أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

أياد إسرائيلية تعبث في أزمة “سد النهضة”…ما أهدافها؟

ساهر غزاوي

لست هنا بصدد الحديث، عن تفاصيل أزمة “سد النهضة” (القنبلة المائية الموقوتة) بين إثيوبيا ومصر والسودان- وهي في صميم الأمن القومي لجميع الأطراف- التي عادت إلى واجهة أزمات منطقة الشرق الأوسط من جديد لتطفو انعكاساتها وتداعياتها على السطح مرة أخرى، وسط فشل الجهود الإفريقية والدولية بالتوصل إلى حل ووصولها إلى طريق مسدود لإصرار إثيوبيا على تنفيذ ملء ثانٍ للسد بالمياه في تموز الجاري وآب المقبل بهدف توليد الكهرباء لأغراض التنمية، كما تقول إثيوبيا. بينما تتمسك مصر والسودان بالتوصل أولًا إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد لضمان استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل. في عجالة، نحاول في هذه المقالة القصيرة، تسليط الضوء على جانب من الدور الإسرائيلي الحاضر الأبرز في أزمة “سد النهضة” بشكل مباشر، حيث ترغب تل أبيب بالسيطرة على نسبة من مياه النيل، لما تراه من عوائد كبيرة عليها من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية.

في الإجابة على سؤال المنافع السياسية والاقتصادية للكيّان الإسرائيلي من أزمة “سد النهضة”، لا بدّ بداية من العودة إلى تاريخ مطالب المشروع الصهيوني في مياه النيل. ففي العام 1903 قدّم زعيم الحركة الصهيونية تيودور هرتزل، مشروعًا يسعى من خلاله إلى بناء مستوطنات في شبه جزيرة سيناء تنضم في وقت لاحق إلى المستوطنات في فلسطين المحتلة، حيث سعت المنظمة الصهيونية إلى توطين اليهود في العريش. ولمواجهة مشكلة ندرة المياه في تلك المنطقة، اقترح هرتزل على لانسدون، وزير خارجية بريطانيا، مد أنبوب على عمق كبير تحت قناة السويس لضخ مياه النيل إلى شبه جزيرة سيناء. لكن بريطانيا رفضت هذا الطلب، بسبب تأثيره السلبي على مشروعات الزراعة المصرية بالوادي، خاصة محصول القطن الحيوي للصناعة الإنجليزية.

لم يتوقف المشروع الصهيوني المتمثل بالكيّان الإسرائيلي بالمطالبة بأن يكون له نصيب من مياه نهر النيل، ففي العام 1974 طرح المهندس الإسرائيلي اليشع كالي، مشروعا تضمن نقل جزء من مياه النيل يقدّر بـ 1% سنويًا لتزويد المستوطنات الإسرائيلية في النقب وقطاع غزة والضفة الغربية، بواسطة أنابيب تمر تحت قناة السويس بجانب منطقة الإسماعيلية المصرية، يصل طولها إلى 200 كلم. ثم إن رغبة إيصال مياه نهر النيل إلى النقب كان ضمن بنود المفاوضات المصرية الإسرائيلية قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد. تلك المطالب التي قوبلت بالرفض في السبعينات، ولّدت الفكرة الإسرائيلية، بضرورة أخذ دور في مياه نهر النيل.

من حيث البُعد الجيوسياسي، فإن الكيان الإسرائيلي يطمح إلى توسيع نفوذه والهيمنة على مصادر الطاقة التي يعدّ نهر النيل أبرزها، ما سيعزز موقفه السياسي في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية وتمتين العلاقات بالدول والأنظمة هناك، وهذا التوجه ستعززه إقامة سد النهضة، خاصة أنّ السد سيجعل من تل أبيب، محورًا مهمًا في ترتيب العلاقات الإفريقية الداخلية ولاعبًا أساسيًا، ليس في بناء السد فحسب، بل في استراتيجية الاستفادة منه مستقبلًا، لا سيّما وأن تل أبيب حاضرة في هذا الملف بكل قوتها لأنها تعتبر إثيوبيا بوابتها على إفريقيا أولًا وتغلغلها في دول حوض النيل ثانيًا. لذلك تسير تل أبيب ضمن مبدأ الضغوط المكثّفة على مصر من أجل دفعها سياسيًا واقتصاديًا، للعودة إلى مشاريع نقل “مياه النيل” باتجاه المستوطنات والمدن الإسرائيلية في النقب، من خلال تدخلها المباشر في مسألة “سد النهضة” والتأثير على تداعياتها السلبية ضد مصر وأمنها المائي والسياسي.

حتى نفهم هذه الصورة أكثر، فإنه من أجل أن يتحقق حلم المشروع الصهيوني بمرور نهر النيل في صحراء النقب، فإن الكيّان الإسرائيلي بات يتحكم بنسبة كبيرة من المشروعات المائية والكهربائية في أثيوبيا (من دول المنبع)، ما سيجعله يتحكم أيضًا في مرحلة لاحقة بتدفق مياه النيل، من المنبع إلى المصب، مع ضمان حصول مصر على نسبة معينة، على أن تكون هي من ضمن “المصب”، بمعنى أن تشترط تل أبيب وصول المياه إليها مقابل السماح بوصوله إلى مصر، وذلك من خلال شراكتها مع أثيوبيا في “البنك الإثيوبي لتصدير مياه النيل الأزرق”.

من الإشارات التي تؤكد على الدور الإسرائيلي الحاضر في أزمة “سد النهضة” بشكل مباشر، تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته إلى أديس ابابا في تموز من العام 2017 عندما قال أمام البرلمان الأثيوبي: “سندعم أثيوبيا تكنولوجيًا لتستفيد من مواردها المائية”، لا سيما وأن هذا التصريح تزامن مع افتتاح السلطات الإثيوبية المرحلة الأولى من السد على مياه النيل الأزرق في الشهر ذاته لزيارته. يضاف إلى ذلك فإن السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر تسابي ميزال اعتبر أن على القاهرة عدم التعامل بأن النيل ملكها وعليها أن تتقبل وجود السد الإثيوبي، وأن على إثيوبيا أن تعمل على عقد تفاهمات تحفظ حقوقها في مياه النيل.

وقد ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن تل أبيب بدأت في بناء نظام الدفاع الجوي “سبايدر – أي أر” حول سد النهضة أوائل شهر أيار 2017 وانتهى بعد أقل من شهرين ونصف فقط. وسبق أن قام وفد عسكري يضم 50 ضابط إسرائيليًا بزيارة إثيوبيا لمدة أسبوع في 2014 وهي زيارة كان لها علاقة بتأمين سد النهضة.

هذه التحركات والتصريحات الرسمية، تُرجمت إلى مساهمة الكيّان الإسرائيلي في الإشراف على تطوير الزراعة الإثيوبية الذي اشترط توفير حصة أكبر من المياه للاستمرار في تعاونه وهو الشرط الذي ساهم بتعجيل بناء سد النهضة. كما أن شركات إسرائيلية كبيرة تقف وراءها ومن بينها شركة الكهرباء الإسرائيلية الحكومية التي تستحوذ على 70% من سوق الكهرباء في إسرائيل. فإلى جانب تصديرها لتكنولوجيا المعلومات والطاقة إلى إثيوبيا، تستثمر تل أبيب في 187 مشروعا بواقع 58 مليون دولار، وتعتزم الاستثمار بـ 500 مليون دولار في مجال الطاقة الشمسية والرياح. أيضاً أنشأت تل أبيب ثلاثة سدود مائية كجزء من برنامج يستهدف بناء 26 سدًا على النيل الأزرق لري 400 ألف هكتار، وإنتاج 38 مليار كيلو وات ساعة من الكهرباء، وهي مشاريع يرجح أن تحرم مصر من 5 مليار متر مكعب من المياه.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى