أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

مهاوي الغرور ومأوى الشرور

أسماء علي كريم

كان الغرور ولا يزال مهواة تهوي بأصحابها في النار، ذلك أنه لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبِر، ولكل رداءٍ متلطخ بشؤم الكبر والإعجاب بالنفس حاجةٌ ملحة للتطهير.

لقد أنتج الواقع المرير أحوالًا ومواقف تتصادم فيها الجباه والأفواه، وتتعالى بها الأصوات والنفوس، وتتشمّر الأعناق إلى علوٍ تطاول السحاب، ثم تندك وتنكسر فلا تجد لها جابرًا.

لماذا لا تجمعنا الحياة القصيرة بأنفسٍ رفيقة رقيقة متواضعة؟ لماذا يبني كلٌ منا لنفسه قصورًا من عنفوان وكبرياء؟ لماذا تتعاظم نفوسنا وتعلو على الآخرين حتى تراهم كالذر؟ لماذا ننسى أصل التراب ومستقر التراب الذي منه خُلقنا وإليه نعود؟ هل يحق لواحد منا أن يغترّ بنفسه أو يتكبر على غيره وهو لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا قوةً يدفع بها عن نفسه الأذى والقذى ومجريات القدر!

داءٌ وبيلٌ ومرض مستحكم هذا التكبر الذي تعطف به كثير من الناس كجلباب لصيق بأبدانهم، حين تفخر امرأة على غيرها بجمال أو مالٍ أو ذريةٍ أو بطاقة تعليم أو شهادة! أو يفخر رجل على آخر بقوة أو بناء متطاول، أو سعة عيشٍ، هل هو من صنع أيديكم! أم هل هو من بداهة عقولكم! ألستم ضعفاء فأعطاكم الله وأكرمكم. ألستم فقراء فأغناكم الله وتفضل عليكم؟ فعلام تتكبرون وبم تفخرون!

انظروا لمن حولكم، كم من مصابٍ ببلية توشك أن يصيبكم مثلها فتندك أعناقٌ تطاولت وأنفسٌ شمخت!! كم من مآقي قد ألهبها حرقة الدموع توشك أن تنساح في مآقيكم! هل أنتم عصيون على المصائب والابتلاءات؟ وبم تفخرون على غيركم وأنت من معشر البشر الضعفاء؟

يا معشر العريب، الأرض الأرض، صدح بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لتكون لنا منهاجا يسوي تطاول الرقاب بالأرض الممهدة التي ستكون لنا مأوى ولكم. ألا فلا تفخرنَّ امرأة على أخرى ولا رجل على غيره ولا قوم على قوم. إن تاج التقوى هو هو الذي سيفاوت بين الناس حين يجتمعون بين يدي ربنا المتكبر العظيم. “إن الكبرياء ردائي والعظمة إزاري” فمن نازع الله بهما فقد ضلّ وهوى في مهاوي الردى وسوء البلى.

حين تبلى السرائر وتذوب المظاهر، وتنجلي الستائر عن البواطن، سيلمع نجم المتقين وتنطفئ جذوة المختالين، فيا سعدّ من تواضع واتقى في الرفعة والرقي ومن تواضع لله رفعه، ويا بؤس من تطوّس وافتخر! فيا من منعك كبرك عن قبول النصيحة، فبقيت في مركب الغلط، أنقذ نفسك من النار. ويا من حجبك غرورك عن رؤية معايب نفسك، وأشغلك بالشموخ الفاضح، تنبه قبل فوات القطار. ويا من طربت أسماعك للمديح المُريح، من صاحبٍ “فصيح”، تفقد عنقك فقد حزّها صاحبك المهذار. ما رؤي ثوب أجمل من تواضع يقودك للتقوى، ويوقظ فيك محاسن الخصال، ويشدّ عزمك لتفقد الأغيار بنفس عطوف، وروح شفافة وخلق معطاء.  وما خسر من خسر إلا حين تمسك بالعجب والكبر والغرور وجعلهما قائدًا له في كل نازلة. تواضعوا لإخوانكم ولا تجعلوا بأسكم بينكم شديدا، حتى يسهل في الغد كل عسير. وطوبى لمن اتعظ بغيره ولامست قلبه النصيحة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى