قلق إسرائيلي من اعتماد وصف “الفصل العنصري” من منظمة العفو الدولية

انشغلت المحافل السياسية الإسرائيلية بقلق في التبعات المتوقعة على إصدار منظمة العفو الدولية اليوم الثلاثاء، لتقريرها الخاص بتصنيف الكيان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنه نظام فصل عنصري.
ويثير التقرير الحقوقي مخاوف من أن يشجع منظمات حقوقية عالمية أخرى على انتهاج ذات التوصيف، ما يقرب المؤسسة الإسرائيلية من نموذج نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سابقا.
ولا يقتصر القلق على وزارة الخارجية الإسرائيلية وسفاراتها وقنصلياتها المنتشرة حول العالم، بل إن الأمر امتد إلى المنظمات اليهودية، وبذلك فهو يتجاوز كل الحدود الجغرافية، بالضبط كما أن التقرير المذكور لا يتوقف عند الأراضي المحتلة عام 1967 فقط، بل يمتد إلى داخل الخط الأخضر أيضا، أي إلى فلسطينيي48، وهذه خطورة جديدة على إسرائيل لم تكن في حسبانها، لأن التقارير الحقوقية السابقة كانت تركز على الضفة الغربية وقطاع غزة وشرق القدس فقط.
إيتمار إيخنر المراسل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت، ذكر في تقرير له أن “تقرير أمنستي الواقع في 211 صفحة من المتوقع أن يكون واحدا من أصعب التقارير ضد إسرائيل، وقد استعدت وزارة الخارجية في وقت مبكر لنشره، وحصلت على نسخة مبكرة منه، وقامت بتحليله، وشنت هجومًا مبكرًا ضد منظمة العفو الدولية باعتبارها معادية لإسرائيل، ومنحازة ضدها، ومعادية للسامية، وهي تأمل ألا تواجه بردود فعل دولية واسعة وسط انشغال العالم بالأزمة هذه الأيام على الحدود الروسية الأوكرانية”.
وأضاف أن “ما أثار غضب وقلق إسرائيل أن تقرير المنظمة ينكر حقها في الوجود، ويعتبر قانون العودة الإسرائيلي عنصريا، والتشريعات والسياسات الإسرائيلية تستند إلى اعتبارات ديمغرافية منذ 1948، ما يتطلب إلغاء جميع الممارسات والقوانين التي تحمي الهوية اليهودية، أو التعبير عن القومية اليهودية فقط، لأنها تسعى في معظمها إلى تحقيق “التفوق والتوسع والسيطرة اليهودية”، وصولا لفرض حظر على إسرائيل، ومحاكمة كبار مسؤوليها، ونادرا ما تعرض التقرير للهجمات الفلسطينية، وتعريف المتظاهرين الفلسطينيين داخل الخط الخضر بأنهم نشطاء سلام”.
ما زلنا في بداية الحملة الإسرائيلية ضد أمنستي وغيرها من المنظمات الحقوقية الدولية، ومن المتوقع أن تستخدم المحافل الدبلوماسية عينة من مفردات الهجوم عليها من قبيل “معايير مزدوجة، وتشويه صورة إسرائيل، وشيطنتها، ونزع الشرعية عنها”، وهي العناصر التي تتكون منها معاداة السامية الحديثة، وفق التصنيف الإسرائيلي، ما يعني اعتبار إسرائيل لتقرير أمنستي ضوءا أخضر لمهاجمي اليهود في كل مكان، ليس فقط لإلحاق الأذى بإسرائيل، ولكن باليهود في جميع العالم، وفق الزعم الإسرائيلي.
لم تقتصر الحملة الإسرائيلية المعادية لأمنستي على المسؤولين الرسميين، وأبرزهم يائير لابيد وزير الخارجية، بل إن معهد الأبحاث الإسرائيلي NGO Monitor زعم أن التقرير يكرر اتهامات “هيومن رايتس ووتش” التي نشرت تقريرًا مشابهًا في أبريل 2021، ولذلك فإن تقرير أمنستي الجديد جزء من حملة كراهية أطلقتها المنظمات غير الحكومية في العامين الماضيين ضد إسرائيل، وابتكرت مفاهيم جديدة في القانون الدولي.
والانتقادات الإسرائيلية لتقرير أمنستي تتوقف عند مسألة توقيت نشره، باعتبار أن ذلك ليس صدفة، بل إنه يهدف وغيره من التقارير إلى دفع مزيد من المبادرات في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تمهيدا لبدء عمل لجنة التحقيق الأممية في أحداث مايو 2021.
ديفيد هاريس المدير التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية قال إن “محاولة أمنستي وغيرها من المنظمات الحقوقية حول العالم تشبيه إسرائيل بما حدث في جنوب أفريقيا، الذي يعتبر وصمة عار في تاريخ البشرية، أمر غير معقول، وإن مقارنة الفجوات الاجتماعية في إسرائيل بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لا يختلف عن فرية الدم”.
تقرير “أمنستي”
وقالت منظمة العفو الدولية “أمنستي”، اليوم الثلاثاء، في تقرير جديد دامغ إنه ينبغي مساءلة السلطات الإسرائيلية على ارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
ويبين التحقيق بالتفصيل كيف أن إسرائيل تفرض نظام اضطهاد وهيمنة على الشعب الفلسطيني أينما تملك السيطرة على حقوقه. وهذا يشمل الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلا عن اللاجئين النازحين في بلدان أخرى.
ويوثق التقرير الشامل المؤلف من 182 صفحة بعنوان نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية كيف أن عمليات الاستيلاء الهائلة على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وأعمال القتل غير المشروعة، والنقل القسري، والقيود الشديدة على حرية التنقل، وحرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة والجنسية تشكل كلها أجزاءً من نظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري بموجب القانون الدولي.
ويتم الحفاظ على هذا النظام بفعل الانتهاكات التي تَبَيّن لمنظمة العفو الدولية أنها تشكل فصلًا عنصريًا وجريمة ضد الإنسانية كما هي مُعرّفة في نظام روما الأساسي والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (اتفاقية الفصل العنصري).
وتدعو منظمة العفو الدولية المحكمة الجنائية الدولية إلى النظر في جريمة الفصل العنصري في سياق تحقيقاتها الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تناشد جميع الدول بممارسة الولاية القضائية الشاملة وتقديم مرتكبي جرائم الفصل العنصري إلى العدالة.
وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار، إن “تقريرنا يكشف النطاق الفعلي لنظام الفصل العنصري في إسرائيل. وسواء كان الفلسطينيون يعيشون في غزة، أو القدس الشرقية، أو الخليل، أو إسرائيل نفسها، فهم يُعامَلون كجماعة عرقية دونية ويُحرمون من حقوقهم على نحو ممنهج. وقد تبين لنا أن سياسات التفرقة ونزع الملكية والإقصاء القاسية المتبعة في جميع الأراضي الخاضعة لسيطرة إسرائيل تصل بوضوح إلى حد الفصل العنصري. ومن واجب المجتمع الدولي التصرف”.
وأضافت: “ما من مبرر ممكن لنظام بُني على القمع العنصري المُمَأسس والمطوّل لملايين الناس. ولا مكان للفصل العنصري في عالمنا، والدول التي تقرر أن تقبل تجاوزات إسرائيل ستجد نفسها في الجانب الخطأ من التاريخ. والحكومات التي تواصل تزويد إسرائيل بالأسلحة وتحميها من المساءلة في الأمم المتحدة تساند نظام فصل عنصري، وتقوّض النظام القانوني الدولي، وتفاقم معاناة الشعب الفلسطيني. وينبغي على المجتمع الدولي أن يواجه واقع الفصل العنصري في إسرائيل، وأن يتبع السبل العديدة المؤدية إلى العدالة، والتي من المعيب أنها لم تُستكشف بعد”.
تستند النتائج التي توصلت إليها منظمة العفو الدولية إلى كم متنامٍ من العمل الذي قامت به المنظمات غير الحكومية الفلسطينية والإسرائيلية والدولية التي طبّقت على نحو متزايد إطار الفصل العنصري على الوضع في إسرائيل و/أو الأراضي الفلسطينية المحتلة.