أخبار عاجلةمقالاتومضات

وجهة نظر- ممكن أن تختلف معها…

المحامي محمود خلدون جبارين

عندما كنّا صغارًا كان أحدنا يسأل الآخر ساخرًا “هل تأكل لتعيش، أم تعيش لتأكل” وبعدها نبدأ بالضحك من هذا السؤال المحير المعضل ولم نكن ندرك حينها الفرق في الإجابة.

بعدما كبرنا ونضجنا، فإنني أظن أن الإجابة واضحة لي ولكم، في أننا نأكل لنعيش، وأن كثرة الأكل تضر بجودة العيش وتسبب الأمراض.

لم اكتب هذا الكلام لأناقش ذلك السؤال، وإنما لأطرح سؤالا آخر لم يهتد كثير من الناس برأيي إلى الإجابة عليه وهو: “أنعمل لنعيش، أم نعيش لنعمل؟”. لا شك أنّ العمل عبادة، ولا شك أنّ عمارة الأرض عبادة، لكن ما هذا قصدت، بل أقصد التالي: وصل بنا الحال أن كثيرا منّا ضلّ توازنه، فهو يعمل بلا توقف، وأصبح العمل عنده جلّ اهتمامه، ينام ويحلم في العمل وكيف ينمي ثروته. لا بأس، ولكن أين أنت من كل هذا، أين عائلتك، أين أهلك.

تصل الليل بالنهار في العمل، ولكن أين صحتك، أراك تأكل على عجالة في استراحة قصيرة، وأراك تشرب كأس القهوة تلو الآخر، وإن كنت من المدخنين فالسيجارة تلو الأخرى. تمرّ الأيام بسرعة، تنظر إذا جسمك قد تكدّست فيه الدهون والسموم.

تمرّ الأيام وإذا بأحدهم يتصل بك ويقول لك ابنك فعل كذا وكذا من الموبقات، فتصيح مستنكرا: إبني، مستحيل أن يفعل ذلك، أنّى له ذلك وكل الناس تشهد لي أنني “رجل جدع” وأنني شخصية مرموقة، ربيته أن يكون رجلا لا منحرفا. لكن الصراحة، أنت تخدع نفسك أو توهم نفسك أو “فاهم الامور غلط”. كيف تكون أنت من ربيته، وأنت تخرج من المنزل للعمل مع شروق الشمس وتداوم العمل تلو العمل حتى ينقضي نهار ويأتي آخر. متى كنت ترى ابنك؟!، يوم الجمعة لبضع ساعات أم عندما تذهب لرحلة تنفق فيها ما شاء الله لك أن تنفق من المال في أفخم فنادق تركيا أو غيرها.

أتظن أنّ التربية في أن تشتري لابنك أفخم الماركات، وأفخم الطعام وأن تغدق عليه المال، لا وألف لا. التربية أن تحضن ابنك كل يوم ما استطعت، التربية أن تكون أنت ملاذه إذا ضاقت عليه الدنيا، أن يعلم انّ أباه هو ملاذ سره وأنه حصنه المنيع الذي معه (بعد الله عز وجل) لن يصل إليه أحد. التربية أن تعيش مع ابنك يوما بيوم، وأن تقوّمه إن زلّ، أن تكون وتدا شامخا يتعلق بك لينمو مستقيما كما يوضع العود للشتلة الصغيرة لتنمو مستقيمة. أمّا أن تقوّم ابنك بعدما اشتد عوده فذلك شبه مستحيل لأنك سوف تكسره.

إذا كان ابنك بحاجة لكل هذا، لا تنسى أيضا أنّ لوالديك عليك واجبات، أن يرياك، أن تمازحهم أن تسهر معهم. وأين أم أبنائك من جدول حياتك، فأنت إن لم تعطها دعما ومسانده فهي أيضا لن تستطيع أن تمرر السعادة لأبنائك.

ما بالك لو كان الزوجان يعملان بلا توقف ويفضلان “الكارييرا” (التقدم المهني) على الحياة العائلية، أي أسرة ستُخرج إلى هذا العالم، أسرة تكنولوجية تقنية معدومة الأحاسيس جامدة. عائلة نشأت على البروتوكول الجاف، عمل ودراسة وأكل، ورحلة نهاية السنة أو منتصفها!!! هذه العائلة أشبه ما تكون كآلة منزوعة الأحاسيس.

في السابق كنّا نظنّ أنّ الشمس هي مركز الكون، لكن اليوم أقولها بقوة، أنت مركز الكون. الإنسان أعظم مخلوق خلقه الله عز وجل وكرّمه. في النهاية، اعلم أن ظروف الحياة صعبة، لذلك سدّدوا وقاربوا. وفي الختام، كلامي هذا ليس سوى وجهة نظر أرجو أن تتقبلوها بخالص حب واحترام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى