أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (79): نحو الانتخاب المباشر للجنة المتابعة (4)

الشرعية الكاملة، البديل، الفكرة والطموح والدور المطلوب

الشرعية الكاملة، البديل، الفكرة والطموح والدور المطلوب

حامد اغبارية

جوابا على سؤال سابق فإن لجنة المتابعة هي بالتأكيد جسم سياسي يمثل فلسطينيي الداخل، وإنْ كانت لدينا ملاحظات كثيرة على التأسيس، ثم على الطريق، ثم على النشاط، ثم على الشرعية.

ولماذا الشرعية؟

لأن الشرعية- في العادة- يمنحها الشارع أو الجمهور أو الشعب. ولما أن المتابعة تشكلت بعيدا عن هذا المطلب، فإن شرعيتها لا تكتمل إلا إذا اختارها جمهور الداخل الفلسطيني بكامل إرادته من خلال الانتخاب المباشر. وإلى أن يتسنى هذا فإن شرعية المتابعة مأخوذة من الظروف التي يعيشها مجتمع الداخل، وهي شرعية تبقى منقوصة، لكن هذا النقصان في الشرعية لا يصح أن يكون سببا في إلغائها أو إلغاء أهميتها أو دورها، بل يشكل دافعا للتفكير والعمل على منحها كامل الشرعية بالوسائل والطرق والآليات والإمكانات والإمكانيات المتاحة. وإذا كانت المتابعة قد نشأت في ظروف استثنائية- كما ذكرنا في المقال السابق- فإن هذه الظروف يجب أن لا تستمر ولا أن تشكل ذريعة ومبررا لبقاء الحال على ما هو عليه، بل نحن اليوم في ظروف (استثنائية) تستدعي- بكل قوة- أن يتحول هذا الجسم المهم إلى برلمان منتخب من الجمهور.

إن من شأن الوصول إلى تحقيق هذا الطموح أن يشكل بديلا وطنيا فلسطينيا للمشاركة في الكنيست الإسرائيلي؛ ترشحا وتصويتا. وبذلك تتوقف مؤامرة الأسرلة التي تُعتبر المشاركة في الكنيست وما تسوّقه من أوهام وخداع وغسيل دماغ إحدى ركائزها الأساس.  كما أنه سيحدِثُ في مجتمع الداخل عملية فرز تُستردُّ من خلاله الهوية ويتأكد الانتماء، كما سيعرف أهل الداخل إلى أين تتجه بوصلتهم، ومن هم الذين عملوا طوال سنوات على تشويه الهوية وتشويشها وحرف البوصلة، حتى إذا عرفوهم وضعوهم في المكان الذي يستحقونه. وهذا المكان- بالتأكيد- لن يكون لجنة المتابعة ولا أي جسم آخر يعمل من أجل تغيير واقعنا.

قد يبدو هذا في نظر بعض الأهل من المستحيلات أو من المسائل التي يصعب تحقيقها، لكنّ الطموحات الكبيرة تبدأ بأمنية نفس، ثم تنمو الأمنية لتصبح فكرة، ثم تنمو وتكبر الفكرة بمن يلتفّون حولها ويحمونها ويدافعون عنها، لتصبح ذات يوم واقعا. هكذا يُصنع المستقبل. وإن شعبنا- كما خبرناه على مدار سنوات الجراح- قادر على اجتراح المعجزات وتحقيق ما يبدو اليوم حلما. فإما أن نثق بهذا، وإما أن نعلن على الملأ أننا لا نثق بقدراتنا ولا بقدرات أبناء شعبنا ومجتمعنا على إحداث التغيير. وهذا بطبيعة الحال يعني رفع الراية البيضاء؟ فمن ذا الذي يجرؤ على رفعها؟

إن المطلوب من لجنة المتابعة بصفتها الجسم المنتخب جماهيريا، والذي يمثل مجتمع الداخل تمثيلا كامل الشرعية، ليس تحصيل الحقوق اليومية، فهذه مسألة يُفترض أنها تحصيل حاصل، وإن كانت هناك ضرورة لوجود جسم تمثيلي يعمل على تحصيل تلك الحقوق اليومية، فإن هذه المسألة تبقى هامشية مقارنة مع الدور الحقيقي المطلوب منها. هذا الدور يتلخص في إحياء ثوابت شعبنا بين أبنائه وربطهم بها وتنشيط تفاعلهم معها، وفي مقدمتها تأكيد انتماء مجتمعنا لدوائره الثلاث؛ الشعب الفلسطيني والعالم العربي والأمة الإسلامية، ثم بلورة أجندة وطنية جامعة تضم الإسلامي والقومي والوطني وكل تيار أو مجموعة أو فرد يؤمن بالانعتاق من فخ اللعب في ملعب المشروع الصهيوني (كنت قد نشرت مؤخرا سلسلة في قضية الثوابت لمن يريد الرجوع إليها)، ثم الوصول إلى مجتمع عصامي يرتقي بنفسه وبأبنائه دون انتظار الفتات من سلطة لا ترانا أصلا. ومن المهمات ذات الشأن، والتي ربما تجنب الكثيرون الاقتراب منها طوال الوقت، تطهير الصف من كل قوى معطلة أو قوى تسعى إلى مواصلة جرّ هذا المجتمع إلى مربع الأسرلة والاستسلام للواقع والتعاطي معه وكأنه مسألة حتمية مفروغ منها.

ولعلنا كنا طرحنا سؤالا في هذه السلسة: ما هي الأجندة الوطنية، ومن الذي يحددها ويؤطرها ويضع تفصيلاتها الدقيقة؟

لا أزعم أنني أملك الجواب القاطع والسحري على هذا السؤال، لكنني بالتأكيد أملك الإرادة والجرأة الكافية والوعي الكامل والإدراك التام أن بين أظهرنا من يستطيعون ليس فقط الإجابة على السؤال وإنما تحقيق الإجابة على أرض الواقع، وهؤلاء هم الذين ملأ حب هذه الأرض وهذا الوطن جوارحهم وأخذ بمجامع قلوبهم، هم المصلحون الصادقون الذين قرأوا التاريخ قراءة مستنيرة وفهموا ما فيه من عبر ودروس، وقرأوا الواقع المرير الذي نعيش، ورأوا بعين صلاحهم ووعيهم وفهمهم لدقائق الأمور أولويات بناء مستقبل هذه المجموعة الأصيلة من هذا الشعب الفلسطيني وهذا العالم العربي وهذه الأمة الإسلامية. وهم كُثر، يمكن من بينهم تشكيل لجنة تأسيسية لوضع تفصيلات هذه الأجندة وتحديد معالمها وحدودها.

ثم إن المطلوب منا أن نحدد معالم الإجابة على سؤال: ماذا نريد؟ فهذه القضية من أهم القضايا، بل هي أهم قضية تخص مجتمع الداخل الفلسطيني، لأننا إذا حددنا ما نريد فإن معالم الطريق ستتضح، ولا يبقى سوى السير الحثيث حتى الوصول.

لقد زعم الذاهبون إلى الكنيست، الساعون إلى الأسرلة والاندماج بذريعة الواقع المفروض، أن في إمكانهم أن يحققوا لمجتمع الداخل الرفاهية وتحصيل الحقوق ورفع مستوى المعيشة وتلك القائمة الطويلة من الأوهام التي يسوقونها في كل حملة انتخابات. وفي هذه النقطة مسألتان: الأولى أن ما قالوا إنهم سيحققونه ليس هو ما يريده وما يحتاجه مجتمعنا، فالمسألة ليس مسألة عيش رغيد وحقوق يومية هي في الأصل حقوق أساسية لكل مواطن في أي دولة حقيقية وليست منّة، ولا هي تحتاج إلى كل هذا الجهد وإلى هدر تلك الملايين من الدولارات. والثانية أنهم لم يحققوا ما وعدوا به. وهذا له سببان: الأول أن المؤسسة الإسرائيلية دولة عنصرية، تتعاطى مع الفلسطيني كعدو وكخطر (أمني وديمغرافي)، وفي أحسن الأحوال تتعامل معه كمواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة، وتمارس ضده القهر والتجهيل والإفقار والتضييق ونزع الشرعية، بل وفي حالات معنية تنزع عنه صفة الإنسانية (راجع فتاوى الحاخامات). والسبب الثاني أن الذاهبين إلى الكنيست لم تكن نيتهم الحقيقية تحقيق ما وعدوا به الجمهور وإنما الوصول على أكتاف ذلك الجمهور. وهذا له شواهد كثيرة على أرض الواقع.

ثم إننا سنفصل في الجواب على سؤال: ماذا نريد، وصولا إلى اقتراح مفصل حول كيفية انتخاب المتابعة مباشرة. (يتبع).

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى