أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الفقيرُ، إنسان

وسام عمري- صندلة

يتقلب الفقيرُ والغنيُ في نِعَمِ الله صباح مساء، ولكن نِعَم الغني المادّية ظاهرة اكثر لأعين الناس- وعنها لنا مقال-. لا أعلم مَن الذي رسّخ في عقول الناس أن الغني افضل من الفقير؟! ربما يظن الناسُ أنّ الغنيّ غنيٌ بذكائه وان الفقير فقيرٌ لفشله! ولكن تدحض الحقيقةُ هذا الظن، والدليل أنّ الانبياء والفلاسفة والعلماء والعباقرة في الماضي او الحاضر ليسوا من الاغنياء في اقوامهم، بل كادحين فقراء الحال، وعانوا الأمرّين لجلب الخير لأقوامهم، والنهوض بهم الى مكارم الاخلاق ونحو المعالي.. والامثلة لا تُحصى في هذا المجال!
إذًا لماذا نبع هذا الاستنتاج المغلوط؟!

لأن القناعات عند الناس مغلوطة واصبحت مبنيّة على المادية الصماء، وأساؤوا فهم حكمة الرازق في توزيع نعمه على العباد، واساؤوا التعامل مع بحبوحة العيش والمال الوفير، حيث يتفاخر الواحد منهم ويتباهى، ويتوهم انه أوتي هذه النِعم بفضل علمه، وقوة قدرته، وفهلوته البارعة، فحاله كحال قارون: “قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي”. والحقيقة ان هذا دليل على سوء فكره وقصور نظره وانطماس بصيرته.

وحين يرى الناسُ- الذين يريدون زينة الحياة الدنيا- هذه النعم على الغني، تُثار في نفوسهم الغيرة والحسد ويقولون: “قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا يَٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِىَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍۢ”. ولكَ عزيزي القارئ أن تتخيّل مجتمعا هؤلاء افراده، وهذه مفاهيمهم في تعاطي الحياة!

هذه المادية الجشعة التي فرضت ذاتها على عقولهم فشتتت افكارهم ووضعتهم بين مطرقتها وسندانها، ليسوا وحدهم من سيقعون بين فكيها، فحينها ستكون طبقة غنية متعالية مسيطرة، وطبقة فقيرة كادحة حاقدة تحلم ان تكون من الطبقة الاولى! حياة تعيسة لا يُعرف بها اهل الفضل والكرامة من اهل الترف والمجون! ويكون التوقير والتعظيم مغلوط مزيّف حسب مصالح مادية شخصية ضيقة، ويشيع النفاق الاجتماعي بين الناس، وينعدم قول الحق والامر بالمعروف، لان توقير اهل الوقار والفضيلة أدعى إلى توقير علمِهم الذي يحملونه من حكمة وحلول للمجتمع وللناس، واما في ازدرائهم وإهانتهم وتقليل من شأنهم على حساب اهل المال والشهرة الزائفة ففي هذا خطر على المجتمع.

إن الفقر ليس بشتيمة وكما ان الغنى ليس بمفخرة، بل هي ابتلاءات واقدار وارزاق يوزعها اللهُ كيف وكما يشاء لحكمةٍ عنده، ولكن الشتيمة الحق، والضرر والأذيّة ان يصبح هذا الغني عديم الاحساس، فظًا، عُتُلاً، منغمسًا في الترف والاسراف فيصبح ملوّثًا بالمكاسب الخبيثة، وقلبه اشد قسوة من الحجارة.

فعلى سبيل المثال وليس الحصر، أن يقوم احدُهم باحتفال مُبتذل لعيد ميلاد ابنه في الروضة او المدرسة بشكل مثير للاشمئزاز حيث يتكلف على الزينة والهدايا مبلغ طائلة، ضاربا مشاعر واحاسيس زملاء ابنه الذين يستصعبون ايجاد ساندويشات لسد رمقهم من شدة العوز والفقر! قد يقول قائل انه حر ويريد ادخال السرور على قلب فلذَة كَبِدِهِ. لا يا أخي! هذا تعد فاضح على نفسيّة زملائه، وهذا اشد قسوة من التعدي الجسدي لأثره السلبي لأمدٍ طويل، فهناك الف طريقة يستطيع من خلالها إدخال السرور على قلب ابنه كما يشاء! ان مثل هذه الامثلة الجارية بالفعل، يجب ان تتوقف، لأنها ليست حرية شخصية بل تعديًا سافرًا واستعلاء على الفقراء! وآثارها النفسية سلبية على سلامة المجتمع.

وهذا يقودنا الى امثلة وتساؤلات عديدة: هل يرى هذا الغني أن اخاه الفقير إنسان؟ هل يطغى الانسان الغني ويحوّل غناه من نعمة الى نقمة؟ هل المشاعر الجيّاشة والاحاسيس المرهفة تقل عند الانسان مع زيادة ثروته؟ أيّهما اشد نقمة على الانسان والمجتمع: الفقر أم الغنى؟ كيف تسمح الدولة او النظام بوجود افراد يملكون اموالًا طائلة؟ هل من المعقول ان يملك مواطنا ثروة اكبر من ميزانية دولة بأكملها؟! هل من الايمان ان يبيت الانسان شبعانا وجاره جائعا؟! هل النظام الاقتصادي القائم اليوم خير أم شر؟! وأخيرًا هل فشلت البشرية بإيجاد نظام اقتصادي عادل؟! أم ما زالت تعاند؟! ندعو الناس لطرح هذه المواضيع على طاولة الحياة، وعلى المختصين للإجابة عن هذه التساؤلات بشكل موضوعي مهني منصف، لعلّ وعسى حفّز ذلك على تغيير هذا الجشع الذي نحياه، وأحب الانسانُ اخاه، وساد العدلُ والرخاء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى