أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (88): أضغاث أحلام.. من “دولة” بن غوريون إلى “دولة” سموطرتش

حامد اغبارية

ليس بتسلئيل سموطرتش وحده ولا حزبه ولا عقيدته المتطرفة فقط هم الطرف الوحيد الذي يحلم بأن يستيقظ ذات صباح فلا يجد فلسطينيا واحدا في البلاد. إنها عقيدة كلِّ الذين رضعوا حليب المشروع الصهيوني.

لذلك جاء تصريح سموطرتش الأخير الذي قال فيه إن العرب الفلسطينيين في الداخل موجودون بطريق الخطأ لأن بن غوريون لم يُنهِ المهمة عام 1948.

لم يُنهِ بن غوريون مهمة تهجير جميع الفلسطينيين واقتلاعهم من وطنهم بعد هدم بيوتهم وقراهم، لكنه كان يعضّ أصابعه ندما لأنه لم يكمل جريمته، فقد كان يسعى منذ عشرينات القرن الماضي إلى إنشاء “الوطن القومي” لليهود في فلسطين خالية من أي فلسطيني. لذلك فإن مقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” لم تأت من فراغ. وهي مقولة تعكس حقيقة المشروع الصهيوني. فهم بالتأكيد كانوا يعرفون أن في فلسطين شعبا ومجتمعا متطورا مُنتجا ومتفاعلا له ثقافة هي الأكثر تطورا في المنطقة ولها امتدادها الحضاري الذي لا يخفى على أحد، لكنهم أرادوها أرضا خالية ليس فيها أحدٌ عن طريق التهجير والإخلاء والتدمير والإخفاء؛ تهجير الفلسطيني، وإخلاء المكان وتدمير المدن والقرى والتجمعات وإخفاء المعالم والآثار والشواهد وطمسها. لكن “العتمة ما أجت على قدّ إيد الحرامي”. فقد فرضت تطورات الحرب عام النكبة ظروفا وتداعيات كان من نتائجها أن بقي في الوطن الفلسطيني النازف ما يزيد على 150 ألفا من أصحاب الأرض والتاريخ والجغرافيا والرواية فرضوا وجودهم رغم أنف بن غوريون ومن جاءوا بعده، وهم الآن يفرضون وجودهم وهويتهم وقد اقترب عددهم من المليونين، رغم أنف سموطرتش وعصابته ومن يشد على يديه.

يقولون إن بن غوريون هو من مؤسسي حزب “المباي” (حزب عمال أرض إسرائيل)، ويقولون إن هذا الحزب يساري اشتراكي (يعني من النوع البرنجي!!). ويقولون أيضا إن حزب “المعراخ” ومِن بعده “حزب العمل” من ثمار أحشاء ذلك الحزب التي أكملت طريقه. فهم جميعا كان لهم – وما يزال- هدف واحد، استكمال نكبة شعبنا التي بدأتها العصابات الصهيونية ونفذها بن غوريون وزملاؤه من أعضاء مافيا المشروع الصهيوني. فالمسألة، إذًا، ليست مسألة يمين ويسار كما تصور الأمر بعض التيارات والأطر السياسية العربية التي تلعب في ملعب السياسة الإسرائيلية حتى أوصلت مجتمعنا إلى الخراب.

كان بن غوريون ذاك يكنّ عداء شديدا للعرب وللمسلمين، ولم يترك مناسبة إلا وعبَّر فيها عن مشاعره، باذلا كل مسعى لإخراج هذه المشاعر إلى الواقع. وكان يحمل عقيدة تقول إن وجود العرب (الفلسطينيين) يشكل العقبة الأولى في طريق تنفيذ أهداف المشروع الصهيوني. وهذا يعني أنه حتى ينفّذ المشروع فلا بد من إزالة العقبة. وقد اعتاد ذلك الكولونيالي العجوز أن يقول في مناسبات مختلفة إن هذه الأرض هي ملك للشعب اليهودي فقط ولا يجب أن يكون فيها غيرهم، وإن حدود “إسرائيل”، من حيث البعدين التاريخي والإستراتيجي، ليست في حدود فلسطين التاريخية بل تمتد إلى شرقي نهر الأردن وحدود نهر الليطاني شمالا، والعريش والعقبة وطابا جنوبا. وبطبيعة الحال نحن نعرف أن أهداف المشروع الصهيوني فيما يتعلق بالجغرافيا هي أكبر بكثير من ذلك. فالمدرسة الجوبتنسكية تتحدث عن دولة من النيل إلى الفرات. ولهذا حرص بن غوريون على عدم ذكر حدود “دولته الجيدة” في إعلان قيامها. فقد “قبل” بن غوريون نظريا بتقسيم البلاد حسب قرار الأمم لمتحدة عام 1947، وعمل من أجل تحقيقه، لكن عينه كانت على الهدف الأكبر: منطقة أوسع تضم الأردن ولبنان وسيناء، وخالية من أي أثر بشري أو حجري للفلسطيني. بل إن هذا “الحلم” الذي أصبح جزءٌ كبير منه حقيقة، كان بن غوريون وزملاؤه قد قدموا فيه ورقة مرفقة بخريطة إلى مؤتمر فرساي سنة 1919، الذي عقد عقب الحرب العالمية الأولى، بعد أن وقعت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني، تمهيدا لتسليمها للحركة الصهيونية استنادا إلى وعد بلفور من سنة 1917. ومقابل مشاركة الحركة الصهيونية في ذلك المؤتمر، منع الاحتلال البريطاني ممثلي الشعب الفلسطيني والحكومة المصرية من المشاركة. وكانت الرسالة واضحة: الدولة العثمانية وقفت في وجه الحلم الصهيوني، وها نحن – دول أوروبا المنتصرة في الحرب- نعلن إسقاط الدولة العثمانية في الطريق إلى تسليم فلسطين للحركة الصهيونية. وها نحن – من أجل تحقيق هذا- ننشئ عصبة الأمم، ومؤسسات دولية أخرى للعمل على تحقيق ذلك. بل حتى القرارات التي صدرت عن تلك الجهات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة لاحقا (أنشئت عقب الحرب العالمية الثانية)، والتي تبدو في ظاهرها أنها لصالح العرب والفلسطينيين، إنما هي في حقيقتها وسيلة من وسائل تمكين المشروع الصهيوني (موضوع قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين يحتاج إلى دراسة مستقلة تبيّن هذه الحقيقة). بل إنك تلاحظ أنه بعد كل حرب (عالمية) حقق المشروع الصهيوني خطوات نحو تحقيق حلمه، بينما دفع العرب والفلسطينيون الثمن الأكبر. والنتائج والحقائق ماثلة أمامنا الآن.

لقد اعتاد بن غوريون أن يقول إن انتهاء الحرب عام 1948 دون ضم الضفة والقطاع مصيبة ستبكي عليها الأجيال. ولذلك نستطيع أن ندرك الآن أن حرب 1967، وقبلها حرب سيناء 1956، إنما هي خطوات نحو تحقيق الحلم الصهيوني الأكبر: إخلاء الأرض من أهلها والتوسع على أكبر رقعة أرض ممكنة.

ولما جاءت النتائج مختلفة (قليلا) عن الأهداف، وبقي جزء من أبناء شعبنا في وطنهم، كانت سياسة بن غوريون أن هؤلاء لا يستحقون العيش أصلا، ولكن طالما أنهم موجودون، وطالما أنه ليس ممكنا الآن التخلص منهم وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم في الشتات، فإنهم سيبقون مجرد مجموعة بشرية تأكل وتشرب، لا تستحق المساواة، لأن قيمتهم أقل من أبناء شعبه، وفي التالي لا يمكن مساواتهم بهم في الحقوق. وهذه النظرية الـ “بن- غوريونية” ما تزال سياطها تلسع جلودنا صباح مساء. أقول هذا تحديدا ليس فقط للغافلين من أبناء شعبنا، بل للذين أوهموا قطاعا واسعا من هذا الشعب أن المساواة ممكنة بالنضال السياسي داخل ملعب السياسة الإسرائيلية.

لذلك فإن ما قاله سموطرتش هو تعبير عن واقع الحال، وانعكاس لما في صدور القوم وتأكيد لحقيقة الصراع. إنه صراع لن ينتهي إلا بحسم لا قرار للبشر فيه ولا يمكن لأيدي السياسيين أن تتلاعب به. والتجربة التاريخية والعملية تقول: لعبة السياسة لا يمكن أن تحسم. إنها تقسّم، تؤجل، تخدّر، توهِم، تخدع، تلعب بالعقول، تنثر الوعود، تنسج الأحلام الوردية، تشتري المواقف والذمم بالمال، وتمارس لعبة الثلاث ورقات لا أكثر من ذلك. إنها أبدا لا تحسم!

إن حجم الكراهية التي ينضح بها إناء بن غوريون وإناء سموطرتش وكل الأواني المستطرقة التي تمارس الضجيج والعويل في كل محفل، لا يمكن وصفه. هي كراهية منطلقاتها عنصرية عرقية ودينية وإيديولوجية. وفي هذه الحالة ليس مهما أن تكون يكون المتحدث من اليمين أو من اليسار.

نهاية المسألة أن سموطرتش وأمثاله يقولون ما يؤمنون به بصوت مرتفع، وغيرهم يمارسونه دون ضجيج. وختام المسألة أن سموطرتش، مثل بن غوريون، يحلم. فقط يحلم. إنها أضغاث أحلام لن تجد لها على أرض الواقع مكانا. فنحن شعب جذوره في هذه الأرض أعمق من أعماق أجداد أجداد أجداد سموطرتش وبن غوريون وأمثالهما. لم ينجحوا في اقتلاعنا ولا بتبديل روايتنا، ولا بإخفاء معالم وطننا ولا بسرقة حلمنا، ولن ينجحوا اليوم ولا غدا ولا بعد غد.. أما الخطأ التاريخي الحقيقي فهو أنه جاء يوم ما يزال فيه أمثال سموطرتش يتقيأون أوهامهم السوداء…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى