مقالات

معركة الثوابت (20)… المسجد الأقصى من ذروة سنام ثوابتنا

الشيخ رائد صلاح
إنتصارا لثوابتنا الإسلامية العروبية الفلسطينية، ومتابعة لما كتبته في الحلقات السابقة ، ونظرا لما يتعرض له المسجد الأقصى من إيذاء شرس ومتواصل ومتصاعد من قبل الإحتلال الإسرائيلي، فإنني أؤكد ما يلي بوضوح لا غموض فيه :
1. المسجد الأقصى حق إسلامي عروبي فلسطيني خالص ووحيد وأبدي ما دامت هذه الدنيا حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
2. المسجد الأقصى حق خالص لنا وقد ثبت ذلك في قول الله تعالى “سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير “سورة الاسراء آية 1.
3.المسجد الأقصى هو ثاني مسجد بني على وجه الأرض وقد بُني بعد أربعين عاما من بناء المسجد الحرام، وإذا عرفنا أن المسجد الحرام كان قائما على عهد نبي الله آدم -عليه السلام- فهذا يعني أن المسجد الأقصى كان قائما على عهد نبي الله آدم -عليه السلام- كذلك، وقد ورد في الأثر أن نبي الله آدم -عليه السلام- كان أول من نسك فيه، وهذا يعني أن المسجد الأقصى كان أول بناء قد بني في تاريخ فلسطين التاريخية بعامة ، وفي تاريخ القدس المباركة بخاصة، والدليل على ما أقول هو ما رواه البخاري في صحيحه -الذي هو أصح كتاب بعد القرآن الكريم :” عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله :أي مسجد وُضع في الأرض أول ؟ قال : المسجد الحرام، قلت: ثم أيّ؟ قال: المسجد الأقصى قلت: كم بينهما ؟ قال: أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد، فصلِّه، فإن الفضل فيه “فاذا أضفنا الى هذا الحديث الصحيح قول ابن حجر:” فقد روينا أن أول من بنى الكعبة آدم” ،وقول ابن هشام في كتاب “التيجان”: ” أن آدم لما بني الكعبة أمره الله بالسير الى بيت المقدس ، وأن يبنيه ، فبناه ونسك فيه” فإذا تدبرنا هذه الأدلة جيدا نخلص إلى ما قلته وهو أن المسجد الحرام -الكعبة- كان على عهد نبي الله آدم عليه السلام، والمسجد الأقصى كان كذلك على عهد نبي الله آدم عليه السلام.
4. هذا يعني أن المسجد الأقصى كان حيث هو اليوم قبل أن يكون هناك أي كنيس أو أية كنيسة أو حتى أي مسجد آخر في فلسطين التاريخية بعامة وفي القدس المباركة بخاصة، ولذلك فإن قول الإحتلال الإسرائيلي إن المسجد الأقصى قائم على آثار هيكل أول أو ثان هو محض دجل رخيص ومحض تزوير للتاريخ.
5. تعاهد الأنبياء بعد نبي الله آدم -عليه السلام – المسجد الأقصى بالرعاية والعبادة فيه على اعتبار أنه (ميراث نبوة) ينتقل من نبي الى نبي، وليس ملكا شخصيا لأمة دون أمة ، ولا لشعب دون شعب ، وكان ولا يزال أحق الناس بالمسجد الأقصى كل أمة اتبعت الأنبياء حق الأتباع ، وحملت رسالة الأنبياء بأمانة ووفاء، وحملت من ضمنها رعاية المسجد الأقصى والعبادة فيه على اعتبار أنه (ميراث نبوة).
6. ولأن المسجد الأقصى كان كذلك (ميراث نبوة) تنتقل مهمة رعايته والعبادة فيه من نبي الى نبي ، ومن الأمة الأتباع الصادقين لكل نبي الى الأمة الأتباع الصادقين للنبي الذي يأتي بعدهم، ولأن الرسول سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كان آخر نبي فهذا يعني أن مهمة رعاية المسجد الأقصى والعبادة فيه قد انتقلت إليه ممن سبقه من الانبياء، وقد انتقلت الى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن سبقها من الأمم الأتباع الصادقين للأنبياء ، ولأن الرسول سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم كان خاتم الأنبياء والمرسلين ، ولا نبي بعده، فهذا يعني ان مهمة رعاية المسجد الأقصى والعبادة فيه ستبقى في أمته حتى قيام الساعة لأنها الأمة الخاتمة لكل أمة صادقة نصرت أي نبي قبلها، ولن يأتي بعدها أية أمة جديدة لنصرة نبي جديد، لأنه لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا الأساس ستبقى مهمة رعاية المسجد الأقصى والعبادة فيه هي مهمة أبدية لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
7.وعلى هذا الأساس لا يمكن لأمة حرَّفت الكتب التي جاء بها الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كذبت أولئك الأنبياء أو حاربتهم أو قتلت بعضهم أن تتطاول اليوم وأن تدعي أنها تريد رعاية المسجد الأقصى والحفاظ عليه والصلاة فيه.
8. ولا يمكن لأمة تنكر نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترفض الإيمان به وترفض إتباعه وإتباع ما جاء به أن تتطاول اليوم وأن تدّعي أنها الوصية على المسجد الأقصى، لأنها يوم أن انكرت نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضت الإيمان به واتباعه، فقد خالفت بذلك ما أمر به الأنبياء الذين جاؤوا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذين كانوا قد بشروا أقوامهم أنه سيأتي نبي هو خاتم الأنبياء والمرسلين وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا قد أمروا أقوامهم بالإيمان به واتباعه وإلا فسيغرقون في ضلال مبين ، وفي ذلك قال الله تعالى في القرآن الكريم : “وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يديّ من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين* ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يُدعى الى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين” -الصف-.
9. ولا يمكن لأمة لعنها الله تعالى بعد أن خالفت أنبياءها ونعتتهم بأقبح النعوت، واتهمتهم زورا وبهتانا بأقذع التهم وتجرأت ودونت هذه التهم القميئة في كتب وقالت عن هذه الكتب : هي مراجعها الدينية، لدرجة أنها اتهمت بعض هؤلاء الأنبياء أنه سكر وزنى ببناته، واتهمت بعضهم أنه كان زير نساء، واتهمت بعضهم أنه عبد الأصنام، وأنكرت نبوة بعضهم وادعت أنه كان مجرد ملك ليس إلا ، وكل ما قلته مدون لا يخفى على عاقل ، لا يمكن لهذه الأمة أن تتطاول اليوم وأن تدعي أنها صاحبة السيادة المطلقة على المسجد الأقصى.
10. ولذلك فإن أقبح ما يمكن أن يسمعه الحر العاقل في هذه الأيام عندما يسمع بعض قادة الإحتلال الإسرائيلي يَدَّعون أنهم أصحاب السيادة الوحيدة على المسجد الأقصى ، وأن لهم كامل الحق أن يتصرفوا كما يشاؤون في المسجد الأقصى ، وكأنه لا يوجد لغيرهم أي حق ولا أية سيادة في المسجد الأقصى ، وكأن هيئة الأوقاف الإسلامية مجرد موظفين في المسجد الأقصى من قبل الإحتلال الإسرائيلي لا بل إن الإحتلال الإسرائيلي بات يتحدث في خطابه الإسرائيلي كأنه لا يوجد شيء أسمه (المسجد الأقصى)، ولا يوجد -وفق حساباته- إلا شيء اسمه “جبل الهيكل”، وبات هذا الإحتلال يتصرف في المسجد الأقصى تحت الأرض وفوقها وليلا ونهارا على مدار أيام السنة وكأنه المالك المطلق للمسجد الأقصى، ثم ماذا؟! بعد كل ذلك بات يستشيط غضبا ويرجم بالتحريض كل من بات يقول منا علانية وبلا تردد : الأقصى في خطر.
11. وفوق ما قلت ومما يعزز ما قلت إذا عرفنا أن لجنة “شو” الأممية قد أصدرت قرارها عام 1931 وقالت فيه : إن المسجد الأقصى حق خالص للمسلمين بما في ذلك حائط البراق الذي زوّر الإحتلال الإسرائيلي اسمه وبات يطلق عليه إسم (هكوتل) ، ثم إذا عرفنا أن منظمة اليونسكو قد أصدرت قرارا أمميا أكثر من مرة قالت فيه :إن المسجد الأقصى حق خالص للمسلمين ،ولا يوجد للشعب اليهودي أي حق فيه، ثم إذا عرفنا أن القرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة تؤكد أن المسجد الأقصى محتل من قبل الإحتلال الإسرائيلي.
12. بناء على ما سبق فإن الوجود الإسرائيلي في المسجد الأقصى هو وجود إحتلالي ، ولأنه وجود إحتلالي فهو وجود باطل ، ولأن الباطل لا دوام له فإن الإحتلال الإسرائيلي الى زوال قريب بإذن الله تعالى.
13. لأن الوجود الإسرائيلي في المسجد الأقصى هو وجود إحتلالي، فهو وجود بلا سيادة ولا شرعية ،ولا يوجد له أي حق ولو في ذرة تراب من المسجد الاقصى ، لأنه كذلك ، فكل تصرفاته في المسجد الأقصى هي تصرفات إحتلالية باطلة عدوانية بلا سيادة ،ولا شرعية وهي الى زوال كما أنه هو الى زوال قريب بإذن الله تعالى.
14. هذا يعني أن المسجد الأقصى ما دام محتلا فهو في خطر دائم. ولن يزول عنه هذا الخطر إلا إذا زال الإحتلال الإسرائيلي، وهذا يعني أن أصل الخطر الذي يتهدد المسجد الأقصى هو الإحتلال الإسرائيلي، وما يعانيه المسجد الأقصى من حفريات تحته أو حول محيطه ،وما يعانيه من نصب بوابات مشؤومة فيه، وما يعانيه من تنكيل الإحتلال الإسرائيلي بالمرابطين فيه والمرابطات ، وما يعانيه من إغلاقه عنوة ومنع رفع الأذان فيه ومنع إقامة الصلاة فيه، وما يعانيه من الدعوة الى فرض التقسيم الزماني والمكاني عليه أو الدعوة إلى فرض السيادة المطلقة للإحتلال الإسرائيلي عليه أو الدعوة الى بناء هيكل خرافي عليه، إن كل مظاهر هذه المعاناة ما هي إلا تبع لأصل الخطر الذي يتهدد المسجد الأقصى وهو الإحتلال الإسرائيلي، فهو بمثابة الداء الذي أصاب المسجد الأقصى ،وكل مظاهر هذه المعاناة هي أعراض لهذا الداء ، لذلك فإن الدواء الشافي للمسجد الأقصى هو زوال هذا الداء، لأنه يوم أن يزول فستزول كل أعراضه فورا وتلقائيا، وإن من التلهي بل من العبث أن نصرف اهتمامنا على الأعراض ونغفل عن الداء الذي هو مصدرها.
15. لذلك من الضروري أن نؤكد في هذه الأيام ان المسجد الأقصى في خطر ما دام محتلا، وأن حدة الإعتداءات ستزداد على المسجد الأقصى ما دام محتلا، وأن منسوب الإحتقان سيزداد في المسجد الأقصى مع زيادة منسوب هذه الإعتداءات وأن الإحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الوحيد عن هذه الإعتداءات في المسجد الأقصى ،وهو المسؤول الوحيد عن زيادة منسوب هذا الإحتقان في المسجد الأقصى، وهو المسؤول الوحيد عن نتائج هذا الإحتقان في المسجد الأقصى ،وهو المسؤول الوحيد عن كل قطرة دم تُراق في المسجد الأقصى ،وأن العلاج الوحيد للمسجد الأقصى هو تخليصه من الإحتلال الإسرائيلي.
16. يجب ألا تنطلي علينا بهلوانيات الإحتلال الإسرائيلي الذي يحاول اليوم أن يجّرم كل من يقول الأقصى في خطر، وأن يُجّرم كل من يقول الأقصى محتل وأن يتهمه بالتحريض وأن يدعو الى اعتقاله والى محاكمته، ولنعلم أننا إذا رضخنا اليوم لهذه البهلوانيات فقد يتمادى الإحتلال الإسرائيلي ويجّرم كل من يقول كلمة “المسجد الأقصى” بدل ان يقول كلمة “جبل الهيكل” ،ويدعو الى اعتقاله ومحاكمته.
17. خلاصة القول ان المسجد الأقصى اليوم قضية منتصرة على الإحتلال الإسرائيلي كما كانت بالأمس قضية منتصرة على الاحتلال الصليبي والمغولي والبريطاني ،وكما هي في المستقبل قضية منتصر ة على كل إحتلال قادم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى