائتلاف قادم، أيّا كان الشخص الذي سيشكل الحكومة في الانتخابات التي ستُجرى غالبا في تشرين الأول القادم، بعد أن رفعت حكومة بينيت- لبيد يديها واستسلمت وقررت حلّ الكنيست.

ولقد قلنا قبل ذلك أكثر من مرّة إنّ الموحدة ومِن ورائها الجنوبية قد غرقوا في مستنقع السياسة الإسرائيلية حتى الأذنين ولم يعد في إمكانهم التراجع قيد أنملة، وفي التالي سوف يواصلون الغرق حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا. وقد استعرضنا كل الأسباب التي تجعلنا على قناعة بأنهم لن يتراجعوا، ولذلك لا حاجة لسردها هنا من جديد.

  1. الإنجازات صفر:

ولو أنك حاولت أن تستعرض في عجالة ما حدث في السنة الأخيرة من مشاركة الإسلامية الجنوبية في الائتلاف الحكومي الصهيوني فإنك ستجد أن الإنجازات التي يتحدثون عنها أو سيتحدثون عنها في حملة الانتخابات القادمة هي في الحقيقة لا شيء، صفر!! بل إنهم إلى جانب هذا الفشل الذريع ملأوا أفواههم ماءً ولم ينبسوا ببنتٍ شفة أمام كل الممارسات التي مارستها حكومتهم التي هم جزء منها.

– صمتوا صمت أهل القبور أمام أسوأ عملية تصعيد وأخطر اقتحامات ضد المسجد الأقصى المبارك الذي يقولون إنهم أكثر من خدمه ودافع عنه، وكأن السامع أطرش والرائي أعمى!!

– وصمتوا صمت أهل القبور أمام تكثيف الصلوات اليهودية في المسجد الأقصى المبارك، حتى بات الواحد منّا يكاد يقتنع أنهم يؤمنون بأن لليهود حقًّا في أولى القبلتين وثالث الحرمين.

– وصمتوا صمت أهل القبور أمام مسيرة الأعلام الاستفزازية التي نظمها سوائب المستوطنين بإشراف وتحت رعاية وحماية حكومتهم التي كانوا شركاء فيها.

– وصمتوا صمت أهل القبور أمام قتل عشرات الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، كان قسم منها عبارة عن عمليات إعدام ميدانية استفزت حتى بعض حلفاء تل أبيب من دول العالم، لكنها لم تستفز قيادات الموحدة ولا تنظيمها الراعي لسياساتها.

– وأمام أعينهم نُفذت عمليات هدم بيوت في الجليل والمثلث والنقب، ولم يرفّ لهم جفن.

– وأمام أعينهم قصفت غزة أكثر من مرة ولم تتحرك عضلة واحدة في وجوههم.

– وأمام أعينهم سجلت بيانات شرطة حكومتهم أكثر من 40 قتيلا في حوادث عنف في مجتمعنا منذ مطلع السنة، ولم يغضبوا حتى لتعرضّهم للخداع من قبل حكومتهم التي وعدتهم بخطط وميزانيات لاجتثاث العنف.

– وأمام أعينهم حوكم ويحاكم العشرات من أبناء مجتمعهم الذين اعتُقلوا على خلفية أحداث هبة الكرامة في أيام 2021، ولم يصدر عنهم حتى بيان شجب أو استنكار إعلامي أو مطالبة خجولة بالكفّ عن هذه الملاحقات.

– وأمام أعينهم جُرّفت أراضي النقب بهدف تحريجها. ويوم خرجوا بمقولة إنهم نجحوا في إيقافها وإذا بالواقع ينقض مقولتهم ويترك الملك عاريًا على الملأ.

وها نحن الآن أمام حقيقة واحدة: لا إنجازات ولا قرش واحد مما وُعِدوا به ووعَدوا به. ومع ذلك يصرّون على ذات الطريق. إزاء هذا كلّه من حقي كابن لهذا المجتمع أن أتساءل: ما الذي تخفيه الكواليس؟

  1. لن نسكُت:

كعادتهم، فإن السادرين في طريق الكنيست لا يسمعون إلا أنفسهم، ولذلك يثقل عليهم سماع أي صوت آخر يمكن أن يوقظ فيهم أو في بعضهم شيئا مما تبقى من ضمير، أو قُل لا يريدون سماع الحقيقة.

فها هو الشيخ محمد دهامشة- على سبيل المثال لا الحصر- وهو من قيادات الصف الأول في الجنوبية، تثقل على نفسه النصيحة التي وجهها الشيخ كمال خطيب إلى الموحدة قبل يومين، والتي دعاهم فيها إلى التوقف عن المراهنة على المشروع الصهيوني وإلى استغلال الفرصة التاريخية لمراجعة أنفسهم والخروج من هذا المستنقع.

وبدلا من قبول النصيحة والتأمل مليًّا في كل ما جاء فيها انبرى الشيخ دهامشة للشيخ كمال يتهمه بمهاجمة إخوانه في الموحدة، وبأنه كان شريكًا في القرار الذي اتخذته الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ عبدالله نمر درويش بخوض انتخابات الكنيست. ثم يتهمه بخدمة الشيوعيين والعلمانيين بأسلوب أقرب إلى السذاجة واستهبال القارئ منها إلى مقارعة الحجة بالحجة.

ثمّ يتساءل الشيخ دهامشة مخاطبا الشيخ كمال: ولكن لماذا تحرّض وتهاجم شيئا أنت صوّتّ عليه وصرّحت بقبوله والاستعداد لخوض معتركه.  وهذا كلام أقل ما يقال فيه إنه تدليس وتشويه للحقيقة. فالشيخ دهامشة يوحي بكلامه وكأن الشيخ كمال عندما شارك في التصويت في المؤتمر العام (الثالث) عام 1996، أدلى بصوته مؤيدا للمشاركة في الكنيست، وهذا لا علاقة له بالحقيقة. وإلا لو كان الأمر كذلك لما كان هناك داع لخوض معركة مؤتمرات الحركة من أجل تجاوز تالك الخطيئة التي أوصلت الصحوة الإسلامية في الداخل إلى حافة الهاوية. ولأن الإخوة في الجنوبية ليس في جعبتهم من “الحجج” إلا هذه، فإنهم يعودون في كلّ مرة إلى تفاصيل ما حدث عشية الانقسام عام 96 متذرعين بتصريح للشيخين رائد صلاح وكمال خطيب بقبولهما بنتائج التصويت التي كانت في الأصل لعبة حيكت خيوطها مسبقا وعن سبق إصرار، دون أن يلتفتوا إلى أن الشيخين أعلنا تلك الموافقة- رغم رفضهما الشخصي لخوض الانتخابات- حفاظا على وحدة الحركة يومها، والتزاما بالنظام الداخلي. ومنذ ذلك الوقت مرّ ربع قرن وأكثر جرت فيه مياه كثيرة اتضح خلالها من هو على بصيرة ومن هو الذي عصب عينيه بقطعة قماش سوداء حتى لا يرى الحقيقة ويمضي في الطريق المظلم. وهذا أمر أعتقد أن التفاعلات الميدانية والآثار العملية قد أثبتته بما لا يدع مجالا للشك.

ثمّ يقول الشيخ دهامشة مخاطبا الشيخ كمال: لو كنت ناصحا حقا فقد نصحت مرة ومرتين وثلاثا، وبعد ذلك يكفي أن تقول: اللهم قد بلغت اللهم فاشهد. وهذا من أعجب ما قرأت، وكأن النصيحة في ديننا تكون ثلاثا فقط، ثم تتوقف، وإلا فأنت محرّض!! فهل لهذه المقولة سند شرعي؟!!

إن النصيحة مسألة لا يجب أن يتوقف صاحبها حتى تملّ منه النصيحة، خاصة إذا رأى أن الذي ينصحه يغرق أمام عينيه، أفلا يمد له يده لينقذه؟ حقيقة الأمر أن الشيخ دهامشة ومن يتحدث باسمهم في الموحدة والجنوبية لا يريدون سماع النصيحة، بل يريدون من الأصوات التي ترفض طريقهم أن تسكت وتصمت إلى الأبد لأنها الوحيدة التي توقظ ضمائر الناس وتقول الحقّ، وهي الوحيدة التي تدعو إلى مقاطعة الانتخابات، فلا عجب أنهم يريدون من الناس أن يسكتوا!!

أما أكثر ما يثير الابتسام فهو هذه السذاجة في اتهام الشيخ كمال بأنه نسي المطبعين والدول التي تتقارب مع إسرائيل، وأنه نسي العلمانيين والشواذ والشيوعيين ودعاة الإلحاد والفساد ولم يجد إلا الموحدة.

وأما “الشتيمة” التي وجهها للشيخ كمال حين قال: أتقبل أن تكون شريكا لنتنياهو في هدفه الذي أعلنه وهو إسقاط منصور عباس فإنها تدل على أن كل شيء عندهم مباح ومُبرَّر، حتى التضليل، من أجل البقاء في جحر الضّبّ. تخيّل أن هناك من يصدّق هذا الكلام، حتى من جمهور الموحدة والجنوبية!! تخيّل أن الشيخ كمال خطيب شريكٌ لنتنياهو!! ما هذه السذاجة؟!!! ما هذا الاستخفاف؟؟!

إنهم لا يريدون أن يقتنعوا أن هناك من يفكر بطريقة أخرى، وأن أكثر من نصف أبناء مجتمع الداخل يؤمنون بطريق آخر غير طريق الكنيست. وللأسف فإن أسلوب الإخوة في الموحدة والجنوبية بات أقرب إلى الأسلوب التاريخي للحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي اعتاد- وما يزال- على اتهام المخالف بالخيانة والعمالة والتبعية للإمبريالية.

لن نسكت. ولن نتوقف لا عن توجيه النصيحة ولا عن كشف المستور ولا عن مناقشتكم ومناقشة غيركم، ولا عن بيان بطلان الطريق الذي تسيرون فيه ويسير فيه غيركم، لأن السكوت على جريمة المشاركة في الكنيست وفي الائتلافات الصهيونية جريمة!

  1. الكلمة للجمهور:

نقول ما نؤمن به، وندعو الناس إلى قبوله، وهذا حقّنا، بل هو واجبنا. أنا أدعو إلى مقاطعة انتخابات الكنيست، ولم أترك نقطة ولا فاصلة ولا علامة سؤال ولا علامة تعجب إلا وناقشتها بالتفصيل من أجل توعية الجمهور من أهلنا في الداخل بأن طريق الكنيست هو أخطر طريق سار فيه أبناء هذا المجتمع منذ نكبة 1948.

وإن ما شهدته الساحة السياسية من أحداث، في السنة الأخيرة على وجه التحديد، ليؤكد وبشكل نهائي أن تجربة الكنيست هي تجربة فاشلة، وإلا فماذا بعد المشاركة في ائتلاف حكومي صهيوني من وسيلة “لتحقيق مصالح الناس”؟!!! وهو يؤكد كذلك أن الأحزاب العربية التي شاركت والتي تشارك والتي ستشارك لاحقًا مارست وتمارس وستمارس أكبر عملية خداع للجمهور، فقط من أجل الوصول إلى الكنيست تحقيقا لأجنداتها الضيقة والفئوية، وأنه لا علاقة لما تقوله في حملاتها الانتخابية بمصلحة مجتمع الداخل. وحتى لو كانت صادقة في سعيها لمصلحة هذا المجتمع- وهي ليست كذلك- فإنها تعلم أن الكنيست هو آخر مكان على وجه الأرض يمكن أن تحقق هذه المصالح فيه.

لقد رأى الجمهور بأم عينيه أنه لا يمكن تحقيق مصلحة ولا إنجاز، مهما كان صغيرا، من خلال ممارسة السياسة في الملعب الإسرائيلي، كما تيقّن أن الأحزاب العربية ليست هناك من أجله هو، بل من أجل نفسها هي. ولذلك فإن على جمهور الداخل الفلسطيني أن يعيَ الدرس وأن ينسحب من وراء هذه الأحزاب وينفضَّ من حولها ويقرر عدم الانجرار من جديد وراء سراب الكنيست.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى