أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الصهيونية الدينية ومهمة حراسة المُــقدس: هل هي حرب مــفتوحة على الفلســطيني؟

الحاريدية في سياقات الصهيونية الدينية (2)

الحاريدية في سياقات الصهيونية الدينية (2)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

يشغل بال فقهاء التيار الديني الصهيوني هذه الأيام حالة الردة في التدين المصاحبة لتقدم التيار الديني الصهيوني على أرض الواقع، إذ تتجلى علاقات مضطربة بين التدين والانتساب للتيار الديني الصهيوني على اختلاف مدارسه، بعدئذ تعمقت في العشريتين الأخيرتين علاقة التيار مع المفاهيم القومية المستمدة من اليهودية، باعتبار إسرائيل دولة يهودية، ومعنى اليهودية في هذا السياق ليس بالضرورة التدين وفقا للنمط الحاريدي أو حتى ما جاءت بها تنظيرات الراب كوك، وابنه والمدرسة المنبثقة عنها بما في ذلك تنظيرات وتوجيهات التيار الديني السفارادي، ولذلك يقلق حاخامات التيار الديني الصهيوني اليوم ثلاثة قضايا تكاد تكون مركزية في سياق العلاقة بين مجتمع التيار والتدين، فهناك جموع من أبناء هذا التيار يتخففون من الالتزامات الدينية ولكن يبقون داخل التيار وهناك من يترك الالتزام الديني كلية ولكن يبقى على علاقة مع التيار في السياق الأيديولوجي القومي، وهناك العديد من الشباب والعائلات تتجه نحو الانخراط في التيار الديني الحاريدي-القومي ويعتبر نفسه من التيار الديني الصهيوني.

على مستوى العلاقة الوجدانية تبقى مسألة القيم القومية النسيج الرابط لمنظومات التيار الديني الصهيوني وتتداخل في هذا السياق بعض تجليات هذه القيم متمثلة على سبيل المثال لا الحصر في الاستيطان في المناطق العربية كالقدس والنقب والجليل والمدن الساحلية، وهناك الاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى المبارك، والتي تحوّلت في العشرية الأخيرة، إلى سيمفونية حكومية كرافعة سياسية وانتخابية للحزب الحاكم، وهذا ما فعله نفتالي بينيت أيام العشر من ذي الحجة حيث سمح باقتحام 1750 يهودي للمسجد في يوم واحد، كاسرا حتى (الستاتوس كفوو) الذي وضعه نتنياهو، ووضع أساسا جديدا خلاصته السماح لليهود الصلاة في ساحات المسجد الأقصى المبارك. هذا كله ضمن معادلات العلاقات البينية القائمة داخل هذا التيار ومحاولات القيادات الدينية والسياسية، خلق معادلات جامعة تجمع بين مصالح تحقيق مستويات من التدين وإبقاء الاتباع والمؤمنين بالفكرة داخل التيار الصهيوني الديني بمعسكراته المختلفة. ومؤخرا هناك داخل التيار الديني الصهيوني المركزي- تيار الراب كوك- من يتساءل عن أسباب اتخاذ التيار مسألة أرض إسرائيل كمشروع أساس في مسيرة التيار (خلاص الأرض وتحريرها من الجوي) تاركا العديد من المهام التي قد تفوق هذه المسألة أهمية من الناحية الشرعية، بحيث أضحت حالات من المفارقة داخل المكونات الشبابية الدينية- القومية يقدّمون فيها أهمية أرض إسرائيل والخدمة العسكرية، باعتبارها الأداة الوحيدة للحفاظ على الأرض على بقايا القضايا الدينية، ومنها العبادات والتعليم الديني، ومن ثم فتراجع مستويات التدين تحت لافتات الحفاظ على القضية الأساس، إسرائيل، يعني بالضرورة تغلغل القيم العلمانية العمالية العلمانية الأولى التي تعتبر المؤسس الفعلي والعملي لإسرائيل، ويؤكد ذلك أن الذين يقومون بالاستيطان في مختلف انحاء البلاد بما فيها القدس لا يقومون بالضرورة بذلك لأسباب دينية صرفة، بقدر ما يتعلق الامر بالإغراءات المادية التي تمنحها الحكومة التي ما زالت منظومة القيم الحاكمة فيها علمانية، وعليه تتحول الصهيونية الدينة في هذا الجانب الى أداة يستغلها المنتمون للتيار لتحقيق مآرب مادية تترافق وامتهان قيم دينية، وهو ما يتخلق به اتباع التيار الديني الحاريدي القومي، إذ أنَّ كافة قضايا التطرف التي ظهرت في السنوات الأخيرة داخل التيار الديني الصهيوني تنسب إلى اتباع الحريدية سواء جماعات تدفيع الثمن أو قتلة عائلة الدوابشة أو النوويات التوراتية، وهذه المجموعات تتسم وفقا لعديد الدراسات بتنوع مستويات التدين بينهم، خاصة أن أعدادا كبيرة منهم من العائدين/ التائبين وما زالت عالقة فيهم قيم واخلاق عاشوها وترعرعوا عليها، علما أن أعدادا لا بأس منهم -أي من الشباب المنتسب اليهم- هم من أرباب الجرائم والأحداث، وهو ما يعني أن العنف المتأصل عندهم، قد تمَّ توجيهه نحو الفلسطيني دينيا وهذا بحد ذاته يجب ان يكون محل دراسات مستقبلية، إذ كما ذكرت في مقال سابق فإنَّ هذا التيار سيكون له المستقبل في السيطرة على عموم التيار الديني، بما في ذلك بعضا من التيار الحاريدي الليتواني، تيار الراب أهرون يهودا ليف شطايمن، المكنى بتيار بني براك، والذي يرى بجواز انتساب أبناء اليشيفوت إلى الخدمات المدنية او العسكرية. التيار الحريدي يعتبر نفسه اليوم الأكثر ائتمانا من باقي مكونات التيار الديني الصهيوني على أرض إسرائيل وحمايتها والحفاظ عليها من الأغراب، أي من العرب الفلسطينيين، مما يعني بالضرورة مناكفتهم وسحب الأرض منهم على اعتبار انهم استولوا على هذه الأرض التي هي منحة الرب لهم بمختلف الوسائل والطرق، بما فيها العمليات الإرهابية، وهم في هذه السياسات والإجراءات يتحصلون على فتاوى من حاخاماتهم، عِلما أنهم أقل تدينا من اتباع التيار الديني الصهيوني الرسمي.

في هذا السياق تشكل فتاوى حاخامات التيار الصهيوني الرسمي المنضوية تحت مدارس الراب كوك بيانا لهذا الطرح المتعلق بمدى تدين هذه المجموعة، وتعتبر على سبيل المثال لا الحصر فتاوى حاخامات التيار على موقعه الرسمي، هيشيفا، مصدرا ثريا لدراسة التحولات الدينية وانماط التدين لدى اتباع هذا التيار، خاصة في جدل العلاقة القائم مع باقي مكونات التيار وماهيات التيار الحريدي الذي يتغلغل ببطء ولكن بثبات داخل المكون الديني الصهيوني، ويخلق حالات من مقاربات التدين الشعبوي يعزز فيه القومي على حساب الديني بمستوياته الخاصة أي التدين الشخصي والتدين العام، أي التدين في الحيز العام، وتتم هذه العملية في سياقاته الإجترارية خلال الدين ذاته وتفسيراته سواء الحزالية (راجع المقلة السابقة -1-) أو المعاصرة. يتبع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى