أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

الحب، الحبال والوصال

الشيخ كمال خطيب

من أجل أن تجد لنفسك موقعًا في قلوب الناس فيحبوك، فما عليك إلا أن تكون مخلصًا صادقًا في محبتك لربك سبحانه، فإذا كان الأمر كذلك فإنه سبحانه كفيل بأن يلقي محبتك في قلوب الناس، قال الإمام القرطبي في تفسير قول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا} آية 96 سورة مريم فقال: أي سيجعل لهم حبًا في قلوب عباده. وكان هرم بن حيان يقول: ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم”. وليست المودة تعني الاتصال والوصال اليومي كما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: “إن لنا إخوانًا لا نراهم إلا مرة في كل سنة نحن أوثق بمودتهم ممن نراهم كل يوم”. وقال قائل: “إذا تقاربت القلوب فلا يضر تباعد الأبدان “.

ولأن الحب في الله هو أعظم وأقدس وأطهر حب فقد جعل الله مقام المتحابين فيه سبحانه في أعلى وأسمى مقام، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي الجليل: “أين المتحابون في جلالي، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلّ إلا ظلي”.

وكل حب وكل محبة سيقطعها الموت إلا المحبة في الله تعالى فإن حَبْلَها موصول ممدود لا ينقطع حتى يوصل المحبين إلى باب الجنة بإذن الله تعالى وبرحمته، قال سبحانه {إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} آية 47 سورة الحجر.

وما أجمل ما قاله الشاعر:

إذا صدع الآذان بكل وادي        وجلجل في الفضا صوت المنادي

ذكرت أحبتي ورفعت كفّي        دعوت الله من عمق فؤادي

عسى ربي يظلّكم بعرش       عظيم الشأن في يوم التنادي

ويجمع شملنا في دار سعد      مع الأحباب في كنف الجواد

يقول الأستاذ الدكتور حسان شمسي باشا: “رحم الله أختين أو أخوين لم يجمعهما قرابة ولا نسب، نأتْ بهم الديار وتفرقت بهم الأمصار ولكن جمعتهما دعوة في جوف الليل”. ثم ألم تكن وصية الإمام الشهيد حسن البنا بأن يكون دعاء ورد الرابطة لمن عرفت من إخوانك ومن لم تعرف أن تقول: “اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب قد اجتمعت على محبتك والتقت على طاعتك وتوحّدت على دعوتك وتعاهدت على نصرة شريعتك، فوثّق اللهم رابطتها وأدم ودّها واهدها سبلها واملأها بنورك الذي لا يخبو واشرح صدورها بفيض الإيمان بك وجميل التوكل عليك وأحيها بمعرفتك وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير”.

 

كن مسلمًا ولا تكن إمّعة

يقول الدكتور حسان شمسي باشا: “البعض منّا يعامل الناس بالحسنى ليردّوا له المعاملة، والبعض الآخر يعامل الناس بالحسنى لمناصبهم وأنسابهم، وبعضهم يعامل الناس بالحسنى ليشعر بالارتياح، وهنالك من لا يعامل إلا بجفاء! عذره أن ليس هناك من يستحق طيب المعاملة.

وفي الغرب يقولون: عامل الناس (كما يعاملوك)، وإن ارتقيت أكثر فعاملهم (كما تحب أن يعاملوك). وفي ديننا الحنيف مستوى أرقى وهو: عامل الناس (كما يأمرك الله) فتنال أجر طاعته، وإذا أردت الصعود إلى أعلى الدرجات فعامل الناس (كما تحب أن يعاملك الله).

أما عبارة عامل الناس كما يعاملوك هي مقولة خاطئة كما يقول عباس محمود العقاد، فالناس فيهم الكاذب والغشاش والخائن والمخادع فلو أنك عاملت كل إنسان بما فيه من صفته لاجتمع فيك ما تفرّق فيهم فتصبح أحط الناس، لذلك عامل الناس كما تحب أن يعاملوك وليس كما يعاملوك، والأولى عامل الناس كما تحب أن يعاملك الله.

فالمسلم يجب أن يوطّن نفسه على فعل الخير وعمل كل ما هو حسن وكل ما يدعوه إلى الإسلام، ولا يكن ذلك المتلوّن الإمّعة كما قال ﷺ: “لا تكونوا إمّعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا”. فالإمّعة هو الإنسان الذي ليس له مبدأ ولا رأي، وهو مع كل الناس ومع كل الاتجاهات، ومصلحته فوق كل شيء يجامل الناس جميعًا، ولا ينطوي على مبدأ ولا على قيمة يتلوّن كالحرباء، وإن جلس مع أهل الإيمان قال: آمنت معكم {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} آية 14 سورة البقرة.

 

لا تكن مثل الطاؤوس

إن من الناس ليس فقط أنه مثل الطاؤوس في تعاليه، بل إنه مثل إبليس في أنانيته {أَنَا۠ خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍۢ وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِينٍۢ} آية 12 سورة الأعراف. ولذلك لا يظن أحدنا أنه وحيد زمانه فيما أتاه الله إياه من نعمة وفضل في أي باب من الأبواب، وإنما يتذكر أن ما هو عليه هو من بعض فضل الله وزّعه على الخلق، فلا تظنن الخير كله عندك، وكما قال أحدهم عن فتاة جميلة متعجرفة: “تذكّري أن الله لم يكسر القالب الذي خلقك منه” أي أن هناك فتيات جميلات مثلك وأكثر منك خلقهن الله فلست وحدك جميلة.

فما أجمل أن يكون أحدنا إذا رآه الناس أن يقولوا: الحمد لله ما زالت الدنيا بخير. وما أجمل ما قاله ذلك الرجل الصالح حين رأى رجلًا أكبر منه سنًا، فقال: هذا خير مني فقيل له: وكيف عرفت أنه خير منك؟ قال: لأنه ولد قبلي إذن فهو أطاع الله أكثر مني فهو خير مني. وكان إذا رأى من هو أصغر منه قال: وهذا خير مني، فقيل له: وكيف عرفت أنه خير منك؟ فقال: لأنه أصغر مني فأنا عصيت الله أكثر منه فهو خير مني.

وما أجمل أن يظلّ الإنسان منا متهمًا لنفسه بالتقصير يؤدبها بالتقريع، يقول كما كان يقول أحد العارفين الصالحين: “والله ما رأيت مسلمًا يمشي في الشارع إلا وأوقن أنه خير مني، فقيل له: لم يا شيخنا؟ فقال: لأني لا أدري بما يختم لي وله، وربما أوتيت أنا الكلام وأوتي هو التقوى، وربما أوتيت أنا حسن السّمت وأوتي هو حسن التوكل على الله تعالى.

وما أجملها قصة الطاؤوس مع سليمان عليه السلام الذي كان يفهم لغة ومنطق الطير وقد دخل عليه الطاؤوس يومًا بمشية متعالية متباهيًا بجمال ريشه وبألوانه المتعددة، فسأل سيدنا سليمان سؤالًا عجيبًا قائلًا له: يا نبي الله ألست متيقنًا بجمال مظهري وحسن شكلي؟ فلم لم أوهب جمال الصوت رغم أن أقبح الطيور وأحقرها أعطيت جمال الصوت؟ فردّ عليه سليمان عليه السلام قائلًا: أتعلم أن الله تعالى خلق كل شيء بقدر فلو أعطاك زيادة على ريشك الجميل صوتًا حسنًا ما كنت لتكلم أحدًا زيادة في تعاليك وتكبرك.

 

على ماذا التكبر والغرور     وهذه الأرض تملؤها القبور

على ماذا التعالي يا صديقي   أأنت البحر أم أنت الصخور

كأنك قد نسيت يا أخي      بأن الكون يملكه الغفور

 

فتواضع يا أخي وإياك والتكبر، ولا تكن مثل الطاؤوس.

 

إياك ورفيق السوء فإنه مثل البعوض

الصديق الحقيقي، الصديق الصدوق هو الذي تجده ويكون معك في حلوك ومرّك، في عسرك ويسرك، يفرح لفرحك ويحزن لحزنك، أما صديق المصلحة فإنه إذا انتهت مصلحته معك انتهت صداقته، وصديق إذا فتحت عليه الدنيا فغيّرته فيبحث له عن أصدقاء يناسبونه، وصديق من إذا نصحته فإنه يتضايق من نصحك فيبتعد عنك، فمثل هؤلاء لا حاجة لك بهم، قال أحد الصالحين: “ما أعطي العبد بعد الإسلام نعمة خيرًا من أخ صالح، فإذا وجد أحدكم ودًا من أخيه فليتمسك به”. وقال جبران خليل جبران في حكمة جميلة له: “اختر نزلاء قلبك بدقة، فإنه لا أحد سيدفع ضريبة سكنهم سواك!. تمامًا مثل من يؤجر شقته أو غرف فندقه فعليه أن يحسن الاختيار، فلا يفسدوا عليه بيته وفندقه ويتحمل تبعات إسكانهم فيه”. وقال الشاعر:

لا تأتمن من عقّ أمًا أو أبًا     فاحذر صداقته فذاك يخون

من خان حقّ الوالدين ولم يصن    حقّيهما، ألصحبه سيصون؟!

وقال أحد الحكماء: رفيق السوء مثل البعوض لا تشعر به إلا بعد أن يلسعك.

 

الكلمة الطيبة وطيب الكلمة

يقول الدكتور حسان شمسي باشا في كتابه الرائع “هنالك يحلو اللقاء”:

مرّ شاب برجل فقير فتوقف عنده ليقدم له إحسانًا “صدقة” فمدّ يده إلى جيب معطفه ليخرج نقودًا من محفظة نقوده فلم يجدها فتذكر أنه نسيها في البيت، فاعتذر الشاب بلطف قائلًا: معذرة يا أبي لقد نسيت محفظة نقودي في البيت، وفي طريق عودتي سأعطيك ما تيسّر. ردّ عليه الرجل الفقير قائلًا: عفوًا يا ابني، فلقد أعطيتني أكثر مما أعطاني كل الناس. دهش الفتى وقال: “ولكنني لم أعطك شيئًا. فقال: إنك حين اعتذرت قائلًا “يا أبي” فإن هذه الكلمة لم أسمعها من أحد قبلك وهي أثمن وأغلى عندي من كل النقود.

ما أعظم قول رسول الله ﷺ: “الكلمة الطيبة صدقة”، وقوله ﷺ: “إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق”. وأعظم من كلام وقول رسول ﷺ فإنه قول وكلام رب العالمين القائل {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} آية 24 سورة الحج. وقوله سبحانه {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} آية 183 سورة البقرة.

وما أطيب ما قاله الشاعر:

خفف عن الناس ما يلقون من ألم    فإن عجزت فأخرج طيب الكلم

لا يسعد الناس في قول وفي عمل    إلا امرؤ طّيب الأخلاق والشيّم

فطيّبوا كلماتكم، ولتكن “كلماتكم” طيّبة.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى