هل ما زالت إسرائيل “دولة اليهود”؟

عائشة حجار
هذا الأربعاء، خرج رئيس الحكومة الاسرائيلية الحالي، نفتالي بينت، بخطابٍ حول تطورات جائحة كورونا وفي مركزه استعرض أسباب امتناع حكومته إلى الآن عن فرض الاغلاق لوقف الموجة الرابعة من الجائحة. تبريرات بينت هي اقتصادية في الأساس، وتحدثت عن أنّ الخسائر المالية التي يسببها الإغلاق هي “مال يتبخر” على حساب أمور أخرى. في أية دولة سوية كان بينت سيقول إن هذا المال يمكن أن يستغل في بناء غرف تدريسية جديدة لتخفيف الضغط، وخطر العدوى في المدارس، أو توظيف المزيد من الطواقم الطبية لتقليل نسب وفيات المرضى. لكن بينت رئيس الحكومة الإسرائيلية، كان مثاله الأول أن شحّ الأموال سيمنعه من إدخال دبابة من نوع “نمير” إلى غزة ويجبره بدلًا من ذلك على استخدام دبابة من طراز قديم. المنطق السليم يقول، إن على القيادة تحت هذه الظروف التفكير في طرق منع الاشتباك بدلًا من التفكير فيه كأمر لا بد منه. بينت لم يأت بجديد، ففي شهر أيار الأخير وبعد أن وصل غليان الشارع إلى كابوس مرعب فيه يقرر أشخاص “إغلاق حساباتهم” مع آخرين لا لشيء سوى كونهم أبناء شعب آخر، خرج وزير الأمن الداخلي الاسرائيلي آنذاك، “امير اوحانا”، باقتراح لخطة وطرح ميزانية لتحضير طرق أشد بأسًا للتعامل مع العرب في حال تكررت أحداث أيار، مع أن اقتراح خطة لمنع هذا الغليان عبر منح الشباب العربي بعض الفرص لحياة أفضل مثلًا، سيكون أقل كلفة وسيعبر عن اهتمام أوحانا بسلامة “المواطنين” بدلًا من اهتمامه بالانتقام لأحداث قبل أن تحصل.
الإشكالية في هذا النمط من التفكير، والذي يرى الحروب امرًا لا حاجة لمنعه، بل لا بد من التفكير كيف سيكون التصعيد القادم أكثر قسوة، والذي يسمح بعدم وجود حكم حقيقي لأكثر من عامين، ويتعامل مع المؤسسات التدريسية على أنها جليسة الأطفال حتى لا يتهاوى السوق إذا ما توقفت النساء اللواتي يربحن أبخس الاجور عن التوجه الى العمل، هذا النمط لا يمكن أن يبني دولة يطيب لأي شخص العيش فيها، بل يبني دولة بائسة يركض مواطنوها كل صباح إلى عملهم حتى يحصلوا ما لا يزيد عن حاجتهم الاساسية بين التصعيد والتصعيد.
“دولة اليهود” يفترض أن تكون دولة حيث يسعد فيها اليهود ويحققون ما لم يتمكنوا من الحصول عليه في أماكن أخرى، لكن الحالة التي نراها، استمرارًا لتاريخ من استجلاب اليهود الشرقيين واضطهادهم ليكونوا عمالًا لدى الاشكناز، واختطاف أبناء اليهود اليمنيين والتعامل مع أمهاتهم ككائنات تافهة غير عاقلة بسبب عدد أطفالهم الكبير نسبيًا، وحتى الاستخفاف بعقول الناخبين جميعًا عندما يبني نتنياهو حملة انتخابية كاملة حول التنمر والسخرية من صوت خصمه، وانتهاء بمحورة كامل حياتهم حول الحروب التي لا حاجة لمنعها، كل هذا يحطم كل الوعود بـ “دولة اليهود” التي يزدهر فيها الشعب اليهودي ويحولها إلى مشروع عسكري طويل ومرهق لا بد من تقديمه على باقي جوانب الحياة.
ومع أنّ العرب هم أول من يتضرر من كل تقصير حكومي بشأن الرفاه النفسي والاجتماعي، وهم الحجة التي يستخدمها القادة الاسرائيليون تباعًا لتبرير تقصيرهم، إلا أن المجتمع اليهودي يدفع ثمنًا غاليًا لهذه الكراهية تجعله متشرذمًا، جاهلًا وفقيرًا كل مرة من جديد.