أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الصهيونية الدينية ومهمة حراسة المُــقدس: هل هي حرب مــفتوحة على الفلســطيني؟ الحريدية في سياقات الصهيونية الدينية (1)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

التيار الديني الصهيوني الحاكم عمليا هذه الأيام في الدولة العبرية والمتحكم في الكثير من مفاصلها، ليس واحدا، وإن نجح في الثلاثين سنة الأخيرة من عمر هذه الدولة من تحويل اليهودية من مجرد حالة طقسية إلى حالة مجتمعية مُعاشة وتعبر عن الهوية الجمعية للإسرائيليين. ومع ذلك فقد شهد هذا التيار تحولات مهمة داخله انعكست على المجتمع الإسرائيلي، والعكس صحيح، ولعل الإحصائيات التي تتحدث عن أنّ المناهضين للدين والتدين في المجتمع الإسرائيلي لا تتجاوز نسبتهم الـ 5% (انظر تمار هيرمان في: المتدينون الوطنيون، التيار الوطني الديني في إسرائيل 2014- معهد الإسرائيلي للديموقراطية) تؤكد حجم التحولات التي أحدثها هذا التيار، سواء في تديين المجتمع الإسرائيلي وإدخال الدين كمركب في هويته، أو في خلق حالة من المصالحة بين المجتمع ككل والعلماني منه مع اليهودية كدين وميراث موروث وهوية هي من أهم المؤثرات التي أحدثها هذا التيار في المجتمع الإسرائيلي، ومع ذلك فإنَّ هذا التيار يتعرض لارتجاجات داخلية تتجلى في الانقسامات المستمرة داخله، ولعل ارتفاع اسهم التيار الحاريدي داخل الدينية الصهيونية مؤشر على هذه الارتجاجات، إذ يتميز هذا التيار بتشدده ليس اتجاه غير اليهود بل اتجاه اليهود أنفسهم وفي عام 2019 صرّح رئيس الحكومة الحالي، نفتالي بينيت، أنه حاريدي بعد أن شنّ حزب “أبيض أزرق” حملة شعواء على هذا التيار وخطورته الراهنة والمستقبلية ليس على الدينية الصهيونية بل وعلى المؤسسة الإسرائيلية وكبيان لحجم تغلغل هذا التيار صرح بينيت انه حاريدي علما انه أبعد ما يكون عنهم فكرا وعبادة وممارسة.

في السابق سُمي هذا التيار داخل الصهيونية الدينية بالمجموعة التوراتية وهو ما عاد في السنوات الأخيرة تحت مسمى البؤر التوراتية التي حُمِّلَتْ مهمة اختراق المدن الفلسطينية الساحلية التاريخية لخلق تغيير ديموغرافي يدفع بالسكان العرب للهجرة وترك هذه المدن، وتمت حمايتهم من قبل المؤسسة الإسرائيلية وهم من يقود حملات الحرب الشعواء على أهالي النقب تحت حجة حماية الأرض وانقاذها من “البدو”.

 

تديين الصهيونية 

عمليا الحركة الصهيونية التي بدأت رحلتها بتوظيف الدين لتحقيق أهدافها القومية ممثلة بتأسيس إسرائيل في ظل حماية أممية وعربية، حطّت رحالها الأخيرة لتكون الصهيونية بمؤسساتها العالمية خادمة لفكرة ترويج اليهودية بين يهود العالم بغض النظر عن كيفية التعاطي مع اليهودية في دول مثل الولايات المتحدة وكندا، إذ المهم أنّ الحركة ومعها الدولة دخلت مرحلة تديين الصهيونية، ومنذ أن تولى نتنياهو الحكم للمرة الثانية عام 2009 دخل التيار الديني الصهيوني مرحلة التوراتية “الحاريدية” ليس في السياق السياسي ابتداء، بل في السياقات الفلسفية والتعبدية، ومن ثم في السنوات الأخيرة من بدايات العقد الثاني من هذا القرن، تغلغلت التوراتية مؤثرة على الدينية الصهيونية لتأخذ أبعادها السياسية.

عمليا، الاهتمام البحثي الإسرائيلي في الصهيونية الدينية، ومن ثم في الدينية الصهيونية والتوراتية الصهيونية، مبكرة جدا، رافقت تطورات الحركة الصهيونية، ولكن أبحاث الصهيونية الدينية أخذت عمقا بحثيا في حقول العلوم الإنسانية والاجتماعية مع الانتصارات الحاسمة التي حققها الجيش الإسرائيلي عام 1967، وتناولت الأبحاث المبكرة التحولات الأيديولوجية المسيانية والسياسية لدى هذا التيار، وقد رافق التحولات التي جرت داخل هذا التيار تحولات مماثلة داخل المجتمع الإسرائيلي وشكل المحاججات والمناظرات المتعلقة بأرض إسرائيل وتحريرها، أحد أبرز معالم التحولات البطيئة في المجتمع الإسرائيلي وكل قضية ذات صلة بأرض إسرائيل، شغلت المجتمع الإسرائيلي سياسيا وقيميا وكان للتيار الديني الصهيوني الدور الكبير في تحريك تلكم المياه وأدلجة وتسييس العديد من القضايا ذات الصلة، من مثل الاستيطان في الأراضي “المحررة” المحتلة عام 1967 أو اتفاقيات السلام التي أُبرمت مع مصر عام 1978 وأوسلو مع منظمة التحرير عام 1993 واتفاقية وادي عربة مع الأردن عام 1994 وإخلاء المستوطنين من غزة عام 2005 ومكانة العرب الفلسطينيين في “إسرائيل” والعلاقة الأمنية المترتبة مع هؤلاء “الجوييم”. وتعمقت مثل هذه القضايا بعد أن تمّ إدخال المسجد الأقصى على الخط، وها هو يأخذ دورا طليعيا في فكر هذه المجموعة مع الشراكة بين الكهانية والتيار الديني الصهيوني الحاريدي.

تعود ظاهرة الحاريدية داخل التيار الصهيوني الديني إلى سنوات السبعينات الأولى، أي أنها ترافقت مع احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وسيناء والجولان، علما أنَّ عددا من الباحثين في الظاهرة الدينية وتحولاتها داخل التيار الديني الصهيوني يعزون الاصطلاح ودخوله الى القاموس السياسي الديني الإسرائيلي للنائبة العمالية دالية ايتسيك، إذ نحتته في الكنيست في سياق استجواباتها لوزيرة التربية والتعليم، شلومييت ألوني حول قضايا الإقصاء والتفرقة داخل مدارس وكليات هذا التيار، فيما يذهب آخرون إلى أنه ظهر مبكرا فيما سمي في مطلع خمسينات القرن الماضي التيار التوراتي. في العقود الثلاثة الأخيرة ثمة تغييرات في مكانة ومواقف التيار الديني الصهيوني، وشكل تغلغل القيم الدينية القادمة من المدرسة الحاريدية أحد أهم معالم تلكم التحولات والتغييرات وقد طالت هذه التغييرات الوضعية الديموغرافية، حيث ازدادت أعداد المتدينين وارتفع تبعا لذلك عدد المنتسبين ولاحظ الباحثون ارتفاع عددهم بين الناشئة من اليهود، ولاحظ العديد منهم أن اختراقا هاما أحدثه هذا التيار في النسيج المجتمعي اليهودي فكان المنتسبين له من الاشكناز والسفارديين والشرقيين، وهو ما شكل تغييرا في الخارطتين السياسية والاجتماعية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى