أخبار رئيسية إضافيةمقالات

إدارة الصراع والحلول المستحيلة

ساهر غزاوي

في خضم الأحداث الساخنة والقضايا الملتهبة التي تشهدها البلاد في الآونة الأخيرة- التي تتحمل المؤسسة الإسرائيلية أسبابها ونتائجها وتداعياتها أولا وآخرًا نتيجة تراكمات متضخمة من سياستها التحريضية الممنهجة والمنفلتة على المجتمع العربي وقياداته ومن سياسة التمييز العنصري التي تنتهجها هذه المؤسسة مع المجتمع العربي في الداخل خاصة ومع مسيرة الشعب الفلسطيني عامة عبر عقود طويلة- تسللت إلى فضائنا العام وإلى بعض الخطابات السياسية والشعبية وحتى الإعلامية مفردات لا تمت بصلة للواقع وفي حقيقتها ما هي سوى كلمات مكررة كمسكنات للألم كحل مؤقت والتي تدعو إلى حل الصراع وليس إدارته كما تفعل إسرائيل، مستشهدين بذلك ببعض منشورات ومقالات لكتّاب إسرائيليين، قسم منهم محسوب على ما يسمى “يسار إسرائيلي”، لكنهم ينسون أو يتناسون أن هذا الـ “يسار” ما هو إلا جزء أساس من مشكلة حقيقة الصراع وتعقيداته ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون جزءا من الحل.

من الطبيعي جدا أن تعود بنا إلى الوراء الأحداث الجارية اليوم والتصريحات والتقولات “المتخبطة” والتعلق بقشة بعض منشورات ومقالات لكتّاب إسرائيليين التي لا تعدو كونها أصوات في البرية لا تأثير لها على حقيقة ما يسمى “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، ومن الطبيعي جدًا أن يجد كل تيار سياسي الفرصة المواتية من هذه الأحداث لأن يجدد طرح صيغة لحل الصراع، وفق رؤيته، ويدعو للتمسك بخيارات ما يسمى العيش المشترك العربي واليهودي ويدعو لنشر قيم السلام والتسامح الخ… لكن هذا كله لا يساوي شيئًا أمام تطلعات الجانب الإسرائيلي الذي يرفض أية حلول ويستمر بفرض الواقع بالقوة من منطلق مصالحه فقط ويعمل على إدارة الصراع وفق ما يضمن تلبية مطالبه.

لو توقفنا قليلا عند مفهوم “إدارة الصراع”، فهي عملية تحديد الخلافات والتعامل معها بطريقة متوازنة وعقلانية فعالة للتوصل إلى حل يرضي كل الأطراف. لكن “إدارة الصراع” وفق تطلعات الجانب الإسرائيلي ووفق رؤيته الأيدلوجية الصهيونية، فإن على الجانب الفلسطيني أن يبقى الظلم التاريخي واقعًا عليه ويمنعه من استعادة حقه ودون الحصول على الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، وهذا ما تُرجم على أرض الواقع من خلال ما يسمى “اتفاقيات السلام”. هذا السلام الذي ينطلق من مصالح إسرائيلية فقط ويبنى على أساس تحطيم الشعب الفلسطيني نهائيًا والحصول على (اعتراف فلسطيني) بسلام يضمن لإسرائيل كل مطالبها كاملة: أكبر مساحة من الأرض يسكن عليها كل اليهود في فلسطين التاريخية واعتراف فلسطيني بيهودية الدولة، ودولة الشعب اليهودي، والتفوق الإثني مقابل دونية الفلسطينيين في وطنهم، مع إبقاء نصفهم وللأبد خارج هذا الوطن، كما يقول البروفسير أسعد غانم في مقالة له بعنوان: (إسرائيل.. إدارة الصراع لا حله).

إذن، ماذا عن حل الدولتين الذي يبدو مثل (الحُب من طرف واحد الذي يقابله العداء من الطرف الآخر)؟ الواقع يجيب أن الإسرائيليين يرفضون حل الدولتين ويعملون على خلق واقع جديد يتجاوز الأسس التي قام عليها هذا الحل حتى بات الرجوع إليه أمرا صعبًا، ولم يعد حل الدولتين ضمن خطط المجتمع الإسرائيلي ولا الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ومن المستبعد أن تقدم أي حكومة إسرائيلية على تفكيك المستوطنات في الضفة الغربية في ظل موازين القوة السائدة حاليا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هذا فضلًا أن حكومة الائتلاف الحكومي الإسرائيلي بقيادة زعيم الحزب اليميني الديني المتشدد، نفتالي بينيت ليس لديها الكثير لتقدمه فيما يتعلق بالعلاقات مع الفلسطينيين وحل الدولتين غير التعامل ضمن سياسة “العصا والجزرة” لامتصاص الغضب الفلسطيني ومنعًا لاشتعال الأوضاع الأمنية من خلال تقديم ما تعتبره “تسهيلات” في مناح معينة والتضييق عليهم في مناح أخرى.

وماذا أيضًا عن حل فكرة الدولة الواحدة، حيث يتمتع جميع السكان الذين يعيشون ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط بحقوق سياسية متساوية في كيان سياسي واحد؟ الجواب أن هذا الحل غير قابل للتطبيق، فمن المستحيل أن يتخلى الإسرائيليون عن مشروع الدولة اليهودية ليكونوا جزءًا من دولة متعددة الأعراق حيث يشكل اليهود 50٪ من السكان على الأكثر.

خلاصة القول؛ فإن مفهوم “إدارة الصراع” سيبقى هو المهمين على الواقع وفق تطلعات الجانب الإسرائيلي والذي يخدم مصالحه ويضمن تلبية مطالبه، وليس من مصلحة إسرائيل التوصل لأية حلول مقترحه من الجانب الفلسطيني تنهي الصراع لأن ذلك يصطدم مع رؤيتها الأيدلوجية الصهيونية المهيمنة على المشهد السياسي الإسرائيلي، وحل الصراع بحسب تطلعات بعض الأحزاب العربية والتيارات السياسية خاصة التي تنظر إلى الأحداث الجارية والحالة السياسية عامة فقط من منظور حسابات حزبية انتخابية، لا يعدو كونه حُب من طرف واحد لا تأثير له على حقيقة الصراع في بُعده الفلسطيني والعروبي والإسلامي. هذا الصراع الذي لن يحل إلا إذا عاد إلى جذوره التي تمتد إلى أواخر القرن التاسع عشر وحتى قيام الكيان الإسرائيلي في فلسطين عام 1948، وعلى ما يبدو فإن الأحداث الساخنة والقضايا الملتهبة التي تشهدها البلاد هي نذير في طريقها للعودة إلى جذور الصراع.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى