أخبار رئيسيةأخبار عاجلةتقارير ومقابلاتمحليات

جبل الكرمل ذاكرة المبدعين الفلسطينيين و”قدسية” المكان

يستوطن جبل الكرمل وجدان شعبنا الفلسطيني، ويأخذ نصيبا كبيرا في الذاكرة الوطنية، حتى إنه كان الشأن المفضل للمبدعين وبشكل خاص الشعراء، الأمر الذي ساهم في ترسيخ الهوية الفلسطينية للجبل في مواجهة محاولات المؤسسة الإسرائيلية المتواصلة لطمس هويته العربية.

يحظى جبل الكرمل بأهمية كبرى في التاريخ، ويعتقد أنه سكن في العصر الحجري القديم. فهو من الجبال الساحلية في فلسطين التي تطل على البحر الأبيض المتوسط، ويقع على ميناء مدينة حيفا وفي نهاية جبال نابلس.

وقد عثر المنقبون في “مغارة الواد” في الكرمل على أدوات من الصوان كانت تستعمل كمنجل أو سكين أو مقشطة، كما أنه عثر في “مغارة الطابون” و”مغارة السخول” على بعض الهياكل العظمية البشرية التي تعد حلقات بين الإنسان النياندرتالي والإنسان البشري الحديث.

وهناك آثار تعود إلى العصر الحجري الوسيط تدل على أن النطوفيين المنسوبين إلى “مغائر النطوف” شمالي القدس، عاشوا أيضا في مغائر جبل الكرمل ثم تبعتهم حضارات أخرى كالكنعانيين وغيرهم.

وأقام الكنعانيون العرب بعض مدنهم وقراهم في المناطق المجاورة وبنوا حيفا القديمة قريبا جدا من حيفا الحالية، وقد بقي منها بعض الآثار التي تدل على مكانها في جبل الكرمل.

وفي العصور التالية شهد جبل الكرمل جحافل الجيوش المصرية التي مرّت في طريقها إلى الشمال، فالفرعون سنوسرت الثاني سار بجانب جبل الكرمل عندما شن حملته على المدن السورية في الشمال. والفرعون تحتمس الثالث قطع الجبل من وادي عارة عندما هزم الأمراء السوريين والفلسطينيين قرب مجدو (تل المتسلم حاليا).

وورد اسم جبل الكرمل كذلك في رسائل تل العمارنة ونقوش رعمسيس الثاني في المعبد الذي أقامه في الأقصر احتفاء بالنصر على الحثيين في معركة قادش عام 1293 ق.م.

وقد مثل جبل الكرمل مأوى للمضطهدين في جميع العصور، فقد أوى إليه المسيحيون هربا من اضطهاد اليهود والرومان وأقاموا عليه ديرا وكنيسة. وكان الكرمل ملجأ لفصائل الثورة الفلسطينية الكبرى بين عامي 1936 و1939.

وقد اكتسب الجبل مكانة مقدسة في الديانات على اختلافها؛ فقد ذكر جبل الكرمل في “العهد القديم” ويقال إن معنى الاسم في اللغات السامية كالآرامية والعبرية هو “كرم إيل” ويعني “كرمة الله” (أو حديقته).

ويعتبر جبل الكرمل جبلا مقدسا عند بعض الطوائف المسيحية، ويقع دير سيدة جبل الكرمل على سفوح الجبل وهو دير يتبع للرهبنة الكرملية. وتذكر التقاليد المسيحية أن الدير يضم مغارة اعتكف فيها النبي إيليا أو إلياس حيث إن إكرام إيليا استمر في موقع المغارة وانتشر النساك في نواحي الجبل.

وفي الحقبة البيزنطية عاشت جماعة من النساك في مغارة إيليا (حيث يقوم الدير الحالي). وتذكر مصادر أن الأنبياء إلياس واليسع علما تلاميذهما الديانة في مدرسة الأنبياء، مقام الخضر اليوم. وقد انتصر النبي إلياس على أعدائه الوثنيين في منطقة جبل الكرمل، في المكان المقدس المنسوبة إليه كنيسة مار إلياس.

ويعتبر جبل الكرمل مقر أبرشية عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل للروم الملكيين الكاثوليك.

وقريبا من قدسية جبل الكرمل فهو يعتبر منتجعا صيفيا جميلا بمناظره وغطائه النباتي وإطلاله على ما يحيط به من سهول وسواحل يجذب إليه السكان والسياح للاصطياف والراحة أو لممارسة الرياضة البحرية والاستجمام بمياه البحر المتوسط القريبة.

وتبلغ مساحته قرابة الأربعمائة كم مربع، وترتفع أعلى قممه 546 مترا، وهو مشهور بخضرة وكثافة غابات السنديان، والبلوط والصنوبر واللوز والعنب.

وتتجلى مكانة الكرمل في وجدان الفلسطينيين بالوطن والشتات بخلع اسمه على فرق فنية، ومنتديات، ومراكز ثقافية، ومؤسسات وشوارع، ومحال تجارية. واستمدت مدينة حيفا بهاءها من وقاره وجماله فلقبت بـ “عروس الكرمل”. وحملت أقدم صحيفة في المدينة اسم الكرمل منذ أسسها الصحفي نجيب نصار عام 1908.

واختاره الشاعر الراحل محمود درويش اسما لمجلته.

وأعلن في عام 2013 أن موقع “مغائر جبل الكرمل” هو موقع للتراث العالمي من قبل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى