الفقر في المجتمع العربي.. واقع اليم تغذيه السياسات الإسرائيلية
المستشار الاقتصادي هاني نجم يستعرض لـ "المدينة" رؤيته حول تنجيع الوضع الاقتصادي للعرب في البلاد

المستشار الاقتصادي هاني نجم يستعرض لـ “المدينة” رؤيته حول تنجيع الوضع الاقتصادي للعرب في البلاد
عائشة حجار
على الرغم من زيادة نسبة خريجي الكليات والجامعات العرب، التي تضاعفت خلال العقد الأخير ليصبح تمثيل الطلاب العرب في الاكاديميا قرابة الـ 20%، والزيادة المستمرة في عمالة النساء، إلا أنّ الداخل الفلسطيني يعاني من الفقر في صورة تبعث في الاذهان صفات مجتمع في العالم الثالث. حيث تقبع أكثر من نصف العائلات العربية تحت خط الفقر مقابل 13% من العائلات اليهودية بحسب التصنيف الاسرائيلي لمعطى الفقر. كما تتذيل قائمة السلطات المحلية الأكثر فقرًا في البلاد، 8 سلطات العربية وسلطتين يهوديتين من المجتمع الحريدي.

يرتبط التفسير الرئيس لنسبة الفقر العالية في المجتمع العربي بمعطى أساسي هو الرواتب. ويظهر أن معدل الدخل الشهري لرجل يهودي بين أجيال 25-64 يصل إلى 15،500 شيكل، بالمقابل فإن معدل الدخل الشهري لرجل عربي في نفس فئة الأجيال يبلغ فقط 9 آلاف شيكل. يمكن الادّعاء أن الفوارق في التحصيل العلمي بين المجتمعين العربي واليهودي تؤدي إلى الفوارق في الرواتب، غير أن معطى آخر يفند هذا الادّعاء، حيث تبين من المعطيات بحسب معطيات المكتب المركزي للإحصاء، أن اليهودي الحاصل على لقب أول يربح شهريا نحو 16،500 شيكل بالمعدل، في المقابل يربح العربي صاحب اللقب الأول 9،350 شيكلا، والفرق هنا 76% لصالح الأكاديمي اليهودي. أمّا النساء العربيات فمتوسط راتبهن هو 5370 شيكل فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار العاملين والعاملات دون سندات أجرة (تلوش)، كما تقول س (الاسم محفوظ في ملف التحرير) ابنة الستة والعشرين عامًا، والتي تحمل لقبًا من إحدى دور المعلمين في البلاد: “أعمل اليوم في مركز تجميل بعد أن تقطعت بي السبل، فلم أجد وظيفة كمعلمة واكتشفت أنّ معظم زميلاتي تحولن إلى دراسة مواضيع مختلفة لضمان التوظيف”.
وتضيف: “دخل فرد واحد لا يكفي لإعالة أفراد البيت، ولذلك كان عليّ أن أخرج للعمل، بعد بحث طويل وجدت عملًا في معهد تجميل بدون صك راتب، وأعمل خمسة ايام في الاسبوع مقابل 2500 شيكل، أصرف معظمها على المواصلات وحضانة الأطفال”.
تختم (س) بالقول: “أنا لست حالة خاصة، ففي الكثير من العائلات العربية تعمل النساء والبنات مقابل أقل من الحد الأدنى للأجور، وكذلك الرجال يعملون مقابل أجور بسيطة لا تكفي لإعالة البيت. نحن نحتاج إلى حل سريع لأن أطفالنا يكبرون دون مستقبل”.
حول الأسباب الرئيسية للفقر في مجتمعنا، التقت صحيفة “المدينة” بمراقب الحسابات والمستشار الاقتصادي والتنظيمي الناشط هاني نجم، من مدينة الناصرة، والذي أكدّ على دور السياسات الإسرائيلية في افقار المجتمع العربي.
المدينة: ما هي أسباب الأزمة الاقتصادية في المجتمع العربي؟
نجم: هنالك عدة أسباب، أولها سياسات حكومية ظالمة تمييزية، وهذا سبب يعتبر أساسيا- باعتقادي- وتغيير هذه السياسات هو حاجة في غاية الأهمية من أجل تحسين فرص التطور والنجاح لدى المواطنين العرب في البلاد. مثلًا، في عام 2015 ومن أجل التجاوب مع مطالب صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي (OECD)، أجرت الدولة تغييرات اقتصادية بهدف تقليص الفجوات المجتمعية والاقتصادية بين المواطنين، وذلك بالتعاون مع قيادات المجتمع العربي في الكنيست والسلطات المحلية، حيث طُرحت خطة 922 لزيادة الميزانيات للمجتمع العربي، في البداية ادّعت السلطات أنها رصدت 15 مليار شيكل للمجتمع العربي لـ 5 سنوات، وكما يعلم الجميع لم يتم تطبيقها بالكامل، إذ تمّ صرف أقل من 50% من الأموال المرصودة للخطة وبالتأكيد هذه لم تكن كافية لتطوير مجتمعنا العربي. هذا لا يعني أن الخطة لم تجلب بعض الفوائد، ولكن مقارنة مع ما كنّا نحتاجه إلى جانب القصور في تطبيق الخطة، لم يتحقق المنشود للمجتمع العربي. أمّا السبب الثاني، فهو عدم وجود رؤية واستراتيجية عمل، واهداف واضحة للمدى القصير والمتوسط والبعيد، ومجتمعنا في الحقيقة يفتقر لخطط عمل تتجاوز التنظير وطرح الأفكار ووجهات النظر، نحن نفتقد استراتيجيات واضحة للعمل ولا نملك منظومات مرتبة للتشاور والتخطيط والتنفيذ والتقييم والمراقبة، والمشكلة تكمن في أن القيادات الحالية تخشى النقاش والحوار الواضح والشامل في كل هذه الأمور”.

ويشير نجم إلى أن فقدان المؤسسات والخلط بين الوظائف المختلفة، حيث أنّ الكثير من المؤسسات الموجودة في مجتمعنا العربي تعمل من خلال أجندة وتبعية واضحة لفئات معينة، وهذه المؤسسات تغطي جزءا صغيرا من المواضيع والحاجيات، وفي كثير من الأحوال يكون التواصل والتفاعل بينها وبين جمهور الهدف صغير وقليل”.
ويضيف “هناك تيارات سياسية كبيرة في مجتمعنا، برامجها السياسية تحمل مشروع بناء المؤسسات، لكنها في الحقيقة تطرحه فقط للاستهلاك الكلامي”.
أمّا فيما يتعلق بسوق العمل، فيشير الخبير الاقتصادي هاني نجم، إلى غياب منظومات عمل واضحة، مضيفا أن “وجود استراتيجية وخطط عمل ووجود مؤسسات مجتمعية والرغبة في التطوير، لا تكفي ولن تنجح دون وجود آليات ومنظومات عمل واضحة للتنفيذ للتشبيك والتعاون، والتقييم والمراقبة والتصحيح وتقديم التقارير لما يحدث، وتقسيم الوظائف والمسؤوليات بين القطاعات والفئات المختلفة، كل حسب مهاراته وإمكانياته”.
وحول المطلوب لكي ينهض مجتمعنا من موقعه وينتقل بأفراده إلى أحوال أفضل، استعرض نجم عدة نقاط: أولها، تحديد رؤية واستراتيجية لمجتمعنا، ماذا نريد؟ متى نريد ذلك؟ ما المطلوب منا ليحدث ذلك؟ كيف سنقوم بتنفيذ المطلوب؟ متى سيحدث؟ هذه مجموعة أسئلة يجب أن تطرح من خلال حوارات موسّعة وشاملة بمشاركة مفكرين مختصين، قياديين والسواد الاعظم من مجتمعنا، وحين نحصل على إجابات واضحة وعلمية على هذه الأسئلة سيكون سهلا علينا تقييم كل خطواتنا والتخطيط بشكل صحيح للمستقبل”.
كما يؤكد نجم على أهمية بناء المؤسسات، مثل هيئة تمثيلية عليا منتخبة، نقابات مهنية، نقابات أكاديميين، عمال، تجار، رجال أعمال، اتحاد جمعيات، ملتقى رجال دين، منتدى شبابي، اتحاد حراكات وغيرها، مشدّدا على أهمية بنائها بشكل مدروس والتشبيك فيما بينها بطريقة تضمن استقلالية العمل لكل مجموعة من ناحية، ولكن تضمن التعاون بينها وبين الآخرين حين الحاجة.
وزاد في هذا الجانب قائلا: “لجنة المتابعة بتركيبتها الحالية وأسلوب عملها وبرامجها لا ترتقي للمطلوب، هناك الكثير من التنظير والتخطيط دون تنفيذ، فمثلا طرحت لجنة المتابعة للسنة الرابعة، مشروع “تنمية القدرات البشرية في المجتمع العربي”، وفيه طُرحت أفكار رائعة ورغبات ممتازة، لكن دون آليات عملية حقيقية ودون إمكانية تحقيق قفزات ترتقي لما يحتاجه المجتمع”. ويؤكد نجم “أن العمل الوحدوي المشترك مع طاقات تراكمية كبيرة لكافة المؤسسات المجتمعية والسياسية يضمن النجاح، التميز والتأثير، ويضمن التفاعل الشعبي والجماهيري مع فعاليات نضالية وشعبية ترغب القيادات بالقيام بها لتحقيق إنجازات مجتمعية من خلال مسارات غير مرتبطة في الكنيست. كذلك هذه المؤسسات أو جزء منها تكوّن أساسا قويا لبناء علاقات اقتصادية تعاونية واستثمارية، لا تكتفي بالتنظير والتخطيط، بل تبادر لمشاريع عملية لمصلحة الأفراد وتعود بالفائدة على المجتمع كله، كما تبادر لإقامة الشراكات المالية والاستثمارية في مجالات تطويرية لدعم التطوير التكنولوجي، الصناعي، الزراعي وغيرها في مجتمعنا”.
كما يلفت إلى أهمية تحديد منظومات عمل واضحة ويقول: “في عصر التكنولوجيا ما أسهل بناء منظومات التنظيم التخطيط التشبيك المراقبة التقييم والشفافية، ومجتمعنا فيه طاقات رائعة في المجال الإداري من ناحية، وفي المجال التكنولوجي من ناحية أخرى، فبناء مؤسساتنا مع منظومات كهذه ستنقل مجتمعنا وطاقاته إلى مكان أفضل بكل تأكيد”.
في سؤال عن الميزانية العامة للدولة والمطروحة للمصادقة وإن كانت الميزانيات المخصصة للمجتمع العربي كافية، ختم هاني نجم حديثه لـ “المدينة”، بالقول: “وجود ميزانية للدولة بشكل عام هو أمر مهم من أجل الدفع بالعجلة الاقتصادية العامة التي تؤثر على الجميع، للميزانية المطروحة إيجابيات وسلبيات، ولو كانت لدينا الفرصة لبناء وتقسيم مصاريفها لكان شكل الميزانية مختلفا تماما لصالح خدمة مجتمعنا والطبقات الضعيفة بشكل أكبر، من خلال عدالة اقتصادية وسياسات تصحيح شاملة، وكذلك معالجة أثر سياسات العسكر والاحتلال، لكن في الحقيقة نحن أقلية أصلانية مقابل أغلبية يهودية ترفض تصوراتنا وحقوقنا، لذلك المطلوب في هذه المرحلة التعاون للحصول على أكبر قدر من الإنجازات والميزانيات”.



