أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (77): نحو الانتخاب المباشر للجنة المتابعة (2)

عن دور أعضاء الكنيست العرب:

حامد اغبارية

عن دور أعضاء الكنيست العرب:

عرضتُ في المقال السابق حزمة من الأسئلة التي أعتقدُ أنها تلامس الهمّ العام فيما يتعلق بلجنة المتابعة العليا ومستقبلها. وهي أسئلة تحتاج إلى إجابات صريحة وجريئة وواضحة. فالجمهور، الذي هو القاعدة الحاضنة لكل فعل ونشاط يتعلق بمجتمع الداخل الفلسطيني، من حقّه أن يتلقى إجابات وإيضاحات على كل تساؤل واستيضاح واستفسار واستغراب واستهجان، وإلا فإن كل من يبني وجوده ومستقبله على هذا الجمهور سيفقده ذات يوم وسينفضّ من حوله إذا ماطل وسوّف وتهرّب من الإجابة. فالجمهور كما أنه يعرف كيف يكافئ ويحتضن فهو يعرف أيضا كيف يعاقب حتى لو بدا الأمر الآن وكأن الجمهور مستكين، أو أن قسما منه يمارس دور القطيع، أو أنه يبدو غافلا غير مدرك لحقيقة ما يدور حوله.

وقبل أن أجتهد في الإجابة على الأسئلة المطروحة بالتفصيل وصولا إلى معادلة الانتخاب المباشر للجنة المتابعة وطرح الأفكار التي من شأنها أن تحقق هذا الهدف، من الضروري مناقشة مسألة في غاية الأهمية وهي دور أعضاء الكنيست العرب وعلاقتهم باللجنة. والسؤال المطروح: هل الدور الذي يؤديه أعضاء الكنيست العرب هو ضمن الأدوار المنوطة بلجنة المتابعة، أم هو دور منفصل عنها، منافس لها؟

في تصوّري أن هذه المسألة اختلطت أوراقها حتى أصبح الأمر تحصيل حاصل، بمعنى قبول الواقع الحالي على عِلاته، والتعايش معه أيًّا كانت النتائج وأيًّا كان حجم الإنجازات التي يقول أعضاء الكنيست العرب إنهم حققوها! حتى لو قاربت الصفر.

وأرى أن الدور الذي يؤديه أعضاء الكنيست العرب هو دور منافس لنشاطات لجنة المتابعة، لكنها منافسة تلحق الضرر ولا تضيف شيئا إلى سجلّ المتابعة ولا تُحقق ما يُفترض أن يحققوه كأعضاء تلقائيين في اللجنة. فاللجنة أساسا هي سقف جامع لجميع الأطر السياسية، ولها نظام داخلي يُفترض أنه يضبط سلوك تلك الأطر أو على الأقل يوجه هذا السلوك. لكن الكلام شيء والممارسة شيء آخر.

عندما يتحدث أعضاء الكنيست العرب عن “إنجازاتهم” من خلال وجودهم في تلك المؤسسة السياسية الصهيونية فإنهم ينسبون تلك “الإنجازات” إلى أنفسهم، بدلا من أن ينسبوها إلى لجنة المتابعة مثلا، بصفتهم أعضاء فيها، وبصفتها الإطار التمثيلي الجامع. وهذا السلوك يعني واحدا من أمرين: إما أنهم يعتبرون النشاط في الكنيست خارجا عن إطار المتابعة، وإما أنهم يرون أنفسهم أكبر من المتابعة، وفي الحالتين الأمر خطير.

نفهم أن لجنة المتابعة هي الجسم السياسي والوطني التمثيلي لمجتمع الداخل الفلسطيني. وبصفتها تلك يُفترض أن أي إنجاز، مهما كان صغيرا، يجب أن يصب في نهاية المطاف في صالح هذا المجتمع، وفي نفس الوقت يقوّي ذلك الجسم ويدفعه إلى الأمام. لكن الواقع يقول عكس ذلك، فلا “الإنجازات” حققت شيئا يُذكر ولا هي زادت المتابعة قوّة وحصانة، بل إنها أضعفتها وفي كثير من المحطات همّشتها ولم تلتفت إليها. وأكثر من ذلك كانت هناك محطات حاول فيها أعضاء الكنيست العرب (من خلال القائمة المشتركة، خاصة بعد أن حققت 15 عضو كنيست في انتخابات آذار 2020) طرح أنفسهم كبديل للمتابعة. وقد ظهر ذلك في بيانات المشتركة وفي بيانات بعض الأحزاب المشاركة فيها، كما ظهر في ترويج الإعلام الصهيوني بشكل خاص لدور المشتركة وتقديمها على أنها هي الإطار الذي يمثل مجتمع الداخل الفلسطيني، مع تهميش مقصود عن سبق إصرار لدور لجنة المتابعة. ورغم أن هذه الخطة فشلت، خاصة بعد تفكك المشتركة وتراجع عدد الأعضاء، وبعد كل ما حدث في الانتخابات الأخيرة، إلا أن أعضاء الكنيست العرب ما زالوا حتى الآن يمارسون ذات السلوك ويقدمون نشاطاتهم على أنها نشاطات أعضاء كنيست يمثلون أحزابا ولا يقدمونها على أنها جزء من نشاطات المتابعة. وهذه المسألة واضحة لكل ذي بصيرة ولكل متابع.

بناء على ما تقدم فإن حقيقة الأمر أن هناك إطارين تمثيليين: المتابعة وأعضاء الكنيست العرب. وكون الأحزاب التي ينتمي إليها أعضاء الكنيست العرب ممثلة في لجنة المتابعة لا يعني شيئا في هذه الحالة، بل يساهم في اختلاط الأوراق وإضفاء الضبابية على المشهد. وهذا سيء جدا. فإننا كمجموعة سكانية هي جزء من الشعب الفلسطيني ومن العالم العربي ومن الأمة الإسلامية، وإن اعتبرتها المؤسسة الإسرائيلية أقلية (عددية)، يُفترض بنا أن تكون لنا طموحات أكبر بكثير من مجرد حقوق يومية يحصل عليها المواطن العادي في دولته التي ينتمي إليها انتماء شعوريا ووجدانيا وفكريا وتاريخيا وحضاريا ووطنيا ودينيا، فأين نجد هذا كله أو شيئا منه في تفصيلات علاقتنا بالمؤسسة الإسرائيلية؟

إن الدور الذي تؤديه المشاركة في الكنيست الصهيوني يوجه في الحقيقة طعنة في صميم هذه المسألة، ويلحق ضررا كبيرا في تلك الطموحات ويحاصرها ويضعفها ويحجّمها. وإنك لتجد ألف دليل ودليل على خطورة هذا الدور وهذه المشاركة من مراجعة تاريخ المشاركة في الكنيست (ترشيحا وتصويتا) منذ 1949، بعد أقل من سنة من إيقاع النكبة على شعبنا. ويمكنك أن تقرأ حقيقة هذا في حرص المؤسسة الإسرائيلية على مشاركة فلسطينيي الداخل في الكنيست تمثيلا وتصويتا، مقابل معاداتها الصريحة لكل إطار خارج هذه المعادلة، ورفض تعاطيها مع لجنة المتابعة كجسم تمثلي لمجتمع الداخل.

بناء على ذلك فإن المشاركة في الكنيست والدور الذي يؤديه أعضاء الكنيست العرب (منذ الكنيست الأولى…) لا علاقة له بنشاط لجنة المتابعة ولا يصب في مصلحتها ولا يخدم سجلّ نشاطاتها، كما أنه لا يصب في مصلحة ومستقبل هذا القطاع الأصيل من شعبنا وأمتنا، بل يلحق ضررا كبيرا في قضاياه كلّها. ولذلك فإن ممارسة العمل السياسي من خلال الكنيست يتعارض مع ما يُفترض بلجنة المتابعة أن تمارسه على الحقيقة ويتناقض معه تناقضا واضحا، وهو عمل سياسي مستقل خارج الإطار الجامع.

في المحصلة نحن أمام جسمين سياسيين أحدهما إطار جامع هو المتابعة والآخر إطار منافس معطّل لأي تطور للمتابعة هو أعضاء الكنيست العرب مجتمعين وأفرادا. ولهذا لا بد من وضع حدّ لهذه اللعبة الخطيرة من خلال وضع النقاط على الحروف بداية، ومن ثمّ نقل المتابعة من حالة الترهل والشلل إلى وضعية الإطار التمثيلي الحقيقي. (يتبع).

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى