أخبار رئيسية إضافيةمقالات

“نبش الذاكرة”.. وقفات مع كتاب الشيخ كمال خطيب

ساهر غزاوي

بعد قراءتي لكتاب فضيلة الشيخ كمال خطيب “نبش الذاكرة سيرة داعية ومسيرة دعوة”، لا أبالغ إن قلت إن هذا الكتاب صدر في الوقت المناسب وفي مرحلة من أدق وأخطر المراحل، مرحلة التردي السياسي والقيمي والأخلاقي التي نعيشها في أيامنا هذه، وذلك لما يمكننا أن نستلهمه من هذا الكتاب من دروس وعبر وعظات ونستمده من المواقف المشرفة والمضيئة التي سطّرت في هذا الكتاب الصبر والعزيمة والإيمان بما يعيننا في الثبات على الثوابت إلى أن يشاء الله ويغير حالنا من حال إلى أفضل حال، خاصّة وأن المؤلف شخصية قيادية لها وزنها الكبير يتحدث عن سيرته الذاتية ومسيرته الدعوية، التي كانت وما زالت وستبقى، لها البصمات الواضحة في المجال الإصلاحي والفكري على المستوى الديني والدعوي والسياسي والاجتماعي والتربوي. وحتى في المجال الأسري أيضًا الذي لم يخلُ هذا الكتاب من التطرق إلى بعض جوانبه عندما كان يقف الشيخ كمال بين كل مرحلة ومرحلة يسرد فيها الأحداث والمواقف التي عايشها والتي كان أحيانا من صنّاع تاريخها، يقف في استراحة قصيرة يريح قلمه قليلًا ليطلعنا على لقطات من مشاهد حياته الخاصة فيما يتعلق بأسرته الصغيرة وعائلته الكبيرة في مناسبات أفراح وأحزان مختلفة ولقطات أخرى من مشاهد عايشها مع رفاق دربه في مسيرة العمل الإسلامي ومسيرة شعبنا الفلسطيني في الداخل طوال 42 عاما، كما ولم يفت الشيخ كمال أن يذكر في كتابه مواقف للعديد من أبناء شعبنا المسيحيين.

صدر هذا الكتاب في الوقت المناسب لأننا في مرحلة نحتاج فيها كثيرًا إلى المكاشفة والمصارحة على قاعدة النقد الذاتي المسؤول، إن كان ذلك على مستوى المشروع الإسلامي وعلى مسيرة الصحوة الإسلامية في البلاد، وأيضًا على مستوى العمل السياسي العربي في الداخل الفلسطيني عامة، الذي تراجع كثيرًا وأصبح سقف مطالبه محدودًا ومصحوبًا بتخوف من كل نشاط سياسي بسبب التحريض والتضييق وتحجيم المطالب السياسية والوطنية والدينية، وشلّ إمكانية تحرك العمل السياسي وتأثيره في المجتمع، لا سيًما بعد حظر الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح في العام 2015، ويخصص مؤلف الكتاب لهذا الحظر فصلًا كاملًا للحديث عن أهم التفاصيل والأحداث والمواقف التي رافقت الحظر الإسرائيلي الظالم وما بعده.

يُطلعنا كتاب “نبش الذاكرة سيرة داعية ومسيرة دعوة” في فصوله الـ 12 وصفحاته الـ 460 على الكثير من تفاصيل مرحلة وحقبة تاريخية مهمة من تاريخ المشروع الإسلامي وما حصل في العام 1996 من انقسام الحركة الإسلامية الذي كان له الأثر الكبير على مسيرة الصحوة الإسلامية في البلاد والتي ما زلنا نعاني منها إلى اليوم، وذلك في الفصل الخامس تحت عنوان: بداية العاصفة، انقسام أم تصحيح مسار؟، لا سيّما وأن هذه التفاصيل المُوثقة تأتي أهميتها من أهمية الكاتب نفسه وهو الشيخ كمال خطيب أحد أبرز مؤسسي الحركة الإسلامية في البلاد وأحد قادتها الكبار وصاحب البصمات الواضحة على معالم طريق الحركة الإسلامية التي اختارت طريقًا غير طريق الجناح الذي قاده المرحوم الشيخ عبد الله نمر درويش في ذلك الوقت، والتي رفضت الاندماج في اللعبة الإسرائيلية المتمثلة بالكنيست الصهيوني والمشاريع الإسرائيلية الأخرى.

في محطات ومواقف كثيرة يلتقي الشيخ كمال خطيب في كتابه “نبش الذاكرة سيرة داعية ومسيرة دعوة” مع كتاب الشيخ رائد صلاح “إضاءات على حظر الحركة الإسلامية إسرائيليا”، والكتابان مكملان لبعضهما البعض ويستطيع القارئ والباحث المهتم أن يرسم صورة لمعالم مرحلة تاريخية هامة جدًا من تاريخ مسيرة العمل الإسلامي ومسيرة مجتمعنا الفلسطيني في الداخل، غير أن الشيخ كمال يعرض لنا جانبا من المشاهد والمواقف من زوايا مختلفة، وفي مواضع معينة يتوسع كثيرا في التفاصيل ويسرد المعلومات ويرفق الوثائق والبيانات، كما ظهر ذلك في حديثه عن انقسام الحركة الإسلامية في العام 1996 وما قبلها وما بعدها. بيدَ أنه يمكن اعتبار الكتابيّن معًا، من الوثائق التاريخية الهامة لدارسة تاريخ الحركة الإسلامية في الـ 48.

إن نبش الشيخ كمال خطيب للذاكرة في حديثه عن انقسام الحركة الإسلامية في العام 1996 مهم جدًا ويجذب القارئ والمهتم كثيرًا، كما ويجيب عن أسئلة طالما لم يجد لها الناس وخاصة أبناء المشروع الإسلامي الجواب، لا أقول الجيل الجديد فقط، بل أيضًا هناك جيل عاصر تلك الحقبة ولا يعرف إلا القليل من هذه التفاصيل التي أوردها الشيخ كمال في كتابه حول هذا الموضوع تحديدًا، لكن هذا كله لا يقل أهمية عن سرد المؤلف لسيرته في مرحلة الطفولة والشباب حتى انهاء دراسته الجامعية في كلية الشريعة في جامعة الخليل وما بعدها من محطات، فالقارئ يستطيع أن يتعرف على تفاصيل كثيرة عن التدين في تلك الفترات والحالة الاجتماعية والاقتصادية التي تختلف كليا عن ظروف حياتنا وتفاصيلها في هذه الأيام، وخاصة في الفصل الأول تحت عنوان (ملامح من قريتي في طفولتي) و (تحت حراب الحكم العسكري).

أخيرًا، وبعد الإشارة إلى أن الشيخ كمال خطيب سرد في كتابه المعلومات وعرضها بدقة وأمانة وموضوعية وعمل على تحليلها وأبدى موقفه منها، لا يمكننا أن نغفل عن قضية المسجد الأقصى المبارك، حيث يفتح كتاب “نبش الذاكرة” للقارئ والباحث الكثير من الأبواب والنوافذ التي تطل على حقيقة إحياء هذه القضية والتي حملت الحركة الإسلامية (المحظورة) أمانتها وسخرت لها كل جهودها على مدار أكثر من 20 سنة في تعزيز مفاهيم الرباط والاعتكاف وشدّ الرحال، وجعلت من هذه القضية المقدسة القضية الأولى على الصعيد الإسلامي العروبي الفلسطيني، وجعلتها تتربع على عرش قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويكفينا أن نقرأ ما أورده الشيخ كمال خطيب في كتابه صفحة 236 تحت عنوان (هكذا يعشقون القدس).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى