أخبار عاجلةدين ودنيا

ماذا بعد رمضان؟

لئن كان شهر رمضان المبارك قد انتهى، فإن عمل المسلم لا ينتهي إلا بمفارقة روحه بدنه، قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين} وقال سبحانه عن عيسى عليه السلام: {وأوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حياً}.

وذكر لبعض  السلف أن أناسا يجتهدون في رمضان، ثم يتركون ذلك بعده، فقال: بئس القوم لا يعرفون الله تعالى إلا في رمضان!!

فلئن كان صيام الفرض في رمضان قد انقضى زمنه، فقد شرع الله تعالى للسابقين بالخيرات أيامًا تصام طوال العام، أولها صيام الست من شوال، ففي صحيح مسلم: من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر”.

وصيام الاثنين والخميس، كما في حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تُعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم”. رواه الترمذي.

أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر، و الأولى والأحسن أن تكون أيام البيض وهي: الثالث عشر و الرابع عشر والخامس عشر من الشهر العربي، لحديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة”. رواه الترمذي و النسائي.

وإلا صام ثلاثة أيام من أي شهر، لحديث أبي هريرة: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث… وأن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر.

وصيام شهر الله الحرام، ففي صحيح مسلم: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الصيام أفضلُ بعد شهر رمضان؟ قال: “أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم”.

وصيام يوم عرفة، فإنه يكفر سنتين: ماضية وباقية، كما في صحيح مسلم. وصيام عاشوراء يكفر سنة ماضية، وغيرها من التطوعات.

ولئن كان قيام رمضان قد انتهى، فإن قيام الليل هو دأب الصالحين الأخيار دائمًا، كما قال صلى الله عليه وسلم: “عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربةٌ إلى الله تعالى ومنهاةٌ عن الإثم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد”. رواه أحمد والترمذي والحاكم عن بلال رضي الله عنه.

وقوله تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون}. السجدة.

وقوله: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا * وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا * والذين يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا}. (الفرقان: 63 -65).

وقوله تعالى: {كانوا قليلًا من الليل ما يهجعون * و بالأسحار هم يستغفرون}. (الذاريات: 17 -18) ليس خاصًا برمضان، بل هي سمةٌ من سماتهم، و صفة من صفاتهم.

ولما ذُكر عبد الله بن عمر للنبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم الرجل عبد الله، لو كان يقوم من الليل، فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلًا. رواه البخاري.

وقال: لا تكن مثل فلان! كان يقوم الليل فتركه.

وهذا يدل على أن ترك قيام شيء من الليل نقص في إيمان الرجل وعمله، وقيام الليل يتحقق ولو بركعتين بعد العشاء ثم يوتر بركعة، وأفضله بعد شطر الليل أو في ثلثه الأخير.

وعبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أيها الناس أفشوا السلام، و أطعموا الطعام، و صلوا الأرحام، و صلّوا بالليل و الناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام”. رواه الترمذي.

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى ترم قدماه، وفي رواية: ساقاه. رواهما البخاري.

ولئن كان رمضان هو شهر القرآن الذي أنزل فيه، ويكثر فيه المسلمون من قراءته وسماعه في أيامه ولياليه، فإن المؤمن لا يهجر كتاب الله تعالى في غير رمضان، بل هو كتابه الأول يتلوه ليلًا و نهارًا، سرًا و جهارًا، سفرًا و حضرًا، لا يفارقه أبدًا، قال عز وجل: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به} (البقرة: 121)، و قال سبحانه: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور} (فاطر: 29).

وقد أثنى الله تعالى على طائفة من أهل الكتاب بقوله: {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل و هم يسجدون} (آل عمران: 113).

وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالمحافظة على قراءته ومعاهدة حفظه، فقال: “تعاهدوا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشدُّ تفصيًا من الإبل في عقلها”. متفق عليه.

ولئن كان رمضان هو شهر الزكاة لأكثر المسلمين، فإن انفاق المنفقين الخيرين لا ينقضي ولا ينتهي، بل هو مستمر دائم، كما قال الله عز وجل: {الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (البقرة: 274).

وقال: {والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل و المحروم }. ( المعارج: 25-26).

وهذا يدل على دوام إنفاقهم في كل وقت وحين، وليس خاصاً بزمن دون زمن.

لأن الفقراء والمساكين حاجاتهم مستمرة، فلا يغفل عنهم المسلم بقية السنة.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، لكن هو صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس دوما، بل كما وصفه أصحابه أنه ما سئل شيئاً قط فقال: لا.

وجوده كان بكل أنواع الجود، بالمال وبالعلم وبالبدن وبالجاه.

ولئن كان شهر رمضان هو شهر إطعام الطعام للفقراء والأقرباء والجيران، فينبغي أن يدوم ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر رضي الله عنه: “يا أبا ذر، إذا طبخ أحدكم قدراً فليكثر مرقها، ثم ليناول جاره منها”. رواه الطبراني في الصغير.

والمسلم الحق من يخاف من عدم قبول الاعمال، قال تعالى (إنما يتقبل الله من المتقين). المائدة : 27.

وكان السلف يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله،  وهؤلاء الذين قال الله فيهم (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة). المؤمنون: 60.

وهذا من حذرهم أن يكون العمل فيه دغل، كأن يكون لغير الله تعالى، أو يكون فيه خلل أو نقص يوجب فساده.

ويروى عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: ياليت شعري! من هذا المقبول فنهنيه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه؟!

ولا بد من العلم أن تكفير السيئات في رمضان، مشروط بترك الكبائر من الذنوب، كما قال عليه الصلاة والسلام: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن، إذا اجتنبت الكبائر”. رواه مسلم.

فاللهم نسألك دوام فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا، وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، يا سميع الدعاء…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى