أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

الموقف الإسرائيلي المرتبك من الحرب الروسية الأوكرانية

ساهر غزاوي

يبدو أن الموقف الإسرائيلي من العملية العسكرية الكبيرة التي تشنّها روسيا ضد أوكرانيا، هو الموقف الأكثر تلبكًا وارتباكًا وقلقًا، لما تحمله هذه العملية العسكرية من أبعاد وارتدادات ليس على سلوك المؤسسة الإسرائيلية في المنطقة فحسب، إنما على المخاطر الوجودية لها، خاصة وأن هذه المؤسسة هي امتداد طبيعي لمشروع استعماري غربي احلالي في المنطقة العربية الإسلامية، وهي رهينة للتطورات الخارجية والداخلية. وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على مستقبلها الوجودي في حال خاضت مواجهة جادة مع أحد في المنطقة دون الدعم الخارجي، بحسب قراءتها لهذه الحرب.

كثيرة هي التحديات والأزمات الداخلية والخارجية التي تواجهها المؤسسة الإسرائيلية والتي تقابلها سلسلة من الإخفاقات المتتالية والضربات الموجعة، خاصّة وأن النصف الأول من عقدها الثامن أوشك على الانقضاء، وهو “العقد المشؤوم” الذي يتشاءم الإسرائيليون منه، وهو العقد الذي قال عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية نفتالي بينيت المنتمي لتيار “الصهيونية الدينية” عندما كان وزيرًا للأمن: “إننا داخل العقد الثامن لدولة إسرائيل، وفي تاريخنا كله، كان لنا دولتين هنا في أرض إسرائيل، لكن لم ننجح أبدًا في عبور العقد الثامن كدولة موحدة وذات سيادة”.

في واقع الأمر فإن هذا التشاؤم الإسرائيلي من “العقد المشؤوم” إلى جانب التحديات والأزمات الداخلية والخارجية، من شأنه أن يؤثر على سلوك المؤسسة الإسرائيلية ويجعلها تتوقع نتائج مرعبة وتتحسب لكل حدث صغيرًا كان أو كبيرًا يقع في المنطقة ويجعلها أكثر توترًا وفاقدة للقدرة على ضبط النفس والاتزان في اتخاذ القرارات والمواقف لضمان ديمومة استمرار وجودها في هذه المنطقة، وهذا ما جعل من الموقف الإسرائيلي يصل إلى درجة التلبك والارتباك والقلق الشديد من العملية العسكرية الكبيرة التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا من الانحياز إلى طرف على حساب طرف وحتى موقف الحيادية لن ينفعها أيضًا وسيضعها في موقف سياسي حرج ولن يكون في مصلحتها، بل سيترك آثارا سلبية عليها مستقبلًا.

فقدان القدرة على الاتزان وضبط النفس، جعل المؤسسة الإسرائيلية تفشل في تحقيق رغبتها الجامحة في الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع طرفي الأزمة، وهذا ما انعكس بشكل مباشر على التصريحات الإسرائيلية الرسمية. فهذه صحيفة “هآرتس” كانت قد أوردت أن “إمكانية حياد إسرائيل في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا لم تكن قائمة”، كما أوردت تصريحًا على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي يئير لبيد قبل أيام من اندلاع الحرب قال فيه: “إذا حدث الغزو فنحن سنختار الجانب الأمريكي، نحن مع الغرب”.

لبيد نفسه وصف العملية العسكرية الروسية ضد أوكرانيا فور بدئها بـ “انتهاك للنظام الدولي”. بينما كان تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينيت في البداية أن “هذه لحظات صعبة ومأساوية، وقلوبنا مع مواطني أوكرانيا، الذين وجدوا أنفسهم في وضع كهذا دون إثم اقترفوه”، ثم ما لبث أن ظهر بينيت نفسه أكثر حذرا، ولم يدن روسيا بشكل مباشر وعرض خدماته للتوسط بين أوكرانيا وروسيا، وذلك خلال محادثة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهذا ما رفضه الأخير، بينما رأى وزير المالية أفيغدور ليبرمان، أن “على إسرائيل أن تبقى في الظل”.

غير أن هذا الأمر لم يتوقف عند المستوى السياسي الرسمي الإسرائيلي فحسب، إنما فقدان القدرة على الاتزان باتخاذ القرارات والمواقف المنضبطة في الحرب الروسية الأوكرانية، انتقلت إلى الشوارع الإسرائيلية وتحولت إلى احتجاجات كبيرة أمام السفارة الروسية في تل أبيب المنددة بالعملية العسكرية الروسية على أوكرانيا، وقاموا برش كتابات على جدار السفارة للتعبير عن موقفهم المناهض للحرب للجانب الروسي وقاموا بحرق جوازات السفر الروسية تعبيرا عن غضبهم.. وهذا كله يحدث في ظل وجود ما يقارب مليون روسي/يهودي ناطق باللغة الروسية، ومن الطبيعي جدًا أن يتعاطف هؤلاء مع بلدهم الأم روسيا، وبطبيعة الحال أيضًا لن يؤيدوا دعم حكومتهم لأوكرانيا على حساب روسيا، مما ينذر بتنامي الصراعات والانقسامات والتصدعات المتنوعة التي يعيشها الإسرائيليون ومن الممكن أن تؤدي إلى أزمات قد تصل إلى حد التعبير عنها بوسائل عنيفة، كما أنها هناك تخوفات إسرائيلية من ضرر قد يصيب اليهود في روسيا بسبب الموقف المنحاز لأوكرانيا التي تقف خلفها أمريكا وحلف الناتو، وكذلك الأمر يوجد قلق على سلامة اليهود في أوكرانيا بحال كان الموقف منحازًا لروسيا.

في النهاية، فإن المؤسسة الإسرائيلية في موقف لا تحسد عليه، فعلاقاتها قوية مع أمريكا وحلف الناتو من جهة، وتربطها مصالح مع الطرفين الروسي والأوكراني، وفي كلا الحالتين، ستتأثر علاقتها مع أحد الطرفين. كما أنها لا تستطيع الحفاظ على موقف محايد، فرفضها اتخاذ موقف داعم ومساند لأحد الأطراف سيفسر على أنه موقف داعم للطرف الآخر، وهذا الذي حدث تماما عندما رفضت المؤسسة الإسرائيلية طلبات أوكرانيا بتقديم مساعدات عسكرية لها تحسبًا من غضب روسي، لأنه قد سبق ذلك أنه في اللحظة التي أعلن فيه التأييد الإسرائيلي لأوكرانيا، أعلنت روسيا أنها لا تعترف “بسيادة إسرائيل” في هضبة الجولان المحتل. وهذا ما ينذر بالمخاطرة الاستراتيجية مع المصالح المرتبطة بروسيا في المنطقة وخاصة التنسيق مع القوات الروسية في سوريا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى