أخبار رئيسيةمقالاتومضات

معركة الوعي (115) أكثر من كلمة في الزميلة شيرين أبو عاقلة

حامد اغبارية

 تعجز الكلمات أمام مشهد اغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة، مراسلة شبكة “الجزيرة”، تلك الصحافية الفلسطينية الشجاعة التي اغتالها جنود الاحتلال عن سبق إصرار صباح أول من أمس الأربعاء أثناء أداء واجبها المهني في تغطية جريمة اجتياح قوات الاحتلال لمخيم جنين.

تعجز الكلمات عن وصف المشاعر أمام هذا الحدث الجلل الذي أنهت فيه رصاصة غادرة ما يزيد عن ربع قرن من العمل الصحافي الذي تميزت به الزميلة الراحلة أثناء تغطيتها الميدانية للأحداث من المواقع الساخنة في القدس والأقصى وفي الضفة الغربية وفي قطاع غزة وفي الداخل الفلسطيني، وفي مواقع مختلفة خارج الوطن الفلسطيني كذلك.

تعجز الكلمات أمام لحظة فقدان صحافية متميزة، تحمل صفات إنسانية متناهية في فلسطينيتها، اقتحمت بميكرفونها وكاميراتها وصوتها الهادئ المعبر مواقع التوتر بشجاعة متناهية، دون خوف، وبإقدام قلما تجد له مثيلا أو شبيها.

أمام مشهد الإعدام الميداني في محاولة يائسة بائسة لقتل الحقيقة وإخفاء معالم الجريمة يثور في صدرك بركان غضب يتفجر في وجوه شائهة تقتل كما تتنفس، دون تمييز بين مدني أو إعلامي أو طفل أو شيخ أو امرأة. بركان غضب يرافقه حزن عميق لفقدان زميلة ربما لم يتسن لي معرفتها عن قرب بقدر ما عرفناها من خلال أدائها الإعلامي الذي قلما تمكن منه كثيرون.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يرتكب فيها الاحتلال جريمة اغتيال الصحافيين أثناء أدائهم واجبهم في نقل الحقيقة، فسجلُّ الاحتلال حافل بصفحات سوداء من استهداف عشرات الصحافيين عبر سنوات الاحتلال المظلمة. ويكاد كل موقع وكل موطئ قدم في الوطن الفلسطيني يشهد على جرائم الاحتلال ضد ناقلي الحقيقة من إعلاميين وصحافيين، سواء بالاغتيال أو الاعتقال أو الاعتداء بالضرب المبرح.

فما الذي يدفع الاحتلال إلى إعدام الصحافيين واستهدافهم؟ ليس هناك سبب إلا أنه يريد إخفاء حقيقة ما يرتكبه من جرائم قبيحة على الأرض. رأينا ذلك في القدس المحتلة، وفي المسجد الأقصى، في باحاته، وفي باب العمود وفي باب الأسباط، وفي شارع صلاح الدين وفي حواري البلدة القديمة وفي سلوان ووادي الجوز، وفي نابلس وجنين ورام الله والخليل وطولكرم وقلقيلية وفي قطاع غزة، كما رأيناه في أحداث كثيرة في الداخل، خاصة منذ أحداث هبة القدس والأقصى عام 2000. وكنت شخصيا من الذين تعرضوا لاعتداء قوات الأمن الإسرائيلية أكثر من مرة أثناء تغطية الأحداث.

إن رعب الاحتلال من كشف حقيقة ما يرتكبه من جرائم، وسعيه المحموم إلى اتهام الضحية وإلقاء التهم على الآخرين هو سلوك أشبه ما يكون بالمرض المزمن الذي لا علاج له، وهو مرض خطير قاتل؛ يقتل الناس ويغتالهم ويعدمهم ميدانيا، ظنا منه أنه بذلك يمكن له أن يخفي الحقيقة، وهو- لحماقته- لا يدري أنه كلما أوغل في القتل والإعدام الميداني للصحافيين هكذا تنكشف حقيقته أمام الرأي العام.

إن حرية الصحافة مسألة لا نقاش فيها. إلا أننا نعيش في عالم يزعم أنه يدعم الحقوق الإنسانية ويدعم الحريات، بينما تعمل قوى الشر والظلام والقهر والاحتلال، وفي مقدمتها الاحتلال الإسرائيلي والاحتلال الأمريكي والروسي وسائر الاحتلالات حول العالم، تمارس القمع والقتل ضد حرية الرأي وحرية الصحافة جهارا نهارا، دون رقيب أو حسيب.

لذلك فإن المطلوب الآن العمل على وقف استهداف الصحافيين وتوفير أقصى ما يمكن من الحماية لهم، ثم معاقبة المجرمين الذين اغتالوا الزميلة شيرين أبو عاقلة وتحقيق القصاص العادل من الذين أقدموا على هذه الجريمة النكراء، سواء المستوى السياسي في الحكومة الإسرائيلية وعلى رأسه نفتالي بينيت، أو على مستوى القيادة العسكرية الإسرائيلية وعلى رأسها وزير الحرب بيني جانتس ورئيس الأركان والقيادة الميدانية، وكل محرض دموي على قتل الصحافيين أمثال بن جفير وأشباهه من سوائب المستوطنين.

إننا اليوم شهود على حالة غير مسبوقة من العهر العالمي المنافق الذي يكيل بمكيالين، خاصة وتحديدا عندما يكون الأمر متعلقا بالفلسطيني أو العربي أو المسلم. وفي كل يوم تطلع عليه الشمس لنا شاهد على هذه الحقيقة التي باتت أشبه ما تكون بالنظرية العلمية الثابتة.

عزائي لأسرة الزميلة شيرين أبو عاقلة في الوطن الفلسطيني ولأسرتها الإعلامية في شبكة الجزيرة، سائلا الله العلي القدير أن يقتص لها من القتلة وممن أرسلوهم، وما ذلك على الله بعزيز. إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى