أخبار رئيسية إضافيةمقالات

فشلتما في زواجكما.. فانجحا في طلاقكما

ليلى غليون

لن أتحدث عن موضوع الطلاق كظاهرة اجتماعية مستشرية ومستفحلة في المجتمع، فلطالما تحدثنا وتحدث العديد عن هذا الجانب وفاضت المطبوعات والمنابر بالحديث طرحًا وشرحًا ومعالجة لهذه الظاهرة المؤسفة المتزايدة باضطراد.

ولن أتحدث عن أسباب هذه الظاهرة المفزعة، لأنه أصبح أي سبب مهما كان سفيهًا، قادرًا على أن يقوض أركان العلاقة الزوجية وينسفها عن بكرة أبيها.

ولن أتحدث عن الطلاق بين المخطوبين بينهم عقد، فنسبة الطلاق المرعبة بينهم تشعل ألف ضوء أحمر على مدى الاستهتار بقدسية عقد الزوجية والعلاقة التي تربط بين المخطوبين.

نعم لن أتحدث عن هذا في هذا المقال وإن كان في القلب غصة على سوء الحال، ولكني سأتطرق لهذا الموضوع كأمر وقد وقع، كيف نواجهه ونتعامل معه، وماذا علينا أن نعمل لإنجاحه؟ وكيف نتخطى هذه المحطة بأقل الخسائر الممكنة.

فقبل أن تقررا وتقولا: وداعًا

قد تتعرض البنى الزوجية لهزات مختلفة، منها الخفيفة والتي تمر مر الكرام، ومنها العنيفة التي تجعل من البيت ميدان حرب فرسانه زوجان يتربصان ببعضهما البعض، وأصبحت المسافة بينهما آلاف الأميال والهوة سحيقة بينهما، وقد ألغى كل منهما الآخر ليصبح بالنسبة له مجموعة أصفار على الشمال، ليكون الحل للخروج من الأزمة والاختيار الأول هو الطلاق، ليصبح الطلاق في الغالب أول العلاج وأول الحلول وليس آخرها، فلا تكاد إشكالية هنا وإشكالية هناك تنشب بين الأزواج خصوصًا حديثي عهد بالزواج، حتى يبدؤوا بالتفكير بالطلاق دون صبر أو تريث أو إدراك لعواقب الأمور أو حتى دون وقفة صدق مع النفس وسؤالها ما الذي أوصلهم لهذه الحالة المستعصية.

وإني أتوجه لكل زوجة وزوج وضعا خيار الطلاق كحل أول لمشاكلهما، لأضع أمامهما إشارة “قف” قبل أن يقدما على هذه الخطوة، وأوجه إليهما هذه التساؤلات والتي أتمنى أن يجيبا عليها بصدق وأمانة:

– هل جاء القرار بالطلاق بعد دراسة متأنية بعيدًا عن الانفعالات والمشاعر السلبية؟

– هل جاء بعد فحص وتمحيص لكل التبعات والانعكاسات المستقبلية سواء عليكما أو على الأولاد على وجه الخصوص؟

– وقبل العزم على الطلاق هل قلبتما المشكلات التي واجهتكما أثناء سير حياتكما الزوجية، كيف نشبت؟ ما هي العوامل التي أدت لتفاقمها؟ كيف تعاملتما معها؟

– هل هذه الخطوة (الطلاق) هي فعلًا الحل المناسب أم هي رغبة من أحدكما أو كليكما للانتقام من الآخر؟

– هل فعلا بذلتما كل ما بوسعكما وقمتما بمحاولات للإصلاح، وحسبتما المخاسر والمكاسب بدقة وأين تكمن مصلحتكما ومصلحة الأبناء؟ هل هي فعلا بالطلاق أم أن هناك فسحة لإعادة النظر وأملًا لترميم وإصلاح ما تم هدمه؟

إنها أسئلة بحاجة لوقفة صدق والعد للألف قبل الإجابة عنها، لذا: قفا احسباها بدقة، ثم بعد ذلك قررا.

الطريق مسدود.. ولا حل إلا الطلاق

أمّا وقد وصل بكما الحال إلى طريق مسدود، وبالطبع بعد تفكير وتقليب للأمور بأمانة ودقة وموضوعية، وأصبح الوضع لا يحتمل سوى خيار واحد هو الطلاق، فتناولا هذا الخيار بعقلانية ووعي وإدراك، لذا أضع بعض اللفتات أمام كلا الزوجين عسى أن يعبرا هذه المرحلة بسلام.

ليس من المروءة

عادة وعندما يشرع الزوجان بإجراءات الطلاق، يبدآن بتراشق التهم وفضح أسرارهما الزوجية وتحميل كل طرف منهما الآخر فشل مسيرة الحياة بينهما، لا بل أحيانًا يختلقان تهمًا وهمية لتعزيز موقفهما المعادي للآخر، فكما أن الزواج حقوق وواجبات ورحمة، فكذا الطلاق أيضا حقوق وواجبات ورحمة تراعى فيه الحرمات والعشرة التي كانت يومًا ما بينهما، فهذه المرأة كانت قبل زمن قصير لباسًا وسترًا لهذا الرجل، وهذا الرجل كان بالأمس القريب سترًا ولباسًا لها، فلماذا إذا وقع الطلاق بينهما انكشف المستور وأخذ كل منهما بنشر غسيل الآخر على الملأ.

وقد سئل أحد الصالحين وقد كان ينوي تطليق زوجته: لماذا تطلقها؟ فأجاب: ليس من المروءة أن يكشف الرجل سر امرأته. وعندما طلقها سئل نفس السؤال فأجاب: مالي وامرأة غيري.

إنها المروءة والرجولة الحقة أبت على هذا الكريم أن يهتك الستر الذي أحاط الله تعالى به البيوت مهما كانت الظروف والأجواء.

فليس من المروءة أيها الزوج أن تقول: كانت امرأتي كذا وكذا، وتنعتها بأقبح الصفات، كما إنه ليس من الإحسان أيتها الزوجة أن تقولي: كان زوجي كذا وكذا وترميه في مستنقع المذمات، فهذه وسيلة الضعفاء المفلسين.

إنهم أبناء وليسوا أداة انتقام

مرحلة الطلاق بلا شك حرجة لكلا الطرفين خصوصًا الزوجة، والتي تكون في ظروف نفسية سيئة، ولأن الأبناء غالبًا ما يكونون في حضانتها، فنجدها تعمل جاهدة لتشويه صورة والدهم في أذهانهم وهي بذلك تظن أنها تكسب مواقفهم ومحبتهم، لتبعدهم عن أبيهم انتقامًا منه بحرمانه من رؤيتهم، وهي لا تدري بأنها تنتقم من نفسها وحتى منهم، لأنها تنشئهم على الكراهية وعقوق الوالدين والذي ربما سيصيبها هذا السهم يومًا في مقتل، وقد تعمل على تشويه صورة عائلة والدهم من أجداد وأعمام وعمات، فينشأ الأبناء وهم يحملون كراهية والدهم وكراهية كل العائلة، فتساهم بذلك بقطع كل صلة بينهم وبينها في الوقت الذين هم بحاجة لتقوية الروابط مع أسرة أبيهم ومع أقاربهم ومع أسرتهم الممتدة لأنهم جزء لا يتجزأ منها شاءت أم أبت.

وقد يكون بطل الانتقام الزوج، فيحرض الأبناء على أمهم ويزرع كراهيتها في قلوبهم، بل وأحيانًا يمنعها من رؤيتهم، أو يتحايل على القانون والشرع لينزع حضانتهم منها وذلك انتقامًا وإصرارًا منه لحرق قلبها ومشاعرها.

لا أيها الزوج، لا أيتها الزوجة، إنهم الأبناء فلذات الأكباد، وما حصل لكما من فراق ليس لهم فيه ذنب، فان انفصلت عن زوجتك فلا يعني انفصالهم عنها، وإن فارقت زوجك فلا يعني فراقهم عنه، اجعلوهم طرفًا محايدًا ولا تجعلوهم طرف نزاع.

عندما يغيب الوازع الديني

في ظل استفحال الأنا، ومع غياب الوازع الديني فإن الطلاق في هذه الأيام على الأغلب يحمل من الظلم الشيء الكثير، فالزوجة وقبل أن تنسحب من الحياة الزوجية تريد الانتقام من الزوج بأي وسيلة، فترفع قضيتها لمحكمة مدنية وليس شرعية ويدافع عنها محام يجتهد للحصول على أكبر المكاسب ولو لم تكن من حقها، والزوج من جانبه يعلم علم اليقين استحالة الحياة مع الزوجة ولا يوجد خيار إلا الطلاق، ومع هذا يرفض تسريحها بالمعروف ليس لأنه متمسك بعشرتها، بل ليتحايل على الشرع والقانون مدعيًا أنه يحبها ولا يريد تطليقها، وفي نفس الوقت يذيقها الويلات ويتفنن في إيذائها ليجعلها تطالب هي بالطلاق وليس هو ليتهرب من المهر المؤجل، مما يدفعها مكرهة لتتنازل عن حقوقها مقابل حريتها وخلاصها، وبذلك يعفي نفسه من المهر لتعود المسكينة لبيت أبيها وقد خسرت كل شيء.

فلتكن تقوى الله هي الحكم الفصل بينكما، والموجه لسلوكياتكما في هذه المرحلة المصيرية وليتق كل واحد منهما الله في من كان يومًا نصفه الآخر، فلا يظلمه ولا يتعدى على حقوقه وهو يعلم، واضعًا نصب عينيه أن الله يراقبه ومطلع عليه، فالطلاق محطة علاج ورحمة، وما شرع ليكون مسرحًا للقتال والتنازع.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى