أخبار رئيسية إضافيةمقالاتومضات

قراءة في القرارات الإسرائيلية

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

أصدرت الحكومة الإسرائيلية بعد عملية تل ابيب سلسلة من الإجراءات المُعادية لشعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده وهذه القرارات طالت الشعب الفلسطيني سواء على المستوى المعيشي أو الأمن الشخصي والمجتمعي، وتحول وزير الدفاع للحظات إلى “البطل” الذي سيخرج “إسرائيل” من تيهها الذي تعيش فيه ومن “الفخ” الذي وقعت فيه ولا تزال منذ احتلالها الضفة الغربية والقدس والقطاع، وذهبت قطعان المستوطنين من الموتورين المهتمين ببقرتهم وبناء هيكلهم الثالث للإعلان عن العزم على رش الدماء في يوم عيدهم في ساحات المسجد الأقصى، بل ويشعر كل مصل داخل إلى المسجد الأقصى إلى الاحتقان والحقد الصادر من أعين الشرطة الاحتلالية المتمرسة عند بوابات المسجد الأقصى، ويزداد ألم المصلي والصائم يوم يسائله ويحقق معه ويسخر منه ويتعامل معه بفظاظة على بوابات المسجد عربي يتكلم العربية.

لن تكون إسرائيل بِدعًا من الدول الاستعمارية. وكل استعمار مهما طال زمنه وملك من القوة والجبروت سيرحل والاحتلال الإسرائيلي باتت ساعة الرمل في الأراضي المحتلة تعمل بسرعة غير اعتيادية، وقد سقطت نظرية المؤسسين القائلة الأجداد سيموتون والاحفاد سينسون، واذا كان جابوتنسكي من أول المنظرين الصهاينة الذين توقعوا صراعًا مريرًا على هذه الأرض وطرح نظريته المعروفة بالجدار الحديدي المؤسسة على منطق القوة الذي بفضله وفقط بفضله يمكن للصهيونية ووليدتها الحياة على هذه الأرض، رغم انف أصحابها بعدئذ زعم انهم أي الصهاينة جاؤوا ليعمروا أرض الأجداد وإعادة التاريخ مبشرًا بجداره الحديدي بنهاية التاريخ “اليهودي” في الشتات وبعدئذ تولى من يؤمن بالرؤية الجابوتنسكية أمر هذه الدولة منذ أكثر من خمسة عقود، فها نحن أمام حقيقة أساس تقول إن نظرية جابوتنسكي تتلاشى شيئًا فشيئًا وإن ما تفرع عنها من نظريات السلام الاقتصادي وإدارة الصراع واخيرًا تقليص الصراع، إن هي إلا اضغاث أحلام يصفعها واقع مُعاش بيانه أنّ الشعب الفلسطيني حيٌ ويملك إرادة وعزيمة وإن تواطأت بعض رموزه وقياداته واستسلمت للواقع وارتهنت الى مخرجاته، وأن استبشرت إسرائيل “الاحتلالية” خيرا بالتطبيع “المستجد” كجسر لتعزيز هيمنتها على الشعب الفلسطيني، فما زالت مفاعيل الاستعداد وقيم المزايلة تتفاعل في الشعب الفلسطيني وهما كفيلان بتصديع وتشقق جدران العزل المادية والحضارية- المدنية التي يقوم بها الاحتلال.

كافة التحليلات الإسرائيلية وما يرشح عن محللين مقربين من دوائر الامن الإسرائيلية يعتقدون أنّ العقوبات التي ستُفرض على شمال الضفة الغربية ستأتي ثمارها سريعا في ظل سياسة العصا والجزرة وسياسات تحييد المناطق وفصلها بعضها عن بعض، غير متنبهين إلى تاريخ طويل من المواجهات مع الشعب الفلسطيني وغير متنبهين الى إن من سيدفع لإشعال البلاد ليس الشعب الفلسطيني المبتلى بسلطة آمنت ان لا حل في الأفق وتماهت وارتهنت لهذا الواقع، بل أولئك الذين يتمتعون بحماية المخابرات والجيش من المستوطنين الذين يتحرشون يوميا بالفلسطينيين ويعلنون صباح مساء عبر صفحاتهم الافتراضية عن برامج اقتحاماتهم للبلدة القديمة والمسجد الأقصى، وكل ذلك يتمّ تحت رعاية وتوجيه نواب وشخصيات مشاركة في الائتلاف الحكومي وسياسات العسكر التي تقتل بدم بارد نساء وبنات وشباب شعبنا، غير متنبهين إلى أنّ اللحظة التي نعيش هي جزء من مراكمات الظلم الذب خلقه الاحتلال.

في الوقت ذاته، تستغل المؤسسة الأمنية كل حدث ومواجهة لزيادة رصيدها المالي وميزانياتها العسكرية، وذلك على حساب الحالة المدنية وميزانيات مدنية ذات صلة بالمجتمع الإسرائيلي، وهو ما يخلق باستمرار الفجوة المجتمعية داخل المجتمع الإسرائيلي ويحيله شيئًا فشيئًا الى مجتمع مهيض الجناح خاضع لأجندة امنية، ومن ثم إلى رحمة العسكر، أي اننا باختصار نعايش حالة انتقال بطيء في المجتمع الإسرائيلي من مجتمع ديموقراطي يتمتع بنوع من العدالة المجتمعية الى مجتمع عالم ثالث شرق اوسطي يقترب مسرعًا الى الديموقراطية الفاسدة والمبتذلة التي تميز شرقنا العربي.

الداخل الفلسطيني وتشديد الإجراءات..

المتابع للشأن الإسرائيلي في العلاقة مع الداخل الفلسطيني يصاب بالذهول من شدة الهَوَسْ الذي أصابَ المؤسستين السياسية والأمنية بأذرعها المختلفة بعد سلسلة العمليات التي ضربت عمق البلاد. من المفترض أنّ هذه الضربات مهما كانت أن لا تؤثر قيد أنملة على دولة تملك من القوة والامكانيات والقُدرات ما لا تملكه العديد من الدولة في منطقة الأوسط، لكن القرارات التي اتخذها المستوى العسكري والأمني ووافق عليها المستوى السياسي وفي مقدمتها تشديد القبضة الحديدية على الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس وعلى الداخل الفلسطيني، كشفت بعضا من عوار هذه المؤسسة وكيفية معالجتها للتحديات والأزمات التي تعترضها، فالداخل الفلسطيني ومن ثم المكون الفلسطيني الخاضع للاستعمار منذ عدة عقود الرافض لهذا الاستعمار مهما كانت مبرراته وخلفياته الأيديولوجية وجهاته الداعمة، يرى بأن المقاومة حقٌ مشروع سياسةً وأخلاقًا. وفي الوقت ذاته تعامل المؤسسة الإسرائيلية الداخل الفلسطيني بعقلية مخابرات الحكم العسكري إذ تستعيده مجددًا، وذلك في عصر الإنسان المعولم والقرية الكونية حيث أصبحت المعلومة خارج السيطرة، أي كانت قدرة المتحكمين في لعبة الفضاء المعولم وإخضاع كافة أدوات التواصل الاجتماعي خاصة الفيسبوك للرقابة الأمنية بحجة مواجهة التشدد والتطرف الديني “الإسلامي” على أمل إعادة الهيبة والخوف من الدولة بين صفوف أبناء الداخل الفلسطيني هو في حقيقته نوع من الخبل العقلي والهوس الأمني سيصل بمن يؤمن بعقلية الضابط الأمني الى باب موصد ومسدود أمامه، وسياسات القبضة الحديدية التي تمارسها هذه الحكومة المتنوعة أيديولوجيا والممثلة للمجتمع الإسرائيلي والمتجلية حتى هذه اللحظات بهدم البيوت في النقب والاعتقالات وإصدار اعتقالات إدارية والتحقيق مع مئات الشباب والفتيات في الداخل الفلسطيني من جهة، والقتل بدم بارد لأهلنا في الضفة الغربية وشرعنة البؤر الاستيطانية وتعميق الاستيطان وتهويد المدينة المَقدسة، هو نوعٌ من الخبل السياسي وبروز للعقلية الفاشية وهي في ظل تجارب هذه المؤسسة مع شعبنا الفلسطيني نوع من المراهنات التي لن تؤدي إلا الى مزيدِ من التوترات والمواجهات ودورات دموية قادمة أشدُ رعبًا وعنفًا وأثرًا مما يتوقع راسم السياسات الإسرائيلية.

يزيد الطين بلة دعاوى حمل السلاح للمدنيين التي اطلقها رئيس الوزراء وآخرون من جوقته وحكومته بحيث يصبح كل مواطن إسرائيلي حامل للسلاح دون النظر في مآلات هذه التصريحات والسياسات التي كانت قد طبقت في سنوات خلت (2001-2020) بعد أن مرّت البلاد بمثل هذه الدورة من المواجهات وكانت نتيجة انتشار السلاح بين المدنيين إلى ازدياد جرائم القتل داخل المجتمع الإسرائيلي بما نسبته 42% وفي مجتمعنا في الداخل الفلسطيني الى72% وشكلّ التراخي في هذه السياسة إلى تعاظم الجريمة والعنف في داخلنا الفلسطيني.

عمليًا، نحن أمام إفلاس سياسي وأخلاقي أصاب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وفي جوهره تجلِ للفشل السياسي- الأخلاقي في المجتمع الإسرائيلي الذي راهن في العشريات الأخيرة، خاصة منذ تولي نتنياهو الحكم، على أنّ كل خلل سياسي داخلي يمكن تغطيته بحرب على الشعب الفلسطيني لتكون المعادلة إبقاء عامل الخوف داخل المجتمع الإسرائيلي، ومن ثمّ ارتهانه للمؤسسة الحاكمة، يقابله خلق حالة من الخوف والقلق داخل الشعب الفلسطيني بما في ذلك حملة البطاقة الزرقاء تفضي إلى خلق تشققات داخلية، تُوظَف لصالح واقع مستجد مفاده القبول بالواقع المُعاش تحت مضلة المواطنة مهما كانت نواقصها دون قيد أو نقاش وشرط، خاصة في ظل ما توفر مؤخرا للإسرائيليين من مشاركة فاعلة للقائمة الموحدة في الائتلاف الحكومي وانخراط عضوتين عربيتين من حزبي ميرتس والعمل الشركاء في الائتلاف ووجود وزير عربي في حكومة يرأسها شخصية من المدرسة الدينية الصهيونية وهذا في ظاهر الأمر تحقيق للإسرائيلية “كهوية” للعربي الجديد، عربي ما بعد هبة القدس والاقصى، ولذلك قامت قيامة الاعلام الإسرائيلي ومن يقوده من السياسيين والامنيين على تصريحات النائب في الكنيست ايمن عودة بعدئذ دعا الشباب العربي من أبناء الداخل الفلسطيني ممن يخدمون في السلك الأمني والشرطي إلى خلع ملابسهم وترك هذه الوظائف “الاستعمارية” التي تدفع إلى تشقق العلاقات البينية الفلسطينية، ومن الواضح أنّ مجتمعنا الفلسطيني في فلسطين التاريخية يمرّ في مرحلة من المُزايلة التي باتت أهميتها تتعاظم في ظل ما تمر فيه أمتنا العربية والإسلامية، فما باتت القضية الفلسطينية محصورة على الفلسطيني في عصر الانفتاح العولمي والمنصات الاجتماعية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى