أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودوليومضات

واشنطن بوست: بعد خسارة الانتخابات.. لماذا عاد بنكيران رئيسًا لحزب «العدالة والتنمية» المغربي؟

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تحليلًا لباتريك شنايدر، باحث متخصص في سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تناول فيه ما الذي يمثله عبد الإله بنكيران، رئيس الوزراء المغربي الأسبق، للحياة السياسية في المغرب، إذا تولى رئاسة حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي، وللقصر الملكي والساحة السياسية في البلاد بوجه عام.

يستهل الكاتب تحليله بالإشارة إلى أن الحزب الإسلامي الشرعي الوحيد في المغرب، حزب «العدالة والتنمية»، تعرض لهزيمة محرجة في الانتخابات التي أجريت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بعد قيادته للحكومة المغربية لمدة 10 سنوات. وعلى الرغم من أن برلمان البلاد جاء منتخبًا، يظل المغرب دولة استبدادية يحتفظ فيها الملك بسلطات مطلقة.

 

بعد هزيمة مدوية!

ويوضح الكاتب أن نفوذ ملك المغرب أصبح الآن أكبر من ذي قبل بعد فوز الأحزاب المتحالفة مع القصر في الانتخابات الأخيرة. ولم يفز حزب العدالة والتنمية في تلك الانتخابات إلا بـ13 مقعدًا في البرلمان، بعد أن كان يشغل 125 مقعدًا في البرلمان قبل خسارته في الانتخابات. وكانت الخسارة التي مُني بها الحزب تعد انتكاسة خطيرة، فقد فاز بثقة الناخبين في بداية الأمر بسبب ما قدمه من وعود بإجراء إصلاحات ديمقراطية واقتصادية تدريجية بعد حقبة احتجاجات الربيع العربي.

ويلفت الكاتب أنه ردًّا على تلك الهزيمة، صوَّت أعضاء «العدالة والتنمية» بأغلبية ساحقة يوم السبت الماضي لإعادة تعيين عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية الأسبق ذي الشعبية الضخمة، في منصب رئيس الحزب، ليحل محل سعد الدين العثماني الهادئ والمتواضع، بحسب وصف التقرير، الذي يعتقد بعض المُعلقين أنه يتحمل مسؤولية تراجع شعبية الحزب. وفي حين أن بنكيران قاد حزبه إلى تحقيق انتصارات متتالية غير مسبوقة في 2011 و2016، أقاله الملك محمد السادس في أوائل عام 2017 بعد انهيار محادثات ائتلافية مطولة مع الأحزاب المدعومة من القصر. ورأى كثير من المعلقين أن إقالة ببنكيران علامة على أن القصر قد سَئِم الخطاب الشعبوي لرئيس الوزراء صاحب الشخصية الكاريزمية.

لكن لماذا تعرَّض حزب «العدالة والتنمية» لهذه الهزيمة المدوية في انتخابات سبتمبر؟ وهل من الممكن أن تسفر إعادة تعيين بنكيران زعيمًا للحزب إلى وقف مسار تراجع شعبية الحزب الإسلامي؟

 

صعود «العدالة والتنمية» إلى السلطة

يستدعي الكاتب إلى الأذهان حقبة صعود «العدالة والتنمية» إلى السلطة، والذي تزامن مع وصول أمواج احتجاجات الربيع العربي إلى شطآن المغرب في بداية عام 2011، لكن ملك المغرب استجاب سريعًا ودعا إلى إجراء انتخابات مبكرة ووعد بإجراء بعض الإصلاحات الدستورية التي من شأنها تقليص بعض سلطاته لصالح الحكومة المنتخبة.

وفي الوقت الذي كانت فيه تلك الإصلاحات سطحية إلى حد كبير، بحسب وصف التقرير، طالبَ أحد بنود هذه الإصلاحات الدستورية المهمة الملك باختيار رئيس الحكومة من الحزب الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان. وعندما فاز حزب «العدالة والتنمية» بالانتخابات التي أُجرِيت في أواخر عام 2011، اضطُر الملك إلى تعيين عبد الإله بنكيران رئيسًا للوزراء آنذاك، على الرغم من التوترات التي دامت لعقود بين القصر والإسلاميين.

وبمجرد وصول «العدالة والتنمية» إلى السلطة، لم يتصرف الحزب بوصفه حزبًا إسلاميًّا، وجاء أداؤه متطابقًا إلى حد كبير مع ما توقَّعه أي خبير في العلوم السياسة من أي حزب سياسي منتخب ليس لديه إلا القليل من السلطات المؤسسية العملية. وقد قاد بنكيران بدأب مبادرات النظام المغربي من خلال البرلمان، والتي تشمل إنهاء إعانات دعم الوقود ورفع سن التقاعد. كما أنه لم يضغط في ذلك الوقت في اتجاه تبني سياسات محافظة اجتماعيًّا من التي يُفضلها الناخبون الإسلاميون.

وعلى الرغم من أن الدستور الجديد نقل ظاهريًّا مزيدًا من السلطات إلى الحكومة المنتخبة، فإن بنكيران وأعضاء البرلمان تحاشوا مواجهة القصر بشأن صلاحياته. ورفض رئيس الوزراء آنذاك، على سبيل المثال، تأكيد حق الحكومة في تعيين رؤساء الشركات الكبرى التي تديرها الدولة، وفضَّل، بدلًا من ذلك، إرجاء الأمر لكيلا يصطدم مع القصر.

 

لماذا أقال الملك بنكيران من رئاسة الوزراء؟

يستدرك الكاتب متسائلًا: إذن كيف كان بنكيران يُشكل خطرًا على القصر؟ وللإجابة عن هذا التساؤل، استشهد الكاتب بدراسة جديدة أجراها بالتعاون مع صوفيا فينر، خبيرة الشؤون السياسية، اعتمد فيها على عدد مكثف من المقابلات وبعض التحليلات لخطابات بنكيران وتصرفاته من أجل الوقوف إلى الأسباب التي دفعت القصر لبذل قصارى جهده لتهمِيشه في أوائل عام 2017، ولماذا قد تمثل عودته إلى السياسة بعض الإزعاج والمتاعب للملك محمد السادس.

يؤكد الكاتب أن بنكيران لم يطالب أبدًا بتغيير النظام ولم يتجاوز أي خطوط حمراء واضحة. لكن شخصيته التي تتسم بالكاريزمية وأسلوبه الشعبوي غير الرسمي، بالإضافة إلى ولعه بإصدار تعليقات صغيرة لاذعة، أدَّت إلى أن أصبح موضوعًا للشائعات والقيل والقال عند الملك، ما ورطه في إصلاحات متعثرة ووعود كاذبة. ولطالما قدَّم ملوك المغرب أنفسهم على أنهم يترفَّعون عن المشاركة في صراعات السياسة اليومية وأنهم فوق عامة الشعب، وأنهم يؤدون دور الحاكم المحايد دون أن تتسخ أيديهم بألاعيب السياسة. لكن بنكيران وضع كل ذلك موضع شك وتساؤل.

وفي إحدى المقابلات التي أُجرِيت في عام 2016 وحظيت بتغطية إعلامية هائلة، أصرَّ بنكيران قائلًا: «ليس مطلوبًا منِّي إرضاء الملك، وإنني لن أرضي سوى الله الذي خلقني وأرضي أمي». وقد أثار هذا التصريح غضب القصر، لأن بنكيران أشار بصورة جزئية إلى أن الملك لا يختلف عن أي شخص آخر. وفي مقابلة أخرى، أوضح بنكيران سبب عدم انحنائه أمام الملك كما هو متعارف عليه، قائلًا إن «الملك ملكنا ونحن نحترمه كثيرًا، لكن الشعب المغربي لا يركع إلا لله!»، وفي إحدى مرات ظهوره في تجمع لحزب «العدالة والتنمية» بعد أن أقاله الملك، ذكَّر بنكيران الحاضرين بأن «الملك ليس إلهًا، وهو مجرد بشر يصيب تارة ويخطئ أخرى».

وألمح الكاتب إلى أن بنكيران كان يعلن مرارًا أنه كان «مجرد موظف لدى الملك». إذ صرَّح في إحدى المقابلات التي أجريت عام 2016: «جلالة الملك يحكم المغرب. ورئيس الوزراء يساعد الملك ببساطة. ونتيجةً لذلك، فإن جلالة الملك أمام الله والشعب هو الشخص الذي يتحمل المسؤولية الحقيقية للوطن وقيادته واستمراريته».

 

سلطات دون صلاحيات

ينوه الكاتب إلى أن بنكيران، مثل غيره من رؤساء الوزراء في برلمانات الأنظمة الاستبدادية، تولَّى المنصب مع قليل من السلطات المؤسسية أو الإجرائية، أو القدرة على صنع السياسات واتخاذ القرارات. ومع ذلك، تمكن بنكيران، من خلال شخصيته الكاريزمية وبلاغة خطاباته، من ممارسة نوع مختلف من السلطة. إذ ساعدت تصريحاته في تحويل الملك من شخصية محصَّنة عادة من ذكرها في النقاشات العام إلى موضوع للمحادثة اليومية بين عامة الشعب.

ومن خلال تحدثه بوضوح عن سلطاته المحدودة، استطاع بنكيران توريط النظام الملكي في أنه المسؤول عن تبني سياسات لم تحظَ بتأييد شعبي وإعاقة الإصلاحات الديمقراطية. ومع أن بنكيران لم يلقِ اللوم أبدًا على الملك بصورة مباشرة، فإن كلماته حفَّزت الشعب المغربي لفعل ذلك، وبالفعل بدأ كثير منهم، في السنوات الأخيرة، في تحميل الملك المسؤولية مباشرة.

ودلل الكاتب على أن أسلوب بنكيران الخطابي كان يمثل تهديدًا للقصر بالقدر الكافي، لدرجة أنه دفع الملك للانخراط في مواجهة علنية لإطاحته في أوائل عام 2017؛ إذ تدخل مباشرة في سياسات البرلمان لإقالته. وكان الشخص الذي حل محله هو سعد الدين العثماني، الشخصية غير الكاريزمية، الذي كان رئيسًا لحزب العدالة والتنمية خلال خسارة انتخابات سبتمبر.

ويختم الكاتب تحليله بالتأكيد على أنه من غير الواضح هل سيكون بنكيران قادرًا على إصلاح سمعة حزبه الذي ظل في السلطة لمدة عقد من الزمان أم لا، وخصوصًا بعد تبنيه سلسلة طويلة من سياسات لم تحظَ بتأييد شعبي. وفي الوقت الراهن، يرى معظم المغاربة أن حزب العدالة والتنمية يختلف بعض الشيء عن الأحزاب الأخرى التي يراها انتهازية وتهيمن على المشهد السياسي في المغرب. لكن عودة بنكيران رئيس الوزراء الأسبق، صاحب الشخصية الكاريزمية، إلى ممارسة شؤون السياسة قد تؤدي إلى زعزعة المشهد السياسي وإفساح المجال أمام تحديات جديدة لعامة الشعب المغربي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى