أخبار رئيسية إضافيةدين ودنيامقالاتومضات

إلى الباحثات عن الجمال..

ليلى غليون

الحياء هو الحياة هو الروح التي لا قيمة للمرء بدونها، هو العمود الفقري الذي يهب النفس وزنًا ثقيلًا لما يبثه فيها من قيم عظمى، هو المنبت الخصب للأخلاقيات السامية ودرب كل فضيلة ومنبع كل خير، بل هو الخير كله كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم: “الحياء خير كله” من اتصف به كانت عنده شعبة من شعب الإيمان لأنه خلق الإسلام كما قال صلى الله عليه وسلم “إن لكل دين خلقًا وخلق الإسلام الحياء”.

والحياء طريق إلى كل طاعة واجتناب كل معصية، وهو ماء الوجه الذي يتدفق بالخير والفضيلة، كما هو الدليل الصادق لما يتمتع به الانسان من أدب وإيمان، وقد ضرب لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بأقواله وأفعاله وسكناته أروع الأمثلة وأعلاها في هذا الخلق، وليس أدل على ذلك من قول الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها فاذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه”، وما أجمل قول الشاعر وهو يصف من فقد هذه القيمة العظيمة فجف ماء وجهه وتمزق عنه ثوب حيائه إذ يقول:

إذا لم تخش عاقبة الليالي   ولم تستح فافعل ما تشاء

فلا والله ما في العيش خير   ولا الدنيا اذا ذهب الحياء

يعيش المرء ما استحيى بخير   ويبقى العود ما بقي اللحاء

فعندما يفقد الإنسان حياءه فانه يصبح قليل المروءة هزيل الايمان، مصاب بفقر في الأخلاق لا يتوانى عن فعل المنكرات ولا يخجل من فعل الشر، لا بل وربما يتباهى به أمام الناس ويجاهر به بلا وازع من ضمير، فيبغضه الله تعالى ويبغضه الناس ويتحقق فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا أبغض الله عبدًا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا بغيضًا مبغضًا”.

ولما كان الحياء زينة النفس وزيها الخلاب، فإنه يندرج ضمن ثلاثة أقسام، الحياء من الله تعالى وذلك بالامتثال لأوامره واجتناب معاصيه، والحياء من الناس وذلك بالكف عن ايذائهم وحفظ حقوقهم ورعاية حرماتهم، والحياء من النفس بأن يجعل الإنسان حياءه رقيبًا عليه في كل أعماله في السر والعلن وبذلك تكون نفسه الحيية قد اكتملت بصفات الخير الحميدة وتزينت بأجمل زينة مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: “ما كان الفحش في شيء قط الا شانه، ولا كان الحياء في شيء قط الا زانه”.

وقد ورث الجيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مكارم الأخلاق عنه وكانوا أشد الناس حياء حتى أن الملائكة كانت تستحي من بعضهم، فهذا عثمان رضي الله عنه يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة”، ولنا مع ابنة شعيب عليه السلام وقفة رائعة يتجلى من خلالها خلق الحياء بأبهى صورة في نفس هذه الفتاة وذلك في مشهد تصويري رائع بثته آية كريمة في كتاب الله، نستقي منه الدروس والعبر على مر الزمان يقول تعالى: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء).

نعم.. هكذا كانت مشيتها على استحياء بلا تبرج، بلا تغنج بلا ابتذال عندما جاءت إلى نبي الله موسى عليه السلام تبلغه دعوة أبيها: (إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا)، هكذا بخطاب مختصر وقصير لا خضوع فيه، وذلك من ثمرة فطرتها السليمة النظيفة المبنية على أسس الحياء الذي تزينت به، وهكذا يجب ان تكون أخلاقيات الفتاة المسلمة، وهكذا يجب أن تكون سلوكياتها وهكذا يجب ان تكون صورتها مشرقة مضيئة يزينها حياؤها ولا ترضى بغير الحياء زينة، فلا مساحيق تجميل تحمل ماركات عالمية تستهويها، ولا أزياء صممت في باريس ولندن وتل أبيب تثير اهتمامها، ولا أنواع عطور أو صبغات شعر تلفت نظرها، لأنها تدرك أنها تملك في ذاتها أعظم من كل هذا التزييف والتشويه، أنها تملك نفسًا حيية، ومن ملكت نفسًا حيية فقد ملكت الجمال كله وبيدها مفاتيح الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.

وإنني إذ أتوجه إلى فتاتي الحبيبة في هذه العجالة بصورة خاصة وتحديدًا لطالبتي العزيزة (والكلام موجه لك أيضا أيها الشاب والطالب الكريم) التي أكن لها كل التقدير والمحبة لأقول لها: “إن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وأنت ملزمة بأداء هذا الفرض حتى تساهمي في نهضة أمتك بعلمك الذي يزينه خلقك الإسلامي وحياؤك الذي يضفي على وجنتيك حمرة وردية خسئت كل مساحيق التجميل أن تأتي بمثلها.

وهذا لأنك أنت الأمل وأنت المستقبل التي نتطلع لنرسم من علمها وأخلاقها وحيائها لوحة جميلة لغد مشرق مضيء بحزمة من نور أنت خيط بل خيوط في هذه الحزمة، لأنك الفتاة التي نعتز بها، وتذكري أن حسن الخلق والحياء صفتان متلازمتان تحمليهما في ذاتك قبل أن تحملي حقيبة المدرسة على كاهلك، وأنك فتاة تفتخر بلباسها الشرعي فلا صرخات (موضة) تجد صدى في نفسك، لأنك تملكين شخصية مميزة لها سمتها وأصالتها ترفض أن تكون إمعة تجري وراء كل ناعق، بل تنأى بنفسها عن كل الأفعال التي يعاب على صاحبتها، وما أكثرها في هذه الأيام كلبس الضيق والشفاف والمعاكسات والصداقات التي يزعم أنها بريئة وغيرها من المشاهد المؤلمة الكثيرة التي تمزق ثوب الحياء وتشوه صورته. واحذري من صاحبات السوء ممن لا يراعين قيمًا ولا تقاليد ولا أعرافًا وصوني نفسك من الانجراف بتيارهن الجارف وكوني ممن قال عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “استحيوا من الله حق الحياء”، الأمر الذي سيؤدي بك حتما إلى ترك كل قبيح ويمنعك من التقصير في حق ذي الحق والامتناع عن فعل ما يعاب.

اعلمي أن نفسًا لا تملك الحياء، لا تملك ما يردعها عن المعاصي وأن حياة الوجه بحيائه كما أن حياة الغرس بمائه، فاحفظي حياءك الذي هو تاج زينتك والذي هو أصدق دليل على إيمانك وصلتك بالله عز وجل.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى