أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (83): عندما ينفجر البركان…!

حول احتمالات وقوع انتفاضة في الداخل الفلسطيني

حول احتمالات وقوع انتفاضة في الداخل الفلسطيني

حامد اغبارية

في مقال تحريضي سيئ حاول الكاتب الإسرائيلي نداف شرغاي تسويغ ضرورات مواصلة السلطات الإسرائيلية قمعها لفلسطينيي الداخل بشتى الوسائل، محذرا سلطات دولته من إمكانية وقوع انتفاضة في الداخل من خلال سلسلة من “المؤشرات” التي تستدعي اتخاذ الإجراءات القمعية المناسبة لمنع وقوعها…

ولم يستطع شرغاي نسيان قدراته الإبداعية في تزوير الحقائق وتلفيق الأضاليل، وهو المعروف بقدراته العالية في فنون التحريض على مجتمع الداخل الفلسطيني، وخاصة على التيارات السياسية الفاعلة، سواء الإسلامية أو الوطنية، عارضا المسألة على أنها نتيجة “راديكالية” هذه التيارات، متجاهلا تماما الأسباب الحقيقية للاحتقان الشديد، والتي تعود كلها- دون استثناء- إلى سياسات حكومات دولته تجاه فلسطينيي الداخل.

والسؤال: هل هناك فعلا احتمال حقيقي لإمكانية وقوع انتفاضة أو هبّة في مجتمع الداخل الفلسطيني؟

الجواب: نعم.. الاحتمالات واردة والأسباب كثيرة، وجميعها لا تتعلق بالأهل في الداخل وإنما تتعلق تحديدا بما حاول شرغاي تجاهله، وهو سياسات المؤسسة الإسرائيلية، سواء تجاه الأهل في الداخل أو في الضفة والقطاع أو حتى في المحيط العربي.

رغم الانطباع بأن الهدوء هو سيد الموقف، إلا أن تراكمات عقود من القهر والبطش والقمع والتمييز والعنصرية والحرمان من الحقوق الأساسية والملاحقات والتضييق والإفقار والتجهيل من شأنها أن تشكل مجتمعةً عناصر قوية لانفجار البركان في وجه المؤسسة الإسرائيلية.

تزعم المؤسسة الإسرائيلية أنها ألغت الحكم العسكري الذي ضربته على أبناء شعبنا في الداخل الفلسطيني منذ عام النكبة حتى عام 1966. لكن الحقيقة أنها ألغته رسميا وما تزال تمارسه ضدنا فعليا، بصور وأشكال شتى ومتعددة. وغاية ما في الأمر أن السلطات الإسرائيلية نقلت مهمة تطبيق الحكم العسكري من الجيش إلى الشرطة وإلى المخابرات الداخلية (الشاباك). وقد نفذت تلك الأجهزة المهمة على “أكمل وجه” وبصورة “أفضل” بكثير من الجيش، ولا تزال تؤدي دورها هذا حتى هذه اللحظات.

وحتى يتعجب أكثر من سياسات المؤسسة الإسرائيلية تجاهنا، أحيل القارئ لمراجعة مشهد من التاريخ لا يزال الشعب اليهودي يعتبره من مفاخره، وهو مشهد ما يطلقون عليه “ثورة الحشمونائيم” بقيادة يهودا همكابي، التي يعتبرونها إحدى الصفحات المشرقة في تاريخهم، لأنهم ثاروا ضد القمع والاضطهاد الديني والتضييق الاقتصادي والاجتماعي والملاحقة السياسية التي مارستها الدولة السلوقية التي سيطرت على البلاد في القرنين الثالث والثاني قبل الميلاد. وكانت أهم المسائل التي استفزت اليهود وأدت إلى ذلك التمرد هي المسألة الدينية والتضييقات والاعتداءات على ما يعتبرونه مقدساتهم.

نحن الآن نتعرض لنفس المعاناة التي دفعتهم إلى التمرد ضد الدولة السلوقية، وهذه المعاناة التي نتعرض لها هي من أيدي الذي يواصلون البكاء على ما تعرضوا له من معاناة وقمع وتضييق واضطهاد ديني وملاحقة سياسية. وهذا سلوك غير طبيعي. فالطبيعي أن الإنسان السويّ الذي يتعرض للاضطهاد يكون أبعد الناس عن اضطهاد الآخرين، لأن المظلوم يكره الظلم ولا يمارسه على الآخر. وعلى ذلك فهي حالة من حالتين: فإما أن هناك من زوّر التاريخ ليُظهر للناس أنه تعرض للاضطهاد والقمع فثار من أجل كرامته، وإما أنه مريض مضطرب ويعيش حالة من جنون الرغبة في الانتقام من الآخر أيا كان، حتى لو كان هذا الآخر لا علاقة له بما تعرض له من قمع واضطهاد. وفي الحالتين هناك من يدفع الثمن، وهو نحن.

والسؤال: لماذا تستكثر المؤسسة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني عامة وعلينا – نحن أهل الداخل- غضبنا ورغبتنا في الانعتاق من قمع السلطة واضطهادها وملاحقاتها وتضييقاتها؟ أيكون من حقهم أن يغضبوا لكرمتهم ومقدساتهم وحريتهم ولا يحق لغيرهم؟؟؟

إن هناك ألف سبب وسبب يمكن أن تدفع فلسطينيي الداخل إلى الخروج في غضبة بركانية تنفجر في لحظة فاصلة في وجه ظلم المؤسسة الإسرائيلية. وهذه الأسباب جميعها تقف خلفها سياسات المؤسسة الإسرائيلية، وما سلوك أهل الداخل إلا ردة فعل لهذه السياسات وتلك الممارسات.

ويستطيع أي منا، باحثا كان أو إعلاميا أو أكاديميا أو مواطنا عاديا أن يعدد تلك الأسباب بسهولة متناهية لأن كل واحد منا يعيش مرارتها على جلده على مدار الساعة.

إن شعبًا يعاني كل هذه المعاناة، ويشعر أنه ملاحق في كل شيء، حتى في لقمة الخبز، ويتعرض لكل أشكال التمييز والعنصرية، ويرى المستوطن يدنس أقدس مقدساته بأوسخ أنواع الاستفزاز، ويرى أبناء شعبه يُسحقون تحت القصف وتُدكّ بيوتهم فوقف رؤوسهم وتتمزق أجسادهم اشلاء، ويرى قذائف الاحتلال وصواريخ طائراته السوداء تسحق أجساد الأطفال الصغيرة وأجساد النساء والشيوخ الآمنين، سيكون سخرية الأمم وستلعنه الأجيال وسيكون غير جدير بالاحترام إذا لم يغضب لكرامته وحريته.

وإذا كانت المؤسسة الإسرائيلية تسعى إلى منع وقوع حدث كبير يغلب على ظني أنها ستفقد السيطرة عليه، فإن عليها أن تغير سياساتها وتتوقف عن ممارسة القمع والظلم وانتهاك المقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى، وانتهاك حرمات البيوت وحريات الأفراد والجماعات ووقف التمييز العنصري والتمييز الفج أمام القضاء، والتوقف عن الملاحقة السياسية والتضييق الاقتصادي والتجهيل في سلك التعليم وتزوير التاريخ وقلب الحقائق وخنق المدن والقرى ونشر البطالة، كما عليها اجتثاث العنف وإطلاق الحريات العامة، وعلى رأسها حرية العمل السياسي والتعبير والعبادة، ووقف مصادرة الأراضي، ووقف الملاحقة المخابراتية والتحريض في الإعلام وشيطنة الفلسطيني الرافض لسياساتها.

هكذا يمكن منع تراكم الاحتقان الذي صنعته المؤسسة الإسرائيلية بيديها، وليس كما ينصحها نداف شرغاي بزيادة القمع ووضع الخطط لمواجهة أي تحرك بين فلسطينيي الداخل.

إن أسباب يوم الأرض وأسباب الانتفاضة الفلسطينية الأولى والانتفاضة الثانية وهبّة الكرامة في أيار الماضي ما تزال حاضرة بقوة، وهي في ازدياد، حِدّة وتراكما، وإذا ما استمر الاحتقان ولم تعمل المؤسسة الإسرائيلية على تنفيسه بتغيير سياساتها فإن احتمال وقوع انتفاضة أو هبّة وارد بقوة وفي أية لحظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى