أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (80): نحو الانتخاب المباشر للجنة المتابعة (5)

ماذا نريد؟ اللاعب الإسرائيلي والممكن..

ماذا نريد؟ اللاعب الإسرائيلي والممكن..

حامد اغبارية

أحد أهم الأسئلة المطروحة، وربما أهمها هو: ماذا نريد نحن كمجتمع في الداخل الفلسطيني؟ هل نريد ان نكون جزءا طبيعيا من المجتمع الإسرائيلي؟ هل نريد أن نكون إسرائيليين بالمواطنة، وأن نمارس حياتنا كأي إسرائيلي يهودي، ونصارع من أجل المساواة معه، ونطحن الماء كما فعلنا طوال سبعة عقود؟ هل نبقى مع حالة الشعور بالدونية والنقصان وأننا مجرد أقلية (مقطوعة من شجرة)، مهضومة الحقوق، تصارع من أجل حقوقها كالحريديم أو كاليهود الشرقيين أو كالأثيوبيين وغيرهم من شرائح المجتمع الإسرائيلي اليهودي؟ هل نريد أن نواصل اللعب في ملعب السياسة الإسرائيلية الذي هو بمثابة فخ أوقعتنا فيه تياراتٌ أوهمتنا أنها تعمل من أجل حقوقنا الوطنية فإذا بالحقوق الوطنية تتقلص لتصبح مجرد فرصة عمل أو مخصصات تأمين وطني أو رخصة بناء أو ميزانية تطوير أو بناء مدرسة أو سد نقص في غرف التدريس وما إلى ذلك؟ هل هذا ما نريده، أم أننا نريد استعادة الهوية وتأكيد الانتماء؟ هوية هي بالتأكيد ليست إسرائيلية، وانتماء هو بالتأكيد ليس انتماء للمجتمع الإسرائيلي؟ أنريد الرفاهية الزائفة أم نريد تأكيد ارتباطنا الحضاري والتاريخي والديني والوطني بهذه الأرض أولا، ثم بالشعب الفلسطيني ثانيا، ثم بالعالم العربي ثالثا، ثم بالدائرة الأكبر والأوسع؛ الأمة الإسلامية؟

علينا أن نجيب على هذا السؤال الكبير والخطير حتى نحدد الطريق واتجاه البوصلة.

نعلم جميعا أن السلطة الحاكمة- أيا كان نوعها- تملك الصلاحية الكاملة لاتخاذ قرارات تراها في مصلحة الشعب، حتى لو كانت هذه القرارات لا تحظى بالشعبية أو لا تلقى قبولا لدى قسم من أبناء الشعب. لكن السلطة، بالصلاحية الممنوحة لها، تستطيع أن تفرض القرار على الجميع وأن تنفذه لأنها تعتقد أن هذا القرار له فائدة سيرى الشعب ثمارها فيما بعد، وإلا من أجل ماذا تُنتخب الحكومات والبرلمانات؟!!

معنى هذا أن السلطة ترى أحيانا أن من مصلحة الشعب السير في اتجاه معين، بينما يريد الشعب شيئا آخر. وبوضوح أكثر: هل تتصرف السلطة حسب أهواء الشعب ورغباته (المتعددة والمتنوعة، وأحيانا المتضاربة والمتناقضة، وفي كثير من الأحيان بعيدة عن قيم مجتمعنا) أم تتصرف لتحقيق ما يحتاجه الشعب فعلا، لا ما يريده؟

يُفترض في السلطة الحاكمة أنها متقدمة عن الشعب في إدراك ما يحتاجه وما يصب في مصلحته، وإلا فإن أية سلطة تسير حسب الرغبات (التي في غاليتها عاطفية وأنانية وفئوية ومصلحية ضيقة) ستصل في نهاية الأمر إلى الهاوية. ستسقُط وسيسقُط معها الشعب.

في الإعلام- على سبيل المثال- هناك مدرستان أو توجهان رئيسيان: الأول يقدم لجمهوره ما يريده وما يدغدغ مشاعره ويثير عواطفه وغرائزه ويسير مع التيار، حتى لو كان هذا التيار نهايته الضياع التام، وهذا ما يميز أغلب وسائل الإعلام اليوم، والثاني يحفر في الصخر من أجل أن يقدم لجمهوره ما يحتاجه فعلا من صناعة رأي وتغيير واقع وتأصيل فكري وتماسك اجتماعي ووعي سياسي وتفاعل حضاري ورقي أخلاقي. فأي النوعين أفضل؟ وأيهما جدير بالاحترام والدعم والتأييد؟

من هنا فإن أي خيار يُطرح للنقاش فيما يتعلق بانتخاب لجنة المتابعة لا يمكن أن يحظى بإجماع تام، لكن هذا لا يعني أن نستنكف عنه ولا نقترب منه لمجرد أن فئة أو تيارا أو مجموعة أو شريحة من الشعب لا تراه مناسبا، وإلا فإننا سنبقى نلف وندور في نفس المكان كحجر الرحى، ولن نحقق أي تقدم أو تطور.

نحن كمجتمع في الداخل الفلسطيني، بكل التعدديات والتوجهات والفئويات والشطحات والتناقضات والتصادمات، لدينا رغبات كثيرة، تتفق أحيانا وتتصادم أحيانا أخرى، وقسم كبير من هذه الرغبات سبّب لنا حتى الآن كوارث أخلاقية وسياسية وسلوكية واجتماعية لا علاج لها إلا بالكيّ. فهل المطلوب الإبقاء على الوضع القائم والتعايش معه، أم السعي إلى تغييره حتى لو كان هذا التغيير لا يُرضي الجميع، وربما كان مؤلما، وربما كانت له أثمان باهظة؟

علينا أن نبذل كل ما يمكن من أجل التغيير للخروج من عنق الزجاجة الذي وُضعنا فيه أو وَضعنا أنفسنا فيه. وإن خطوة كبيرة، كخطوة الانتخاب المباشر للجنة المتابعة، من شأنها أن تضعنا على أولى خطوات التغيير المنشود. هذا لن يكون سهلا إطلاقا، ويحتاج إلى جهد وتخطيط وشكيمة قوية، لكنه ليس مستحيلا. ليس مستحيلا إذا ملكنا الإرادة. ونحن – من تجارب الماضي في محطات مفصلية كثيرة- نملك الإرادة، فلم يبق إذًا سوى اتخاذ القرار.

 

اللاعب الإسرائيلي والممكن

يبقى هناك سؤال لا يقل أهمية عما سبق وهو: هل هذا ممكن من حيث الواقع؟ هل يمكننا فعلا انتخاب لجنة المتابعة كأي شعب ينتخب ممثليه؟ وأين اللاعب الإسرائيلي في هذه النقطة؟ هل ستسمح السلطات الإسرائيلية بهذا؟ هل ستغض الطرف عنا؟ أم ستضع العراقيل وتمنع حدوث ذلك ولو بالقوة؟

هذا كلّه وارد في الحسبان. فنحن ندرك تماما أن السلطة الإسرائيلية لم تسكت على أقل من هذا، لكننا كنا نتجاوز كل العقبات عندما كانت الإرادة متوفرة والظروف ناضجة والقرار جاهزا. فعلنا ذلك في يوم الأرض عام 76 رغم بطش المؤسسة، وفعلناه في مؤتمر الجماهير العربية مطلع الثمانينات، وفي هبة القدس والأقصى، وفي معركة البوابات في الأقصى وفي هبة الكرامة الأخيرة.

صحيح أن الصورة مختلفة، فهنا سعي للانتقال إلى مرحلة نضوج سياسي من خلال انتخاب جسم تمثيلي، لكن الإرادة واحدة والقرار واحد، والظروف اليوم أكثر نضوجا مما مضى، بل فيها تحديات تدفع إلى الأمر دفعا.

بطبيعة الحال سوف تتهمنا المؤسسة الإسرائيلية بالانفصالية والسعي إلى نوع من الاستقلال أو إنشاء دولة داخل دولة. وهذا من العبث السياسي، شأنه كشأن الموقف من الحركة الإسلامية التي حظرتها حكومة نتنياهو عام 2015. فقد كان من بين التهم أنها تنظيم يسعى إلى إقامة دولة داخل دولة. ولم يكن هذا صحيحا البتة. فمشروع الحركة الإسلامية ذاك كان بديلا للتقصير الممنهج وسياسة التفرقة العنصرية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية تجاهنا، فكان لا بد من تعويض النقص في مجتمع جرى تجاهله والتضييق عليه وملاحقته طوال سبعة عقود. ولا يختلف انتخاب المتابعة عن هذا كثيرا. فالمتابعة موجودة أصلا وتعمل منذ أربعة عقود، وما انتخابها انتخابا مباشرا إلا لضرورات تطوير عملها وتنجيعه وتحسين أدائها ومنح الناس الحق في اختيار من يمثلهم، خاصة بعد أن اتضح لكل ذي بصيرة أن انتخابات الكنيست الصهيوني لم تحقق شيئا لمجتمع الداخل الفلسطيني، بل هي إحدى وسائل تدجين هذا المجتمع وإبقائه في حالة من التبعية واستجداء الحقوق. (يتبع).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى