أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

الصهيونية الدينية ومهمة حراسة المُــقدس: هــل هي حرب مــفتوحة على الفلســطيني (11)

أدلجة الوعي

أدلجة الوعي

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

تاريخيا، شكّل التيار الديني الصهيوني أقلية داخل التيارات الصهيونية المختلفة فكريا وأيديولوجيا، ولكنه كان الأكثر ثباتا على فكرته وأيديولوجيته الدينية اليمينية والتزم تاريخيا بمواقف يمينية في السياقات السياسية، منطلقا من الموروث السياسي-الديني للراب كوك وابنه، في جدل العلاقة بين الدين والسياسة ومسائل الخلاص والخلاصية التي أُرسيت عميقا في الفكر الديني الصهيوني، وشكّلت نواة أساس في العلاقة مع الأرض والدولة والمؤسسات والجيش، مانحة تلكم التي ذكرت، نوعا من القداسة والألوهية، كما سأشير وأبين في المقالة التالية، وهو تأكيد لنوع من العصمة الجماعية وللفوقية العليا كونيا لليهودي الفرد والجماعة ممثلة بالدولة وما ينبثق عنها، وهو ما يعني بالضرورة أنّ ما دون ذلك، إمّا أن يكون خادما أو عبدا، وفي أحسن الأحوال متعاونا، وما عدا ذلك فهو عدو، وقد ظهرت عشرات الدراسات اليهودية الشرعية التي حاججت علاقة الآخر مع اليهودي، سواء كان هذا الآخر جوي (גוי: غير اليهودي/ الكافر) أو جار (גר: الأجنبي أي غير اليهودي الذي يعيش على ارض إسرائيل “الدولة ” وقبل على نفسه وصايا نوح عليه السلام، وأن يكون مختونا، لكنه لا يأكل وفقا لأحكام الشريعة اليهودية، وهناك تفاصيل أخرى تتعلق بهذا المصطلح في السياقات الشرعية والسياسية تتعلق في العلاقات مع اليهودي والعمل عنده وكيفية العمل والإسكان والتملك، وتثار في هذا السياق مسألة العلاقة معنا نحن ساكنة وأهل هذه البلاد في المنظور الشرعي اليهودي، هل نحن جوي أم جار ولكل في مثل هذا التفصيل أحكام خاصة) وفي العقدين الأخيرين ثمة مساجلات شرعية وتاريخية اتجاه هذه القضية، قضية العلاقة مع الآخر الفلسطيني في هذه البلاد، فقد وصلت بعض مجموعات التيار المنسوب للدينية الصهيونية- تلكم التي قدّمت الدين على الصهيونية داخل مدرسة الراب كوك ولم تقبل المزاوجة بين الدين والصهيونية بقدر قبولها استثمار الصهيونية كحالة غائية للوصول الى الحاكمية اليهودية- إلى بعض القناعات، بأن التخلص من الفلسطينيين صعبٌ للغاية مهما تكالبت عليهم الأحوال والظروف، أضحى العيش معهم وإلى جانبهم أمرٌ لا بدَّ منه، وإن كانوا لا يستسيغونه، الأمر الذي دفعهم للاستنجاد بالشريعة وأقوال الحاخامات، لتحقيق نوع من المُعايشة القسرية ضمن تنزيلات المنطق الشرعي المتعلق بمفهوم العلاقة بتعريفات الجوي والجار. لذلك تتم في هذه المرحلة الاستعانة بالتاريخ والايديولوجيا لتحقيق هدفين يتعلقان بوجود الصهيونية الدينية التي نجحت في العقود الأخيرة، أن تتغلغل إلى شرايين الدولة، لكن ما زال أمامها طريق طويل للسيطرة الكلية على مفاصل الدولة وهويتها، ليتم نقلها من الصهيونية العلمانية إلى الصهيونية الدينية، ومن ثم إلى محطتها الأخيرة، المحطة اليهودية، وهو هدف تعمل كما يبدو لي عليه بمثابرة وجدِّ، فيما الهدف الثاني، بناء الهيكل الثالث، باعتباره التجلي الأوضح لموضوع الخلاص من جهة، وأن إسرائيل تجل لهذا الخلاص الذي يعني من ضمن معانيه الأيديولوجية، أنها أي إسرائيل، معطى إلهي يستوجب تقديسه والاهتمام به، ومن ثم فمسألة الوجود تُمنحُ بعدا إلهيا يعني الحماية والحراسة الربانية لهذه الدولة، وعليه تقوم جمعيات دينية ويمينية بعمل مُضاعف- طبعا مدفوع الأجر من قبل الدولة المفترض انها محمية من إلههم- بملاحقة أهلنا في النقب والضفة الغربية والأغوار وكل أماكن تواجدنا الفلسطيني، لتخليص الأراضي المسماة أراضي دولة أو أراض يملكها أصحابها من غير اليهود، ولكن لا يملكون حق التصرف بها وفيها، كأن يبني بيتا أو يعمرها زراعة وعمرانا، متسلحة بالقوانين والإجراءات التي تسنها إسرائيل “العلمانية”، وفي ذات السياق تتم عملية تحريض منظمة على كل من يقول إن اليهود ليس لهم ذرة من حق في المسجد الأقصى المُبارك لا من قريب ولا من بعيد.

في كل هذا الذي ذكرت، يكون الفلسطيني المسلم وغير المسلم محورا في هذه الصيرورة باعتبار ما ذكرت في مقالاتي السابقة المحور الذي يتم الاجماع على أنّه العدو “العدو المشترك” وهو ما سيدخلهم لاحقا في محاججات داخلية في جدل العلاقة مع الفلسطيني المسلم باعتباره حتى هذه اللحظات ساكن هذه الأرض وصاحبها، وفي هذه الحيثية تحديدا، ترتفع أصوات المتشددين من هذا التيار الساعي لاستثمار لحظة الضعف العربي والفلسطيني والإسلامي لصالح تحقيق أكبر منجز على الأرض، باعتبار سياسات الأمر الواقع، وفي مقدمة ذلك ما يتعلق بالأماكن ذات القداسة العالية، كالمسجد الأقصى والقدس والخليل وعموم الضفة الغربية.

في هذا السياق، تتم داخل مكونات الصهيونية الدينية عملية أدلجة منظمة وممنهجة للتاريخ الإسرائيلي المُعاصر- وهو ما سأتناوله في مقالات قادمة، وتأثيرات ذلك على مسألتي الوجود والبقاء لساكنة هذه البلاد- ولجدل العلاقات مع المكون اليهودي العلماني والآخر العربي الفلسطيني وتحديدا المسلم.

جمهور التيار الديني الصهيوني محسوب في غالبيته المطلقة على اليمين السياسي والايديولوجي، ومنذ خمسة عقود تتخذ جماهير هذا التيار موقفا متشددا في المسائل الأمنية والسياسية والعلاقة مع الوجود الفلسطيني، ولا يتردد العديد من الحاخامات بإصدار الفتاوى في استباحة الانسان الفلسطيني وقتله، كما هو وارد في فتاوى الحاخامات دوف ليئور، ويهوشع مردخاي شميدن، حاخام مستوطنة “شافي شومرون” ورئيس المدرسة الدينية “برخات هتوراة”، وحاخامات آخرون وحاييم دروكمان الأب الروحي للصهيونية الدينية، الذي عمل النائب الفلسطيني عن القائمة الموحدة الاجتماع به لإقناعه بالانضمام إلى حكومة نتنياهو بعد معارضة مجموعته الانضمام الى حكومة يمينية يكون من بين أعضائها نواب عرب، وهذه المجموعة من الحاخامات هي عينها القائد الفعلي للتيار الديني الصهيوني ورعاة ما يسمون شباب التلال ويُعرف هؤلاء الحاخامات بدعمهم لـ “الإرهاب اليهودي” ضد الفلسطينيين.

كشفت هبة كرامة عن هذه المسألة، مسألة العلاقة بين صاحب البلاد الشرعي والوافد المتلبس بأثواب الدين والتدين وتقديس الأرض وجعل أنفسهم حُراسها المبعوثين لتحقيق تلكم الحماية، ولقد بيّنت الأحداث حجم تأثير هذه المجموعات ليس على المؤسسة الرسمية فحسب، بل وعلى المجتمع الإسرائيلي، وما الملاحقات الأمنية التي لا تزال قائمة، إلا أثرًا من هذه الأثار وما الأفلام الاستقصائية التي تقوم مختلف القنوات الإسرائيلية ببثها تباعا إلا تبيانا لهذه الحالة التي تتجه نحو صدام قادم سيكون أشدُّ أثرًا في مجريات الحياة وحركتها سواء ما يتعلق بالفلسطيني، الكل الفلسطيني، أو جماعات التطرف الديني اليهودي، الكل اليهودي.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى